سليمان كشلاف
تعددت مساهمات الأديب الأستاذ “علي مصطفى المصراتي” الثقافية، فقد ساهم في كتابة القصة القصيرة والدراسة الأدبية والبحث التاريخي والتراجم، حتى وصل عدد الكتب التي نشرها إلى ما يزيد عن الثلاثين عنواناً منذ أن أصدر كتابه الأول (أعلام من طرابلس) سنة 1955م.
والتاريخ الأدبي سيحفظ اسم الأديب الأستاذ “علي مصطفى المصراتي” كأحد الكُتّاب الذين حاولوا المساهمة في تثبيت قواعد للأدب العربي في “ليبيا” بنشاطاته المتعددة في عدة مجالات، ويضعه في مكانه الصحيح بعد أن تُقوّم كافة مجهوداته الأدبية.
سيكون للأديب الأستاذ “علي مصطفى المصراتي” مكانه في تاريخ القصة في “ليبيا”. وسيكون له مكانه في كتابة التراجم الشخصية. وسيكون له مكانه في كتابة الدراسة التاريخية. سيحفظ له مكانه ومكانته كأحد الرواد الذين أعطوا في زمن لم يكن فيه إلاّ الجهل والفقر والمرض.
غير أن كل ذلك لا يمنع مناقشة بعض الظواهر التي بدأت على يد الأديب الأستاذ “علي مصطفى المصراتي” واستمرت مع كُتّاب وأُدباء غيره.
فمما يلفت النظر في كشف مؤلفات وتحقيقات الأديب الأستاذ “علي مصطفى المصراتي” وجود ثلاثة عناوين لكتب ليست له وإن وجد تبريراً لذلك في كلمتين ربما أقنع نفسه بهما وربما يكون قد أقنع الآخرين زمناً طال أو قصر، لكني أرى أنه آن الأوان لمناقشة هذا الفهم الخاطيء وهذا الاستغلال لجهد الآخرين ووضع الاسم عليه، خاصة أن هذه الظاهرة لم تتوقف عند الأديب “علي مصطفى المصراتي” فقط بل امتدت لتشمل بعده كُتًّاباً آخرين سلكوا نفس الطريق.
وبداية يجب إيضاح البدهيات التي ربما لا تحتاج إلى إيضاح، فمصطلح (تحقيق) في الدراسات التاريخية أو الأدبية يعني أن الكاتب يقوم بتحقيق كتاب أو مخطوط من عدة نسخ يختلف بعضها عن بعض اختلافات بسيطة أو كبيرة ليخلص المحقق إلى نصٍّ صحيح ومؤكد من خلال مناقشة الاختلافات بين نسخ المخطوط أو الكتاب.
ومصطلح (دراسة) يعني أن يقوم الكاتب بدراسة عن كاتب ما أو كتاب ما وفقاً للمنهج الأدبي الذي يتصور أنه يُلقي إضاءات أكثر ويُفسر مواقف وأعمال الكاتب، ليخلص إلى أحكام أدبية عن الكتاب أو الكاتب أو عنهما معاً.
فما الذي فعله الأديب “علي مصطفى المصراتي”؟
أعاد نشر ديوان “مصطفى بن زكري” ووضع اسمه عليه، كذلك فعل بديوان “أحمد البهلول”، ثم أضاف كلمتي (تحقيق وتقديم). أما ديوان “أحمد الشارف” فقد كتب عليه “دراسة وديوان”.
ونحن لا نعرف أن ل”أحمد البهلول” أو “أحمد الشارف” أو “مصطفى بن زكري” مخطوطات، بل دواوين مطبوعة، وبذلك استحال استخدام مصطلح “تحقيق” لهذه الكتب.
وأيضاً، فنحن نجد أن الأديب الأستاذ “علي مصطفى المصراتي” لا يعتبر أن ما كتبه عن الشعراء والدواوين الثلاثة هو “مقدمة” لو لم يكتبها هو لكتبها غيره من الأدباء، سواء كان ذلك في زمن مضى، أو زمن سيأتي، طالما أن الديوان نفسه قد طُبع من قبل.
ولذلك نسأل أنفسنا كما نسأل الأستاذ “علي مصطفى المصراتي”:
– بأي حقٍ ينسب كاتب ما أعمال كاتب آخر إليه ويضع اسمه عليها؟؟
عشراتٌ ومئاتٌ وآلافٌ من الكتب وُضعت لها المقدمات وكُتبت عنها الدراسات، لكنها دائماً تظل ملكاً لصاحبها، ولا تحسب ضمن أعمال الأديب الذي قام بكتابة الدراسة أو المقدمة.
يتكرر الأمر من جديد من الأديب الدكتور “أحمد إبراهيم الفقيه” فيكتب دراسة عن المجموعة القصصية للدكتور “وهبي البوري” وينشر المجموعة القصصية بعنوان (بدايات القصة القصيرة في ليبيا) حاجباً اسم الكاتب الأصلي -بدون أي مبرر من منطق – ليضيفها إلى مجموعة مؤلفاته.
ويتكرر الموضوع بصيغة أخرى مع الكاتب “حسن علي خشيم” حيث يضع اسمه على كتاب (تقارير بعثة الصليب الألماني في الحرب الليبية الإيطالية) بعد أن يضيف كلمتي “مراجعة وتقديم حسن علي خشيم”.
كيف تمت المراجعة ونحن نعرف أن “حسن علي خشيم” لا يقرأ أو يكتب باللغة الألمانية ؟؟؟؟؟؟؟
وكيف يتصور “حسن علي خشيم” أن الورقة الوحيدة التي كتبها ولا تزيد عن ثلاثين سطراً، وجودها أو عدمه سواء، مبرر لوضع اسمه على غلاف الكتاب تسبقه كلمتا “مراجعة وتقديم”؟؟؟
وتكر السبحة من جديد، ويصدر كتاب (الليل والسنون الملعونة.. قصائد ومقالات مجهولة) للشاعر “علي الرقيعي” لينطبق عليه ما ينطبق على كتاب (بدايات القصة القصيرة في ليبيا)، فالكاتب “بشير العتري حنين” الذي جمع النصوص وقدّم لها أصدر الكتاب يحمل اسمه طويلاً عريضاً يتضاءل إلى جانبه الشاعر المبدع “علي الرقيعي” ويتوارى خجلاً، وكأنه ينكر هذا الفعل وهو في قبره.
لاشك أننا في حاجة إلى وقفة لمناقشة هذا الأمر، فمن العيب أن نسلب الآخرين – أحياءًا أو أمواتاً – حقوقهم لتظهر بأسمائنا.
الكاتب/ سليمان سالم كشلاف، مجلة (لا)، العدد رقم (12)، السنة الأولى، (1/12/1991م)، ص 60-61