8
(مجلة العربي) لا أستطيع أن أغفل دور هذه المجلة في دعم شخصيتي الإبداعية، أو ترسيخ الوعي بهذه التي ستغدو يوما ما “كاتبة”.. كيف ذلك؟
البداية كانت مع القصص والشعر وبعض موضوعات أو مقالات لا تكون طويلة، هذه المجلة التي ابتدأ صدورها مع عام 1958م تعرفت عليها نهاية المرحلة الإبتدائية، ولأن الاهتمام بأي ورقة مطبوعة صار هاجسي فقد وجدت يوما ما مايشبه كتابا، في بيت عمي “محمد…” وهكذا تصفحت وقرأت وعرفت بوجود مجلة اسمها (العربي)، والتي ستغدو صديقة بمعنى الكلمة، حين أكبر قليلا وانتبه للسؤال عنها لأجدها من مقتنيات أخي الكبير.
وكان صيف 1978م، الذي أنتظر فيه نتيجة (الشهادة الإعدادية)، وستكون أعداد هذه المجلة هي من سيلهيني عن التفكير في النتيجة. وأعترف أني لم أجتهد كما ينبغي، رغم أن العام الدراسي تميز بمعلمات رائعات من؛ مصر وفلسطين، ومعلم اللغة الإنجليزية الليبي الأستاذ “الهادي”، وتلك السنوات كنّا ندخل الإمتحان بلا (أعمال السنة)، أي تكون الدرجة من (مـائـة)، ونجحت! ولكن بتقدير (مقبول)!
ما أتذكره حقا هو بكاء تلميذة مجتهدة ودائما نجاحها بامتياز، رسبت في مادة (التنمية)، إذا لم تخني الذاكرة و (ماتشدوهاش عليّ)، خرجتْ تجهش بالبكاء قاطعة ذاك الطريق الطويل من مدرستنا (بنت الوطن)، إلى حيث بيتهم الذي يبعد أكثر من ثلاثة كيلومتر.
أعرف قفزت على سنة مهمة، على سنة تميزت بفرح كبير وحزن أيضا العام الدراسى (76-77) الفرح تمثل في مجيء أخت لي، أنا من كانت وحيدة طوال أربعة عشر عام، آخر العنقود “هالة”، نعم سأناديها كما حلمت بها أمي، ولكن أمي كما تعودت لا تطلب ولا تعترض، حلمت بأنها ستنجب هذه البنت وحلمت بهذا الإسم، وأتذكر كيف كنّا نتجادل على اسم هذه الصغيرة، وسألنا أبي فقال سموها “حبس الزين”، ثم اختار هو اسمها على ابنة عمَ نحبها جميعا وكان تاريخ زواجها قبل مجيء أختى بأشهر قليلة.. لم تخبرنا أمي بالحلم والاسم إلاّ بعد مرور أكثر من عشرين عاماً تقريبا. إذن حظيت بمؤنسة أخت.
فما هو الحزن الذ ي جاء به عام 77م. جاء هذا الحزن في شهر مارس تحديداً في نهايته، وفاة العندليب الأسمر “عبد الحليم حافظ “.
ربما جيلي وجيلين قبله جميعا عشق هذا (العندليب)، نعم كان هناك “فريد الأطرش”، و و و و، لكن لـ”عبد الحليم حافظ” مكانة خاصة.
مازلت أذكر في مناسبة ما، وكنت بعمر خمس أو ست سنوات والصبايا بالدفوف واقفات أو متحلقات في دائرة والدائرة تدور وتدور وأنا معها وانتبه لتلك الجملة (دا حبيبي شاغل بالي يابا يابا شاغل بالي… ما رمانا الهوا وانعسنا واللي شبكنا يخلصنا)، غناء وتصفيق وصبايا مزهوات جميلات في حجرة في بيت عربي ونسائم الصيف.
وأكبر لأعرف هذا (العندليب)، وأعشقه أعلق صورته داخل دولاب ملابسي وأخفي صوره في صندوقي الخاص، وزميلات الصف الثاني إعدادي يعرفن عشقي له وصديقتي المقربة تنتظرني في ذاك الصباح عيناها حمراوان وأنا متأخرة عن الطابور وأنتظر الإفراج عنا لأدخل الصف، وأجد البكاء وتنتبه صديقتي أني لا أدري
– عبد الحليم مات ياحوا.
– لا.. لا
تحضنني ونبكي معاً، لكن موعد حصة الرياضيات وأستاذ مصري هل هو “نسيم” نسيت حقا، يطلب مني أن أرفع رأسي عن المقعد، وحين وجد وجها باكيا سأل عن السبب فأجاب الفصل:
– عبد الحليم مات يا أستاذ!
فأجاب:
– ومالو.. مات مات؟!
وليتواصل بكائي خفية في بيتنا، لأن هناك من (يكره) “عبد الحليم” ويسميه (شيطان البنات)، ويأخذ الراديو من بين يديّ كلما سمع صوته، مازلت أذكر كيف تهاوى “الراديو” بين شد وجذب وأبي يتوسط بيننا، يطلب من أخي “….” أن يترك لي الراديو فيقول:
انت ما تعرفاش يابوي هذا شيطان البنات.؟!..
كانت فرحته غامرة، وصار يضحك من دموعي هكذا انزويت في “فردة الدولاب” أبكي بصمت. وستكون هذه العبارة (عبد الحليم شيطان البنات) صورة شعرية في أحد نصوصي (خمس مليمات بكفي).
……………….