هل قلت نافذة؟!!
بكل تأكيد لا يبدو هذا العنوان دقيقا ليتصدر إدراجي هذا ، فما هو إلا ملمح عن رواية ،لذلك فهو بالكاد يصلح لأن يكون (خرم إبرة لا نافذة) يمر منه شعاع رقيق من الأدب الياباني الضارب في الغنى والعمق.
في البداية لا أعرف ما الذي جعلني اتجه لقراءة هذه الرواية، ربما هي الرغبة في الهروب إلى أبعد مكان على وجه البسيطة من هذا الواقع البائس الذي نعيشه، وهل هناك أبعد من ذلك البلد الذي سميناه لفرط تخلفنا عنه “كوكب اليابان”؟ ،، ومع ذلك فقد أعادتني الرواية أكثر من مرة لهذا الواقع وهي تتحدث عن الحرب ونتائجها.. أو حين أعقد مقارنة بين ذلك الفتى الياباني ذي الخمس عشرة سنة وبين نظيره عندنا من حيث نهم القراءة والاطلاع المعرفي.
بعد أن قرأت نتفا صغيرة عن ديانات اليابان القديمة والحديثة، وحاولت أن أعرف بعض النبذ المختصرة عن رموز اليابان من الحكماء المقدسين والأباطرة والسياسيين وبعض القادة العسكريين، سألت نفسي لماذا لا اغترف غرفة من المشهد الثقافي في اليابان؟ فبحثت عن رواية (كافكا على الشاطئ) لمؤلفها هاروكي موراكامي.
سبب آخر حفزني لأن أقرأ الرواية ،هو عنوانها (كافكا على الشاطئ)، حيث طار خيالي للربط بين العنوان و (فرانز كافكا) ، الكاتب التشيكي اليهودي الذي تميز بكتاباته الكابوسية العجائبية ، وقد وجدت نفسي محقا في هذا الربط لاسيما بعد وصولي الصفحة 200 من الرواية حيث يبدو جليا تشرب فكر (فرانز كافكا) من قبل المؤلف وتأثره به.
بكل تأكيد لن اتحدث هنا عن أحداث هذه الرواية الطويلة بعض الشيء (624 صفحة) ، وسأكتفي بالقول بأنها تضج بأحداث كثيرة متلاحقة ومتداخلة زمنيا الأمر الذي يجعل القارئ يعتقد أحيانا انه أمام فيلم من أفلام الخيال العلمي، ولكنها بالاضافة إلى ذلك فهي مشحونة بالكثير من الأفكار الميثالوجية والفلسفية القديمة والحديثة والميتافيزيقا والحكمة والتحفيز والموسيقى والحرب وأيضا بالمسكوت عنه في مجتمعاتنا ،كل ذلك وفق سرد سلس وممتع يجعل من الصعب على من يمسك بالرواية ان يتركها قبل إنهائها.
ومن حيث ازدواج الرواية يمكنني الإخبار بأنها تبدو كأنها ثلاث روايات في رواية واحدة ، تبدأ متباعدة عن بعضها كثيرا من حيث الزمن والموضوع ولكنها لاتلبث ان تتقارب بشكل دراماتيكي بداية من الصفحة 260 وما بعدها.
الحضور الآسر للفنتازيا في الرواية والذي يتكثف في مشهد السماء التي تمطر أسماكا وكائنات زلقة (علقات)،،،وتلك النبؤات الغريبة التي تذكرنا برائعة ماركيز (مائة عام من العزلة)، وذلك الكائن المسخ الذي يخرج من جثة،،، إضافة لشخصية( ناكاتا) الذي يفهم لغة القطط ويتحدث معها برغم إعاقته الذهنية، مما جعلني أتساءل عما إذا كنا على صواب في معاملتنا لبعض الحيوانات،، فكيف بمعاملتنا للبشر ومن أبناء جلدتنا.
وإن كانت هذه الرواية حازت على إطراء عالمي، فإن ذلك لن يمنعني من القول أن مأخذي على الرواية -من وجهة نظري- هو طولها اللامبرر في بعض المقاطع ، حيث يجد القارئ نفسه في حوارات وأحداث عادية طويلة دون ان توصله لشيء محدد ودون ان تكون لتلك الاحداث العادية جدا علاقة مهمة بمواضيع الرواية الرئيسية . والأمرالثاني هو التكرار اللامبرر أيضا للمشاهد الأيروتيكية والتلميحات والتصريحات الشاذة بل واقحامها عنوة أحيانا.
اضافة إلى أن “لاواقعية” الرواية في الكثير من أحداثها لاسيما المفصلية فيها جعلها أقرب للأدب السوريالي، مما يجعل القارىء رهين الكاتب في كل مايذهب إليه وبالتالي يكون كطفل مستسلم لفيلم مغامرات كرتوني.
بخصوص ترجمة الرواية فإنها تبدو على قدر جيد جدا من حيث اللغة (مع وجود بعض الأخطاء النحوية والهنات الصرفية) ، لكن جملة بعينها استوقفتني وجعلتني أتساءل كثيرا بخصوص (أمانة) الترجمة في حد ذاتها ، وذلك في الصفحة (253) حيث جاءت هذه الجملة في حوار بين شخصيتين حيث تقول احدى الشخصيات:( البيادق ،، كالبنادق النطق نفسه مع اختلاف حرف واحد) !!! ،،، فإذا كانت الرواية قد كتبت أصلا باللغة اليابانية (وهو مجرد احتمال) فالسؤال الذي يطرح نفسه هو، هل الكلمتان في اللغة اليابانية لهما نفس هذا التشابه؟!! علما بأن الترجمة للعربية قد تمت عن النص الانجليزي للرواية.
أخيرا.. أعتقد أن أهم ما يستفيده القارئ من هذه الرواية هو محاولة الاقتراب قليلا من “الآخر” ،أقصد محاولة معرفة كيف ينظر كاتب ياباني لكل هذه المسائل التي طرحها في روايته من قبيل ؛ صناعة الذات ، أهمية القراءة في البناء الفكري والقيمي للإنسان ، الاحتكاك بالعالم برغم العداء السابق ، الحرب العالمية الثانية وويلاتها وتجاوزها من المنظور الياباني ،الانسانية ، الجندر ،الجنس ، ثنائية الخير والشر ، العلاقات الاجتماعية المضطربة والمرتبكة، وغيرها من الأمور.
أما إذا احتج أحدهم على بعض ما جاء في الرواية من جموح وجنوح بين عقد الحضارة وشذوذها، فلعلي أقول له أنك بصدد عمل روائي مفتوح يملك كاتبه حرية مطلقة في التعبير عن أفكاره، فكيف إذا كان هذا الكاتب من،، “كوكب اليابان”؟!!…
المنشور السابق
المنشور التالي
عمر عبدالدائم
عمر عبدالدائم، مواليد مدينة سبها في 18/3/1964، درس فيها الابتدائي والإعدادي والثانوي، تفوق في الثانوية العامة القسم العلمي سنة 1981، وتم توجيه دفعته كاملة للكلية العسكرية، ليستقرّ به المقام في كُليّة الدفاع الجوي، ثُمّ أوفِد وبعض زملائه للدراسة في مدينة سراييفو بجمهورية البوسنة إحدى جمهوريات يوغسلافيا الاتحادية “سابقاً”، تخرّج سنة 1985م مُتَحصّلاً على بكالوريوس هندسة كهربائية من الأكاديميّة العسكرية للهندسة الجويّة، في مجال الأنظمة الدقيقة للصواريخ المضادة للطيران.
انتسب للجامعة المفتوحة كصاحب عمل حُر، أكمل دراسة القانون في سنتين ونصف السنة، 2010.
تقدم في 2014 لإكمال الدراسة العليا في مجال القانون الجنائي، وتحصل على درجة الماجستير من جامعة طرابلس في 2016، وكانت الرسالة بعنوان “الطعن في أحكام و قرارات المحكمة الجنائية الدولية”.
صدر ديوانه الأول ” يسكنني” في يناير 2014، عن وزارة الثقافة والمجتمع المدني بليبيا، وكان أول توزيع له في معرض القاهرة للكتاب 2014، أما ديوانه الثاني ” قبضةٌ من حُلُم” تحت الطبع الآن في وزارة الثقافة والمجتمع المدني.
قدم استقالته من الجيش في 2016، يعمل حالياً كأستاذ جامعي متعاون في الجامعات الليبية، أسس “منتدى ألوان الثقافيّ” صحبة مجموعة من المهتمين بالشأن الثقافيّ في ليبيا. تحصل على عدة جوائز محلية كان أخرها جائزة “أوسكار ليبيا” للإبداع الشعري.
مقالات ذات علاقة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك