متابعات

الجمعية الليبية تؤبن بن موسى والدويب

حفل تأبين الراحلين، رضا بن موسى، وجمعة الدويب

تجسيدا لمعاني الوفاء والحنين، نظّمت الجمعية الليبية للآداب والفنون بالتعاون مع إذاعة طرابلس المحلية، حفل تأبين للراحلين الكاتب رضا بن موسى، وجمعة الدويب وذلك مساء يوم السبت 19 أبريل الجاري، في قاعة المحاضرات بالمركز الثقافي القبة الفلكية.

ووسط حضور نوعي من الكتّاب والمثقفين والأصدقاء، ومشاركة لافتة من أفراد الأسرتين امتزجت الكلمات بالذكريات، وأدار أمسية الحفل الكاتب مفتاح قناو الذي استهل مقدمته بالحديث عن قيمة الاحتفاء بالراحلين، وضرورة توثيق تجاربهم الإنسانية والمهنية، مشيرًا إلى أن هذه اللحظة لا تودع الأسماء، بل تحتفي بما زرعوه في الوجدان .

الدكتور علي عبد اللطيف حميدة، أطل بكلمة مسجلة، استعاد فيها محطات من حياة الراحل رضا بن موسى، واصفًا إياه بـ”المناضل الحقيقي في زمن الادّعاء” مضيفا بأن رضا كان مثالًا للهدوء العميق، والابتسامة الدائمة، لم يكن يحب الضجيج، لكنه كان واضحًا كحد السيف في مواقفه وتحليلاته.”، ووصفه بـ”غرامشي الليبي”، نظرًا لتأثره العميق بأفكار المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي، قائلاً: في آخر لقاء جمعنا في طرابلس، لم يكن يشكو رغم معاناته، بل كان مفعمًا بالحياة، وقدّم لي تحليلًا اشتراكيًا بلمسة ليبية خالصة، كما كان دائمًا.

من جانبه، ألقى السيد أبو بكر الدويب، شقيق الراحل جمعة الدويب، كلمة اختلط فيها الحزن بالفخر، عبّر فيها عن الامتنان لهذا الوفاء، قائلًا:نودّع اليوم أخًا وصديقًا نادرًا، جمعة كان مثالًا للحكمة والنبل، وترك فراغًا لا يُملأ بسهولة. نسأل الله أن يتقبله في عليين.”

بينما أخذ السيد محمد الدائري الحضور في رحلة عبر ذاكرة طرابلس القديمة، حيث الصبا والملاعب، والصحافة الأولى في “الميدان”، مستحضرًا اللحظات التي جمعته برضا بن موسى، وواصفًا إياه بـ”الرفيق الذي لم يخن الرفقة، والأخ الذي لم ينكسر رغم السجن، والكاتب الذي كان يكتب كما يعيش: بشغف وعدالة”.

الدكتور جمعة عتيقة قرأ نصًا مرثويًا بعنوان “رحيل الضحكة المجنحة”، كتب فيه:”رضا… لم يكن مكثك بيننا إلا كالحلم… رحلت وتركتنا بغير عزاء، لم نملّ الانتظار، وربما لا نملك غير أن ننتظر.”

ثم جاءت مداخلة الدكتور مصطفى التير، التي حملت طابعًا شخصيًا وعاطفيًا، تحدث فيها عن علاقته بالراحلَين، وقال:”جمعة ورضا لم يكونا مجرد صديقَين، بل رفيقين في الهمّ الثقافي والإنساني. وهذه الأمسية لحظة من ومضات الوفاء، التي باتت نادرة في زمن يستهلك كل شيء سريعًا.”

الكاتب أمين مازن، أحد أبرز رموز الثقافة الليبية، تحدّث عن تجربة الرجلَين في العمل الثقافي، مؤكّدًا أنهما لم يكونا عابرَين في المشهد، بل ساهما في ترسيخ قيم العمل الجاد .

بكلمات تفيض بالمحبة والوفاء تحدث الدكتور إدريس القايد مستذكرًا بداية تشكّل مشروع ثقافي شارك فيه الراحل رضا، واصفًا إياه بالرجل المبادر، المتسامح، قوي العزيمة، الذي لم يكن يومًا إلا متقدمًا الصفوف، في التخطيط والتنفيذ والدعم الهادئ. وأشار إلى أن رضا كان يُعطي دون مقابل، وكان عطاؤه متصلًا بلا انقطاع.

وفي كلمة مؤثرة، قال الكاتب بشير زعبية، رئيس تحرير بوابة الوسط، إن رحيل رضا بن موسى لم يكن حدثًا عابرًا بل كان جرحًا مفتوحًا، يستدعي الذكريات الكثيرة والضحكة المألوفة التي طالما خفّفت وجع اللحظة. واستعاد زعبية لحظات رياضية وإنسانية جمعتهم منذ أيام الجامعة إلى التكوين الثقافي والاعتقال السياسي، مرورًا بالعمل الصحفي والنشاط الأهلي، مؤكدًا أن رضا ظلّ مشعًّا حتى في اللحظات التي تبدو مظلمة.

أما الكاتب منصور أبو شناف، فتحدث عن بداية معرفته برضا من زاوية إنسانية عميقة، معتبرًا أن هذا اللقاء كان بداية لعلاقة مثمرة في سياق الثقافة والحوار والموقف، مشيدًا بحضور رضا الطاغي في المشهد الثقافي الليبي رغم تواريه الظاهري.

كما توقف الشاعر عبد الفتاح البشتي طويلًا عند سيرة رضا الإنسانية، مؤكدًا أن الراحل لم يكن صديقًا فقط، بل رفيق درب وتفاصيل، عاش معه تجارب عديدة، وأنه كان يحمل في شخصيته التوازن المدهش بين الوجه الجاد الصارم والوجه الضاحك البسيط. واختتم بكلمات قصيدته التي استحضر فيها صورة رضا كشعلة لم تنطفئ في ذاكرة الأصدقاء.

أما الكاتب حسين المزداوي سلط الضوء على دور رابطة الأدباء والكتاب التي جمعتهم، وتحدث عن تجربة رضا في السجن بصمته الذي كان أكثر بلاغة من كثير من الكلمات، وعن شغفه بالكتاب حتى وهو في أصعب الظروف. واستعرض المزداوي محطات مختلفة من حياة الراحل، من العمل الصحفي في صحيفة الميدان، إلى المبادرات الثقافية والاجتماعية، التي كان رضا دائمًا في قلبها ومحورها.

ومن جهته، تحدث الناقد رمضان سليم عن جمعة الدويب، واصفًا إياه بالنموذج الإيجابي الذي ترك أثرًا في كل من عرفه، مشيرًا إلى رضا كشخص امتلك نضجًا روحيًا وتواضعًا جعل من صمته لغة فاعلة.

وفي كلمته أشار الشاعر عاشور الطويبي إلى التسامح والتصالح الذاتي الذي ميز كلا الراحلين، واصفًا رضا بن موسى بأنه لم يكن مشروعًا لناشط فحسب، بل كان ناقدًا ومفكرًا، وكان من الضروري جمع دراساته ونصوصه ونشرها ليظل حضوره الثقافي ممتدًا.

فيما أُلقيت كلمات مؤثرة من رئيس جمعية سجناء الرأي الأستاذ صالح الدعيكي، وابنتيّ الراحلين، بالإضافة إلى كلمة للدكتورة وسام أبو زقية، جميعها جسّدت الحنين، والاعتزاز، والإرث الكبير الذي تركه الراحلان في قلوب من عرفوهما.

مقالات ذات علاقة

طرابلس تحتفي بالكتب المستعملة

المشرف العام

شاعرات يحتفين بالأمل ‎

علي عبدالله

واقع السينما الليبية وتحديات النهوض

مهنّد سليمان

اترك تعليق