قصة

البيت

البيت
البيت

لم يكن البيتُ كبيرًا، ولا جديدًا، بل لم يكن فيه من مظاهر الفخامة شيء. لكنه، لسببٍ ما، بدا دائمًا كأنه يتنفس. كانت جدرانه تعرفنا، تهمس لنا في المساء، وتربت على أكتافنا حين نعود مُنهكين من الطرقات الطويلة.

في الممر الصغير، عالقة رائحة الشاي والياسمين. وفي الزاوية التي يُغطيها الغبار، ما زالت لعبة الطفولة تنتظر أحدًا يعيد لها اسمها.

كان البيت يتقادم ببطء، مثل رجل عجوز يبتسم رغم تجاعيد وجهه، لا يغضب من الصمت، ولا يشكو من الوحدة. يكفيه أن تفتح نافذة واحدة، وتدع النسيم يمر، كأنك تقول له: “ما زلت أراك، ما زلت أحتاجك.”

الأصوات فيه لا تُنسى. صوت أمي وهي تنادي على الغداء، صوت أبي وهو يُقلب جريدة قديمة، صوت ضحكنا في المطبخ، حتى صوت الحنق حين كنا نتشاجر، كان يحمل دفئًا خاصًا لا يعرفه الغرباء.

وحين غادرنا، بقي البيت. لم يغضب، لم ينسَ. ظل هناك، كما هو، ينتظر. كأنه يعلم أننا في النهاية، سنعود…

ولو على هيئة ذاكرة.

ولو على هيئة حنين لا يُروى.

البيت، ليس جدرانًا وأبوابًا، بل قلبٌ صامت، يُحبّك دون شرط… ويغفر لك كل الغياب.

مقالات ذات علاقة

شَـوَاطِئُ الْغُرْبَةِ

المشرف العام

حكايتان

زكريا العنقودي

من ضحايا النزاعات

عبدالله الشلماني

اترك تعليق