الخميس, 24 أبريل 2025
المقالة

ذكريات ليبية في روسيا..

الصورة في مدينة سانت بطرسبرج صحبة أخي وعدد من الاصدقاء الروس سنة 1989
الصورة في مدينة سانت بطرسبرج صحبة أخي وعدد من الاصدقاء الروس سنة 1989

في القنصلية الليبية بموسكو، تأملت وجه القذافي في الصورة المعلقة له في بهو الزائرين.. كنت أعتقد وقتها أنه أحد أقارب ليبيا التي تركناها بعد إفطار ساخن من عصيدة بالرب والحلبة والسكر.. كنت طفلا وقتها سنة 89 تقريبا.. غورباتشوف تائه في دهاليز التركة السوفيتية يبحث عن توابل تدفأ الصقيع الشيوعي وتعيد روسيا كي تنظر من عاصمة القياصرة سانت بطرسبرج الي اوروبا.. سانت بطرسبرج التي طغى عليها أسم فلاديمير لينين لتصير ” لينينغراد “..

كطفل ستكون نظرتك مثالية مربوطة بمعارفك الوليدة.. كنت أحيانا أتأمل ” الوحامة ” التي في جبهة غورباتشوف.. رأيتها شبيهة بخريطة وطنه وقتها الاتحاد السوفيتي.. وكطفل ستقارن.. لماذا لا توجد خريطة ليبيا علي جبهة العقيد القذافي.. خريطة ليبيا المرسومة علي علبة الادوات الدراسية التي نسميها في ليبيا ” الهندسة “.. والتي احضرناها أخي الكبير وأنا.. من شقتنا لنري اطفال “لينينغراد” شكل بلادنا علي الخريطة… 

 كانت الهندسة كما أتذكر ترسم صورة وطن عربي كبير وكل بلاد بلون مميز.. أول كلمة تعلمناها بالروسية كانت حسب ما أتذكر “دوبرا أوترا -صباح الخير”.. كان التلفزيون الروسي وقتها وجبة دسمة مليئة بأفلام الحرب العالمية الثانية التي ضل الشعب السوفيتي يستحضرها طوال حياته.. كانت تسمي عندهم الحرب الوطنية العظمي…

بعد زمن طويل علي عودتنا اكتشفت سبب تجييش المجتمع الشيوعي الذي حبانا القدر برؤية السنوات الاخيرة في عمره.. قبل ان يسرع غورباتشوف في قطع الحبل السري للحزب الشيوعي المرتبط بالجمهوريات السوفيتية.. وذلك نتيجة الصدمات الوجودية التي تعرض لها في حروبه عبر التاريخ.. والدرس الاقسى حين كانت البلاد قاب قوسين او ادنى من سقوطها تحت القدم النازية المرعبة لهتلر.

في روسيا رغم إننا لعبنا بكل أنواع العساكر وبكل أنواع الاسلحة.. وماكينة استهداف الغواصات تحت الماء.. إلا أن الشق الثاني هو من يصنع الانسانية الروسية ويؤثر بها علي من يعايشها، هذا الطرف كان الطبيعة الساحرة المذهلة في روسيا البحيرات جمال الناس.. الحدائق أمام البيوت بمنحوتاتها.. الرسوم المتحركة للأطفال.. أغانيهم المليئة بالشجن العاطفية والوطنية ” ككاتيوشا “.. صيفهم الساحر.. الذي تمتلأ فيه البحيرات بالمصطافين.. كما أن حضور الادب الروسي كان قوي في الروح الروسية.  

 وأنا طفل مع أخوتي المقاربين لعمري كنا نلعب وسط روايات غوغول وتولستوي، غوركى ودوستويفسكي وتشيخوف.. الدون الهادي.. الصيف الأخير.. الانفس الميتة.. هذه بعض عناوين رواياتهم عن دار رادوغا.

لقد كان لينين من الوجوه المصاحبة لي في الطفولة بصوره ووجوهه علي البروشات والملصقات والتماثيل.. لازلت أتذكر تصوير له وهو يخطب في الشعب الروسي متقدا حماسا في أحد الفيديوهات المسجلة له في شتاء روسيا الفادح.

مات لينين وبقى الحاضر الغائب.. وأتذكر ذلك اليوم الذي كنا فيه بالساحة الحمراء بالكرملين حين رأيت طابور طويل من الناس أمام مزار.. سألت أبي ما هذا يا أبي.. قال لي أنهم يزورون قبر لينين زعيم الاتحاد السوفيتي الأول.. فقلت له لماذا لا نزوره؟.. فأنساني ابي الموضوع بطريقته.

وأذكر أحد المرات التي قمت فيها بكارثه حين ذهبت إلي السوق القريب منا لأشتري شيء ما وفضل معي بعض النقود فاشتريت “بروش” يعلق علي الصدر.. عبارة عن صورة جانبية لوجه “لينين” ورجعت إلي البيت وأنا أرتديها.. ليكتشف أهلي الكارثة السياسية الكوميدية التي قمت بها.

روسيا درس من دروس الطفولة.. لا ازال أتذكر صديقي ” بافلك ” الذي علمني كيفية إمساك العناكب والنحل دون خوف ومحبة جمع الاحجار النادرة.. وكم كنا أشقياء مع اصدقائنا الاطفال الروس لدرجة قيامنا بخدعة لرجل روسي سكير هو أب لأحد الاطفال بالمنطقة والذي يخجل من افعاله السيئة المتمثلة في أنه دائم الترنح من السكر في الشارع مما سبب في احراج ابنه الطفل.. فقمنا بمثابة الدرس لهاذا الاب.. حينما ملأنا له زجاجة خمر فاضية وجدناها في الشارع بالماء المتجمع في أحد برك الحديقة.. وقدمها له أحد افراد مجموعتنا من الاطفال.. لنموت بالضحك وهو يشرب منها ويتفاجأ بطعمها.. وكان انتقامه بسيطا بمحبة رغم أنه أراد اعطائنا درس.. حينما هرب الجميع وكنت أقلهم سرعة ليمسك بي ويرفعني من فوق الارض وينزلني ويتركني أحمل الرسالة الي اصدقائي الأشقياء.


–  كتب النص سنة 2015.

– الصورة في مدينة سانت بطرسبرج صحبة أخي وعدد من الاصدقاء الروس سنة 1989.

مقالات ذات علاقة

الفرق بين الحضر، وشبه الحضر خاصة في دولتنا ليبيا

حسين بن مادي

الشاعر الكبير مفتاح العمّاري يصفع التوحش

يونس شعبان الفنادي

اليوم العالمي للغة العربية

المشرف العام

اترك تعليق