جنينة السوكني في أمسية أدبية….
لا أدري ما حكاية عشرية التسعينات، التي افتتحت بمجلة (لا) و معرض الكتاب في طرابلس ثم توّجت بحضوري لمسرحية (توقف) قبل نهاية العشرية، حين التقيت في رحاب (دار الفنون) ولأول مرة الأستاذ “محمود البوسيفي” والمبدعة “أسماء الأسطى”، ورأيت الأستاذة “عزة المقهور”، لتضمنا صالة صغيرة غدت خشبة مسرح نستمتع فيها بمشاهدة مسرحية (توقف)، طريقة عرض مبتكرة، الجمهور يحيط بالممثلين. الفنان الكبير “محمد الطاهر” على كرسي، والمتألقة “فاطمة غندور” في فستان يضيء، وسنغرق في ذاك العالم ونشعر بالوجع، وتتقافز الأسئلة، ثم ما يشبه اليقظة المفاجئة من نوم عميق والتصفيق، وبهجة الاستاذة “عزة” حين وقف الفنان المبدع (محمد الطاهر) من ذاك الكرسي، وكانت لروعة أدائه ظنته (مُقْعَدا حقا)، ياااااه على تلك العشية، ثم ليل يغمر طرابلس بمحبة، وباقة الورد التي تشاركت ثمنها مع صديقتي “هدى”، والتي دفعت القيمة الأكبر من ثمن الباقة، “هدى” البنت الحسناء طالبة الطب التي كان لقائي بها في (مكتبة سبها) للكتاب المستعمل، وقد أوصتني أن أبلغ أعمق تحياتها للفنانة الفائزة بجائزة في مهرجان المسرح في طرابلس، عن هذا الدور في مسرحية كتبها المبدع “منصور بوشناف”، وقد بلّغت السلام للمبدعة “فاطمة”، وقدمت باقة الورد ولكن لم أذكر إنها هدية مشتركة، وقد أخبرتُ “هدى” بهذا الأمر وغضبت مني وايضا سامحتني لأني اعترفت أن بهجتي كانت كبيرة لأني اقدم باقة ورد متميزة لفنانة ليبية. “هدى” الجميلة واختها الفاتنة التي التقيت بها في ذات المكتبة، وستنتهي علاقتي بها سريعا، ولكن ظلّت في ذاكرة القلب بغضبها وجمالها وثقتها التي منحتني، مضت مثل طيف عابر وتركت أثراً يشبه نسمة صيفية باردة في يوم قائظ.
عشرية مكتظة بالتعرف على شخصيات أدبية تحولت في معظمها إلى صداقات، وأيضا وهذا مهم جدا نشرت قصائدي لأول مرة في مجلة الفصول الأربعة في عدد سبتمبر 1992م (ورد تاريخ العام على غلاف المجلة خطأ 1993م) ولم أنتبه لذلك وأنا أختار مقالة الشاعر “سالم العوكلي” التي كانت احتفاء بقصيدة الشاعرة (رؤى أحمد- الطريق) وأيضا بمجموعة نصوصي.
وأيضا التقيت في هذه العشرية بالشاعر “سالم العوكلي” صحبة الصديق “أحمد الفيتوري” وأظن كان معهما “رضوان بوشويشة” في صالة (فندق الأجنحة)، وكنت قد بعثت عبر الصديق “أحمد” برسالة امتنان للشاعر “العوكلي” الذي احتفى بقصائدي، واعتبرته العراب الذي طوّبني شاعرة حقيقية.
وأيضا مشاركتي في العدد الخاص بالتجربة الشعرية الليبية منذ (1970-1990م)، وكانت قصيدة (قداسة) صحبة قصيدة (عندما يشتهي النخيل) هما مشاركتي بهذا العدد الخاص (الذي ضاعت نسختي منه).
عشرية كان من حظي أن ألتقى بالشاعر الصحفي اللبناني “يحي جابر”، لأعرف أن ثمة ملف خاص عن التجربة الأدبية الليبية يعدّه للنشر في (مجلة الناقد) ولأترك له قصيدتين في استعلامات (الفندق الكبير)، وهي ايضا العشرية التي عرفتني طالبة بالدراسات العليا بجامعة ناصر، و لقاءاتي مع شاعر الشباب “علي صدقي عبد القادر”؛ ولا انسى أروع أمسية شعرية احتفاء بديوان الشاعر “مفتاح العماري” (رجل بأسره يمشي وحيدا)، وهي أيضا العشرية التي عملت بها محررة صحفية بصحيفة ( الطالب).
وفي هذه العشرية توالت أنشطة رابطة الكتاب والأدباء الليبيين، والتي ساهمت فيها بقراءات لأعمال أدبية تحتفي الرابطة بصدورها، فقط لا أتذكر هل هي صديقتي الشاعرة (كريمة حسين) من أعطيها كراستي التي أكتب بها مشاركتي لتأخذها لرابطة الأدباء، أم هي صديقتي (جميلة) وربما كل واحدة من صديقتّي ساهمت في هذا، كنت أشارك دون أن أحضر هذه الأنشطة، وطبعا سيكون أحد المشاركين هو من سيتولى قراءة ما كتبت.
قبل أيام قابلتني الكراسة التي كتبت بها عن مجموعة (الخيول البيض) لـ”أحمد عقيلة” و(خفايا التأويل) لـ”إبراهيم بيوض”، بعد سنوات نشرت ما كتبت عن مجموعة الكاتب “أحمد يوسف عقيلة” في زاويتي (قراءة) في الملحق الثقافي لصحيفة (الجماهيرية)، وكان تاريخ النشر (السبت 11/12/ من شهر صفر الموافق 10/11/ من شهر الربيع 1374و.ر). يا الله كم مرهق البحث عن الأعوام التي توافق هذه التواريخ بين ميلاد الرسول ووفاة الرسول، وقد وجدت متابعة في صحيفة الشمس في (الجزء الثاني والأخير متابعة “جنينة السوكني”)، وهي في هذه المتابعة لم تذكر أني لم أكن حاضرة وبالتالي لم أعرف من الذي تولى قراءة هذه المشاركة، وقد نشرت المتابعة في الأربعاء 21 محرم 26 من شهر الطير 1430ميلادية/ العدد2081 ص5 شؤون ثقافية.
وكانت المتابعة كالتالي:
حواء القمودي ( كاتبة) شاعرة.. في قراءتها لمجموعتي الخيول البيض “أحمد يوسف عقيلة” وخفايا التأويل “ابراهيم بيوض”- تناولت الكاتبة/ حواء، مجموعة أحمد يوسف عقيلة (الخيول البيض) بدراسة أدبية، محللة ملامسة أدق التفاصيل، مستخرجة صورا جديرة بالوقوف على مدلولاتها وأبعادها النفسية من خلال قصص بعينها- حسب رأيها- إبداع القاص وتمكنه. وأفرغت دراستها إلى أن “أحمد عقيلة” بدأ مجموعته بالفاجعة وتنويع الآخر وجذب الطبيعة حيث يقف الإنسان عاجزا إزاء سطوتها مستمطرا شآبيب الرحمة من قبور الأولياء ليصغو إليه.
على ان الكاتبة أبدت أراء فيما لا داعي له، وأشارت إلى نقاط سلبية أخلت بسياق بعض القصص، وبعضها لم يضف شيئا.
وربما كانت هذه الأمسية في عام (1994م) وأيضا شاركت بقراءات أخرى من ضمنها عن ديوان الشاعر “عبد الله زاقوب” الأول في طبعته الخاصة (حالات)، وأشهد أني كنت قاسية في بعض الآراء، ولكن أيضا لم اغمط حق القصائد التي رأيت فيها تميزا، وأظن أن صديقي المبدع “محمد الزوي” ذكر لي أن من قرأ ورقتي تغافل (عن قصد) عن تلك الآراء القاسية، ولم يقرأها باعتبار أن هذا العمل هو الديوان الأول للشاعر .
من محاسن الكتابة في كراسة أن هذه المتابعات بعضها ما زال موجودا في دفتي كراسة (وفقط أرجو أن أجدها في زحام الاوراق والكتب والكراسات التي أغرق في بحرها هذه الأيام).
عشرية …الرسائل / الصداقات
ولهذي العشرية تلك الأنفاس المضمخة بالبحث عن الآخر، ولكن هذا الحلم يتقاطع مع ذاك الحنين اللافح والحار لهذه التي اسمها (الحرية)، ثم هذا الغياب عن واقع صار خانقا بتفاصيل الشك والريبة، وأمي التي تحاول فهم ما الذي أصاب ابنتها حتى أنه لا يتقدم أحد لخطبتها، مرة ابتهجت باستقبال سيدة خاطبة لابنها وكانت صحبتها ابنة في العاشرة من عمرها، كنت آتية من المدرسة (كنت معلمة 1984م)، وفوجئت بوجود تلك السيدة واحتفاء أمي بها، سلمت عليها وذهبت لإعداد القهوة وكانت تلك البنت المرافقة لأمها قد صحبت أختي وجاءت للمطبخ وكان تبادل حديث، لنعرف منها أنها تركت الدراسة لتعاون أمها المريضة في الاهتمام بسبع أخوة والثامن الأب، وحينذاك كانت موعظتي لها؛ أنت لست مسؤولة عنهم وأخبرتها أني أواصل تعليمي بالجامعة رغم أني معلمة، وظلت أمي تتساءل لماذا لم ترجع تلك المرأة ولا تدري عن القنبلة التي فجرتها عن حرية المرأة وحق اختيار شريك الحياة؟
ومازلت أتذكر كيف غافلتني، وذهبت صحبة قريبة لها لامرأة اشتهرت ذلك الوقت ومكان اقامتها في (تاجوراء) هل اسمها (الصويعية) لا أتذكر جيدا، إلاّ أنها أتتني بصرة صغيرة (بها بخور لأتبحر به بين عصر ومغرب من ليلة الجمعة)، لأصبّ على رأسها جام معلوماتي عن الشرك الذي قامت به لذهابها (لتقازة/ عرافة)، وهي تقول: (والله يا بنيتي مداير في حاجة غير شافت شالك الابيض وقالت بنتك ما فيها شي، غير تبخر روحها)، وأرغيت وأزبدت ثم بعد (طاسة الشاهي الاولى) في عصر اليوم التالي، أخبرتني أمي أن تلك (الشباحة) قالت لها: (فيه واحد من العيلة يخش عليكم ويبيها). و لكن لا أنا ولا أمي عرفنا من هو، وبعد سنوات في حديث عابر أخبرتني صديقة من العائلة عن (فلان الذي كان يريد خطبتي، ولكن بعض أسرته رفض ذلك ….؟؟؟).
ولا أنكر أن مواضيع قد عرضت من نساء الأسرة وحين أرفض، كانت كل واحدة توصيني ألاّ أخير أمي (ما توصي يتيم على بكي) كنت هكذا أقول في نفسي، وجميعهن لا يعرفن أن لوثة الحرية وحق الاختيار قد عصبّت عينيّ أغلقت مسارب تفكيري، ولكن كنت أعيش مزاج الحرية بشكل آخر وأبحث، وأظن أغلبنا صادفته طلبات الصداقة في مجلات عربية نقرؤها، وهكذا في كل مرة أختار اسما لأكتب له، وكانت أغلب الرسائل التي وردتني مضحكة، عدا رسالة رغم بساطة كتابتها كانت تفوح بالصدق، وعرفت الاسم الحقيقي لصاحبها وصرنا نتبادل الرسائل، والذي أعجبني أن هذا الشاب لم يكن كاتبا ولا مدّعي ثقافة ولكن كان يحاول جاهدا أن يكون أفضل، وفاجأته شخصية هذه البنت/ الكاتبة والتي أحيانا تشطح في رسالة لها فيرتبك ويسألها عن قصدها في هذه العبارة التي وردت، وأخبرها أنه حدّث أمه عنها، وكان يوم من أيام دراستنا في جامعة ناصر حين جاء للتعرف عليّ، لأجد أمامي شابا بسيطا مرتبكا يحمّر وجهه من جرأة صديقتي ومن ضحكاتي وليذهب معنا (في الافيكو) لأن زميلتي هذه تريد شراء حذاء وهكذا نزلنا في محطة (جامع بورقيبة) لندخل محلات الأحذية التي تقابل (باب الجديد)، وأظن ان رسالة وصلت منه حدثني فيها عن أثر هذا اللقاء، ولكن…. انشغالي بمعركة (رسالة الماجستير) وظروف أخرى، وطبيعتي القلقة وووو توقفت عن الكتابة حتى لمجرد تحية، وكانت آخر ما جاء منه كرت للتهنئة بدخول عام 2000م، وأعترف أني في حالة غضب من هذا المجتمع أحرقت رسائله المتخمة بتفاصيل شاب بسيط وعادي، وأشهد أني نادمة وحزينة لهذا….
أمّا الصديق الآخر والذي تعرفت عليه من خلال المراسلة، كان طالبا في (البرازيل) ويعطي دروسا للغة العربية لطلبة، وأظن أن رسائله مازالت في حوزتي، وأظنني ساهمت بإرسال معجم للغة العربية وبعض الكتب له، وكان عدد الرسائل المتبادلة على أصابع اليد، ولأني كالعادة أتوقف ذات لحظة، ….