السيد عبالحميد البكوش.
شخصيات

كل يوم شخصية ليبية مشرقة. (6) عبد الحميد البكوش

ولد عبد الحميد البكوش الذي يناهز السبعين من العمر في مدينة طرابلس. ودرس الحقوق في جامعة القاهرة وعين بعد تخرجه فى القضاء ثم مارس مهنة المحاماة فى بداية الستينات، وأصبح عضوًا في مجلس النواب في الإنتخابات البرلمانية التي جرت سنة 1964. وعينه رئيس الحكومة الراحل محمود المنتصر وزيرًا للعدل فى حكومته الثانية، وتقلد الوزارة نفسها فى الحكومات الليبية المتعاقبة حتى تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1967، حين كلفه الملك الراحل إدريس السنوسي بتشكيل الحكومة التي استقال منها بعد مضيّ عشرة أشهر. عبد الحميد البكوش تزوج مرتين، وله من زوجته الأولى المهندس وليد المقيم والموظف بالمملكة العربية السعودية، وله من زوجته الثانية أربع بنات، يقمن مع والدتهن في أبو ظبي، كبراهن كانت على وشك التخرج من الجامعة حين توفي والدها في 2007.

السيد عبالحميد البكوش
السيد عبالحميد البكوش

• في فترة رئاسته للوزراء:

بعد استقالة السيد عبدالقادر البدري من رئاسة الحكومة بتاريخ 25 أكتوبر 1967م اختار الملك السيد عبدالحميد البكوش رئيسًا للحكومة خلفًا له، وكان أصغر رئيس حكومة لليبيا ولا يزيد عمره عن ثلاثة وثلاثين عامًا. كان السيد عبدالحميد البكوش وزيرًا للعدل في حكومة السيد عبدالقادر البدري والحكومات السابقة وكان تعيينه مفاجأة للكثيرين، وخاصة من طرف جيل السياسيين القدامى الذين احتكروا أهم المناصب منذ بداية الاستقلال.

شملت حكومة السيد عبدالحميد البكوش بعض العناصر القديمة مثل السادة سالم لطفي القاضي كوزير للمالية وحامد العبيدي للدفاع وأحمد عون سوف للداخلية وعمر جعودة للصحة. ورغم أن السيد البكوش أوضح في أول اجتماع لمجلس الوزراء بأنه اختار أعضاء الوزارة بنفسه ولم يفرض عليه الملك أي وزير، إلا أن شمول من ذكروا أعلاه لعضوية الحكومة من جيل الساسة القدامى يعطي الانطباع أن الملك أوصى على بقائهم في الحكومة ليكونوا صمام أمان للشباب الذين شملهم السيد البكوش في حكومته.[1]. وقد ضمت حكومته، بالإضافة لمن سبق ذكرهم، خليطًا من الإداريين القدامى والوزراء السابقين، كالسادة ونيس القذافي للتخطيط والتنمية، وحامد أبو سرويل للعمل والشئون الاجتماعية، وأحمد صويدق للشباب والرياضة، والمهدي بوزو للدولة للشئون البرلمانية، وخليفة موسى للبترول، والهادي القعود للمواصلات، ومن الجدد السادة حسين الغناي لشئون الخدمة المدنية، وأحمد الصالحين الهوني للإعلام والثقافة، وعبدالكريم لياس. ولأول مرة تشمل الحكومة عددًا كبيرًا من المؤهلين جامعيًا والإداريين المتخصصين، مثل السادة الدكتور أحمد البشتي وزيرًا للخارجية، والأستاذ مصطفى بعيو وزيرًا للتعليم، والمهندس علي الميلودي وزيرًا لشئون البلديات، والمهندس فتحي جعودة وزيرًا للاشغال العامة، وطارق الباروني وزيرًا للصناعة والمهندس عمر بن عامر وزيرًا للاقتصاد والتجارة ووزيرًا للسياحة بالوكالة، وقد عينت وزيرًا للدولة لشئون رئاسة مجلس الوزراء خلفًا للسيد سليمان الجربي، الذي استقال منذ عهد حكومة السيد عبد القادر البدري ولم يبت فيها حتى استقالة وزارة السيد البدري.

كان السيد عبدالحميد البكوش وجهًا جديدًا لمثل هذا المنصب، فلم يكن من جيل الساسة القدامى أو من كبار الموظفين المعروفين، كما لم يكن من رجال القبائل البارزين. وكان قد تولى الوزارة لأول مرة في عهد السيد محمود المنتصر كوزير للعدل، وقد أثار تعيينه في ذلك الوقت لغطًا وتكهنات وتعليقات. وقد كان قبل تعيينه وزيرًا محاميًا ناجحًا، وكان السيد محمود المنتصر قد عرفه كمحامي سبق أن تعامل معه. وقد انتقد الكثيرون السيد محمود المنتصر على تعيينه وزيرًا، لأنه كان صغير السن وغير معروف لدى معظم الليبيين، كما أنه تردد في قبول الوزارة وقدم استقالته عدة مرات. وقد خرج السيد البكوش من وزارة السيد محمود المنتصر الثانية وعاد إليها من جديد، وقد أفاده ذلك، فرجع بنشاط ملحوظ، وتكرر خروجه من الوزارة في عهد السيد حسين مازق، ثم رجع وزيرًا للعدل ليحل محل الشيخ أبوبكر نعامة.

كان خروج السيد البكوش من الوزارة ورجوعه إليها عدة مرات دليلاً على تعلقه بالمنصب العام، وكذلك رغبة رؤساء الحكومات للاستفادة من خبرته القانونية. كما أشيع أن المستر إيريك دي كاندول مستشار شركة شل للبترول هو الذي أوصى به لدى الملك لتعيينه. والمستر دي كاندول كان المفوض المقيم للحكومة البريطانية في برقة في عهد الإدارة العسكرية البريطانية وصديقًا مقربًا للملك، وكانت الحكومة البريطانية تعتمد عليه في جس نبض الملك، وأخذ رأيه في أمور الدولة وسياسة حكوماته المتتالية، وكذلك نقل النصائح والتوجيهات إليه عن طريق غير مباشر بدلاً من تقديمها عن الطريق الرسمي بواسطة السفير البريطاني، الذي قد يعتبر تدخلاً في شئون ليبيا الداخلية.

وقد وصل السيد عبدالحميد البكوش إلى قمة نفوذه في وزارة السيد عبدالقادر البدري، حيث كان أقرب الوزراء إليه وجليسه الدائم ومستشاره في العمل اليومي، وكان الملك يعرف هذا، فهو لا تخفى عليه خافية. وكانت أخبار الحكومة وما يجري في مجلس الوزراء ينقل إليه عن طريق بعض الوزراء القدماء المعروفين، وكانت هناك تكهنات باستقالة السيد عبدالقادر البدري وعلى من يخلفه. وكان الملك أحيانًا يعين الوزير الذي على رأس قائمة وزراء الحكومة المستقيلة رئيسًا للوزراء، إلا أن الملك غير عادته. فعند استقالة السيد حسين مازق عين السيد عبد القادر البدري بدلاً من السيد سالم القاضي الذي كان على رأس قائمة الوزراء وعمل رئيسًا للوزراء بالوكالة، ولهذا لم يكن أحد يعرف من سيكون رئيس الوزراء بعد السيد عبدالقادر البدري.

• بداية مرحلة جديدة في تاريخ ليبيا السياسي:

كان تعيين السيد عبدالحميد البكوش رئيسًا للحكومة مفاجأة أخرى للجميع، واستُقبل تعيينه من قبل جميع الأوساط بردود فعل مختلفة. فساسة الجيل القدامى اعتبروا تعيينه تحديًا لهم من الملك الذي خدموه بإخلاص، ومنافسًا يهدد مصالحهم ومكانتهم. كما اعتبره زعماء القبائل في برقة خطرًا كبيرًا على مصالحهم ونفوذهم، فهو غير معروف لديهم ولن يجدوا منه تفهمًا لمطالبهم ومطالب قبائلهم الكثيرة كما تعودوا من رؤساء الحكومات القدامى، وخاصة من كان منهم من برقة، وقد جاهر البعض منهم بعدم رضاهم بحجة أن القبائل لم تمثل تمثيلاً عادلاً في الوزارة. كما أنه لم يكن معروفًا في بنغازي، رغم أنه كان وزيرًا سابقًا للعدل لكنه ليس له تاريخ سياسي معروف، واستُقبل من سكانها ببرود.

أما أفراد الشعب في طرابلس فقد استبشروا به خيرًا، فلأول مرة في تاريخ البلاد تطل عليهم حكومة بوجوه شباب معروفين بتخصصهم في مجالات عملهم، رغم أنهم ليسوا من الوجوه الوطنية المعروفة لديهم بنضالها الوطني. وكان السيد عبد الحميد البكوش معروفًا بين الشباب المتعلم بأنه ماركسي التفكير في سنوات دراسته في القاهرة، وكان له أعداء كثيرون من أنصار القوميين والبعثيين، ولكنه تغير عندما دخل الحياة العملية وأصبح محاميًا ناجحًا ثم سياسيًا بارزًا، مما جعله يغير أفكاره ويصبح رأسماليًا.

أما رجال الصحافة والمثقفون فقد استقبلوا حكومته بترحيب، فهو من جيلهم ويمثل تفكيرًا متجانسًا وطموحات واحدة. كما أن ردود الفعل لدى السفارات كانت إيجابية بصفة عامة، وخاصة لدى السفارتين الأمريكية والبريطانية على أساس أن مثل هذه الحكومة تضم شبابًا متعلمًا أقدر على الإصلاح والسير بالبلاد نحو التقدم وتفهم العلاقات الدولية والمصالح المشتركة واكتساب ثقة رجل الشارع العادي، مما يساعد على حماية جالياتهم ومصالحهم. كان مجيء حكومة السيد عبدا لحميد البكوش مرحلة جديدة في تاريخ السياسة الليبية، وبداية تغيير سياسي داخلي وخارجي كانت تتوق إليه جماهير الشعب. وقبل الاسترسال في الحديث عن أعمال هذه الحكومة ومنجزاتها أود أن أتعرض بإيجاز إلى ظروف دخولي فيها كوزير للدولة لشئون رئاسة مجلس الوزراء.

• أهم انجازات الوزارة:

في 1968، ليبيا تنشئ مع السعودية والكويت منظمة الدول العربية المصدرة للبترول (اوابك) لتنسيق الانتاج والتكرير والنقل والتسويق بين الدول الثلاث. وفي يوليو 1968، توقع ليبيا على معاهدة عدم الانتشار النووي. في سبتمبر 1968، قدم البكوش استقالته نتيجة لرفض الملك عددا من المقترحات المتعلقة بالإصلاح من أجل نهضة السياسة الليبية. وما لبث إن أصبح سفيراً في فرنسا. وعندما وقع الانقلاب العسكري في الأول من سبتمبر 1969، كان السفير عبد الحميد البكوش موجودا في طرابلس حيث اعتقل وحوكم أمام محكمة الشعب الاستثنائية حيث قضى عدة سنوات ما بين السجن والإقامة الجبرية في منزله، حتى مغادرة ليبيا عام 1977 واللجوء إلى مصر التي أقام بها حتى 2001. كتب خلالها سلسلة من المقالات المتواترة في صحيفة الحياة اللندنية وله أربعة دواوين شعرية. قام البكوش، بتأسيس منظمة تحرير ليبيا عام 1982 بالتعاون مع فرحات الشرشارى وأخرين. بهدف تغيير نظام الحكم وإقامة نظام ديمقراطي تعددي. وقد انضمت منظمته إلى جبهة الخلاص الوطني الليبية. وقد قامت المنظمة بمحاولة انقلاب فاشلة في ليبيا في عام 1984. وعلى إثر تلك المحاولة، قرر النظام الليبي اغتياله، وقد قامت عدة محاولات لاغتياله، إلا أنها جميعاً باءت بالفشل. وكانت آخر محاولات اغتياله أشهرها.

• عملية اغتيال البكوش الفاشلة:

حصلت المخابرات المصرية ومباحث امن الدولة في أحد الأيام على معلومات من عناصرها داخل ليبيا، تفيد بأن المخابرات الليبية تخطط لاغتيال السيد عبد الحميد البكوش أحد رؤساء الوزراء السابقين في عهد الملك ادريس السنوسي، وذلك تنفيذا للنداء الذي كان قد وجهه معمر القذافي بإحدى جلسات مؤتمر الشعب العام في منتصف اكتوبر من عام 1984 بتصفية “الكلب الضال عبد الحميد البكوش وأمثاله” على حد المفردات المعتادة لقائد “المدينة الفاضلة” و”الفردوس الأرضي”. ولتنفيذ هذه المهمة، وبتكليف من معمر القذافي مباشرة، تفاوض مندوبة بالعاصمة المالطية ڤالـِتـّا علي محمد ناجم مع كل من البريطانيين أنتوني وليام جيل (48 سنة تاجر قطع غيار سيارات وغارق الى أدنيه في الديون) وشريكه جودفري تشاينر(47 سنة)، والمالطيين روميو نيكولاوس تشكامباري – صاحب خمارة – (42 سنة)، وادجار كاسيا- نصاب مشهور في فاليتا (40سنة)، ووصل الى اتفاق معهم على تصفية السيد عبدالحميد البكوش والذي كان مقيما بالقاهرة هربا من القمع، مقابل خمسة مليون دولار. كذلك تم الإتفاق على الإستعانة بمحترفين مصريين في حالة الضرورة. لم تكن علاقة الليبيين بالبريطانيين جديدة. فلقد تمكن تشاينر بطائرته الخاصة، في شهر يناير من نفس العام من تهريب محمد الشبلي -أحد أعوان معمر القذافي- من بريطانيا، هاربا من إحدى المحاكم والذي كان يجب ان يمتثل أمامها بتهمة حيازة المخدرات وتهم أخرى. أما البريطاني الآخر جيل فلقد إجتمع مع الإرهابي العالمي كارلوس بطرابلس عدة مرات للتنسيق معه لتصفية عدد من المعارضين الليبيين بالخارج.

بدأت العملية عندما وصل “فريق الاغتيالات أو كما أسماها الأعلام الجماهيري، إحدى المفارز الثورية” الى القاهرة، حيث كانت المخابرات المصرية ومباحث امن الدولة في انتظارهم. وبسرعة نجحت في احتوائهم وذلك بتسريب عناصرها داخل الفرقة، والثي تمكنت بدورها بإقناع قائد الفرقة البريطاني جيل بقدرتها الفائقة بتنفيذ اي مهمة إجرامية. وحدد موعد تنفيذ الجريمة. وكانت الاتصالات الهاتفية ساخنة بين الفريق الضالع في تنفيذ الجريمة: البريطاني جيل وناجم والقذافي وأعضاء غرفة العمليات التابع لمكتب الاتصال باللجان الثورية بطرابلس، وكانت المخابرات المصرية وشركائها على علم بكل كبيرة وصغيرة. وفي يوم 16 نوفمبر وهو اليوم الذي حدد لتنفيذ الجريمة، نقلت عناصر المخابرات المصرية السيد عبدالحميد البكوش الى مقابر الغفير بشرق القاهرة، وقام “استوديو مصر” المختص في مكياج ممثلي وممثلات السينما المصرية بتنفيذ عمله، حبث لوثت ملابس السيد عبدالحميد البكوش ووجهه بالدماء بإستخدام أكياس الدم، وتم توسيع حدقات عيني “الضحية” باستعمال قطرات البيلادونا (أتروبين). ثم التقطت صورة له والتي يبدو فيها وكأن السيد عبدالحميد البكوش جثة هامدة،

نقل “المتعاونون” الصورة الى فرقة الاغتيالات، إلا أنهم أصروا على معاينة الجثة. وفي مقابر الغفير تأكدوا من أن الصورة تطابق الأصل، فدفع قائد المجموعة البريطاني جيل لكل متعاون مبلغ 30 ألف دولار، على أن يدفع باقي المبلغ المتفق عليه في ما بعد. وفي اللحظات الحاسمة قبيل ردم “الجثة” كانت الصفاد تحيط بمعاصمهم، حينها عرفوا بأنهم وقعوا في المصيدة التي لا مفر منها. بعدها مباشرة أستقل أحد ضباط المخابرات المصرية الطائرة متجها الى العاصمة المالطية ڤالـِتـّا، وفي جيب سترته دليل التصفية. وهناك سلم الصورة الى مندوب القذافي علي ناجم بعد أن حوَل الأخير بتعليمات من البريطاني المعتقل جيل المبلغ المتبقي وهو أربعة ملايين ونصف مليون دولار الى حسابه. بعد إنتهاء مراسم التسلم والتسليم استقل ناجم طائرة خاصة متجها الى جزيرة كريت حيث كان القذافي في زيارة رسمية لليونان. وعند وصوله هناك كان معمر القذافي يهم بتناول طعام الغذاء مع الرئيس الفرنسي الراحل ميتران ورئيس الوزراء اليوناني الراحل باباأندريو. وكان ينتظر الصورة الموعودة بفارغ الصبر. وقد لاحظ من كان معه على المائدة المستديرة انفراج أساريره فجأة عندما دخل عليهم مندوبه علي ناجم، حيث ناوله ظرف كان يحمله معه. وازدادت اساريره انفراجا وهو يلقي نظرة على محتوياته. لم يحتفظ القذافي بالصورة، وانما قام بإرجاعها الى مندوبة ناجم بعد أن همس له ببعض الكلمات. وأختفى المندوب فجأة كما وصل، لتجد الصورة طريقها بواسطة طائرة خاصة الى مكتب الاتصال باللجان الثورية تم الى مبنى الإذاعة والتلفزيون بطرابلس، “لتبشر” العالم بإحدى إنجازات الفاتح العظيمة.

لقد سمعت في ذلك اليوم الخبر الذي بثه “صوت الوطن العربي” من طرابلس، وكان المذيع يصر على إظهار استمتاعه المطلق بقراءة الخبر، وأذكر أنه جاء على هذا النمط: “قامت اليوم مفارز اللجان الثورية بتصفية ال……. وأن ذراع اللجان الثورية طويلة وستصل لكل من……. أينما كان……. ووو إلخ”. أما محطة تلفزيون النظام فقد روى من شاهدها حرص المخرج بعرض وجه “الضحية” على كامل مساحة الشاشة والذي كانت مخضبة بالدماء.

كان كل شيء يبدو عاديا. فقبل هذه العملية سقط العشرات من الليبيين قتلى نتيجة التحريض المستمر لمعمر القذافي بتصفية كل من يرفض الرجوع الى فردوسه الأرضي، كانت ضحايا الاغتيالات تتساقط في روما وميلانو ولندن وبون وبرلين وأثينا وفاليتا ومكة، وكان عبد السلام جلود يصرح بعد كل جريمة، بأن هذه من أعمال اللجان الثورية وبأن العقيد القذافي ليس له أي سلطة او سلطان عليها. ولهذا تلقى العالم نباء “مقتل” السيد عبد الحميد البكوش على أنه إحدى هذه الحالات، وبات الى حين إشعار آخر في عالم الأموات. إلا أن المفاجأة الصاعقة أتت مباشرة في اليوم التالي (17 نوفمبر) من السيد أحمد رشدي وزير داخلية مصر آنذاك، عندما خاطب ممثلي الصحافة العالمية المحتشدة في مؤتمر صحفي طارىء بقوله: “سيداتي سادتي.. أنني أرحب بالسيد عبد الحميد البكوش” والذي دخل الصالة مبتسما وسط ذهول الحاضرين. وقد علق مراسل مجلة دير اشبيجل الألمانية على تلك اللحظات بأنه قد فقد وعيه لثوان، بعدها شعر بالغثيان عندما علم عن دور معمر القذافي شخصيا في التخطيط لهذه الجريمة. عند سماع القذافي هذا الخبر مباشرة غادر وبصورة مفاجئة جزيرة كريت متوجها الى مالطا والتي لم تكن ضمن برنامج زيارته الرسمية، تاركا ورائه راهباته الثوريات هناك والذي يحرص دائما على مصاحبتهن له. وقد وصف من شاهد حالته بأنه كان هائجا. وفي فاليتا تولى شخصيا إجراء التحقيقات لمعرفة الثغرات التي تمكنت من خلالها المخابرات المصرية من اختراق اجهزته.

لقد كانت فضيحة من العيار الثقيل لشخص يرى نفسه “مؤلف إنجيل العصر، والأممي والمفكر والفيلسوف”، حيث استطاعت المخابرات المصرية أن تثبت بالدليل القاطع، وأمام العالم أجمع بأن معمر القذافي متورط شخصيا في عمليات اغتيال المواطنين الليبيين بالخارج. فصورة “القتيل” سلمت الى علي ناجم شخصيا، والذي سلمها بدوره الى معمر القذافي باليد، ولم يكن يعلم الإثنان انهما كانا تحت المراقبة الدقيقة لحركاتهما واتصالاتهما. وقد علق الرئيس الفرنسي الراحل ميتران على الفضيحة بقوله “إن مجرد التصور الجلوس على مائدة المافيا، لهو شيئا مقزز”.

• بعد تحسن العلاقات الليبية المصرية:

ما حدث مع عبد الحميد البكوش بعد عودة العلاقات الليبية المصرية في أواخر الثمانيات وتوثيق العلاقات الأخوية بين مبارك والقذافي. حيث جرى التضييق على المعارضين الليبيين المقيمين في مصر. مما اضطر معظمهم إلى الرحيل عن مصر حفاظا على حياتهم وأمنهم.. بينما بقي البكوش مقيما فيها رغم الشروط الجديدة التي وضعت ووافق عليها والتي منعته من مزاولة نشاطه السياسي أو الكتابة الإنتقادية لنظام القذافي حتى وصل الأمر إلى الطلب منه صراحة إلى مغادرة مصر. فاضطر الرجل بعد نحو ربع قرن من الإقامة في مصر إلى مغادرتها في العام 2001 م واللجوء إلى الإمارات التي قبلت بإقامته فيها بشرط التوقف عن الكتابة في الشأن الليبي وعن ممارسة أي نشاط سياسي.

بعد أن أصيب بمرض عضال فى الكبد أدخله منذ حوالي الشهر في غيبوبة لم يتمكن من الخروج منها حتى وافته المنية في إحدى مستشفيات الإمارات العربية  فى أبو ظبي، في الثاني من مايو  2007.

• من أشعاره:

يقول الشاعر الأستاذ عبدالحميد البكوش في قصيدته “من سنوات الغربة”:

أنا أهواك يا بلدي
لأنك لست لي وحدي
فحضن الأم ما أحلاه مزدحما
كعش النحل بالولد
وحتى عندما أدفن
فلن أحزن
لأن أحبتي والأهل في بلدي
سيبكونني
ولن ينسوا بأني من روائحهم
أحب روائح الورد
فيلقوا فوق جثماني
أكاليلا من الورد
وعهد الله يا بلدي
أنا أهواك يا غالي
وعمق الحزن في عينيك موالي
وصبر ترابك العطشان أشعاري وأزجال

يوم الاحد 7 من شهر رمضان – الموافق 12/06/2016م – طرابلس / ليبيا
ــــــــــــــ
المصادر:

1. بشير المنتصر: الذكرى السادسة لوفاة الأستاذ عبد الحميد البكوش
2. سالم الكبتي، “ليبيا… مسيرة الاستقلال… وثائق محلية ودولية”، الجزء الثالث-تكوين دولة، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، 2012.
3. ويكيبيديا الموسوعة الحرة.

نشر بموقع ليبيا المستقبل

مقالات ذات علاقة

محمد رشيد قامة فنية ليبية عصيّة على النسيان

رامز رمضان النويصري

صديقي أحمد الفيتوري

سالم العوكلي

محمد عبدالله المحجوب.. شاعر خارج النطاق

المشرف العام

اترك تعليق