طيوب عربية

صلاح الدين بوجاه يؤكد أن الرواية هي الجنس الأدبي الجامع

الروائي التونسي: لا نقد في غياب فلسفة عربية، وتسليط نظريات خارجية هو تمام الخطل.

ميدل ايست أونلاين – حوار أجراه: منير عتيبة

الروائي التونسي صلاح الدين بوجاه
الروائي التونسي صلاح الدين بوجاه

يعد الدكتور صلاح الدين بوجاه أحد الأصوات الإبداعية والنقدية المهمة في تونس والوطن العربي منذ أصدر روايته الأولى “مدونة الاعترافات” سنة 1985 وكتابه النقدي الأول “الأسطورة في الرواية الواقعية” سنة 1990.

يبدو بوجاه مهموما بتراث عربي عتيد يحمله على ظهره وفي وجدانه، بعيون تنظر إلى المنجز الغربي الحديث متأملة، يعرف أن تراثه به الكثير من الكنوز المخفية، والكثير من الزبد والتراب، ولا يريد أن يفقد صلته بعصره وما يموج به من تطورات على مستوى الأدوات النقدية أو التقنيات الإبداعية، يحاول أن يحل في إبداعه ما اصطلح على تسميته بإشكالية الأصالة والمعاصرة، وهي في الحقيقة إجابة سؤال: كيف لا أنفصل عن المكونات العميقة لذاتي وأعيش عصري الذي قام الآخرون بتشكيله؟!

ويبدو أن الإجابة الذهبية التي استطاع بوجاه الوصول إليها؛ وهو ما نلمسه في إبداعاته وكتاباته المختلفة، هي المعرفة العميقة بالذات وتراثها، والتفاعل مع هذا التراث لاكتشافه وتثويره دون تقديسه ودون الوقوف معه في لحظته الزمنية الماضية، والتسلح بأدوات العصر دون الانبهار بها، وهو ما أنتج أدبا تميز بخصوصية شديدة، وإضافة إلى الأدب العالمي حتى في مجال التقنية المتكأة على عناصر تراثية، وهو المشروع الذي لا يكل بوجاه من تطويره وإثرائه عملا بعد آخر.

ولد صلاح الدين بوجاه في القيروان بتونس سنة 1956، تعلم في القيروان حتى البكالوريا آداب 1975، انتمى إلى الجامعة التونسية، في كلية الأداب 9 إبريل/نيسان، حيث حصل على الأستاذية 1979، ثم شهادة الكفاءة في البحث 1983، ثم شهادة التعمق في البحث 1987.

حصل على دكتوراه الدولة في الأدب العربي (وجوه الائتلاف – والاختلاف بين الرواية التونسية والرواية المكتوبة بالفرنسية في تونس) سنة 2004. وهو عميد سابق بكلية الآداب بالقيروان.

صدرت أعماله في كل من تونس وبيروت والقاهرة ودمشق واللاذقية وطرابلس، وهو عضو اتحاد الكتاب التونسيين وعضو اتحاد الكتاب العرب، كان رئيسا لاتحاد الكتاب التونسيين في الفترة من 2005 إلى 2008، وهو عضو الجمعية المغربية الفرنسية للآداب المكتوبة بالفرنسية، حصل على الجائزة الوطنية للآداب، وجائزة كومار الذهبية، ووسام الاستحقاق الثقافي من الطبقة الأولى.
من أعماله الإبداعية: مدونة الاعترافات، التاج والخنجر والجسد، النخّاس، السيرك، سهل الغرباء، لا شيء يحدث الآن، سبع صبايا، لون الروح.

من أعماله النقدية: الأسطورة في الرواية الواقعية، الجوهر والعرض في الرواية الواقعية، مقالة في الروائية، كيف أثبت هذا الكلام؟ وجوه الائتلاف ووجوه الإختلاف، الصعود إلى الجذور في الحضارتين العربية والغربية.

وهذا الحوار هو محاولة أولية لاقتراب ما من بوجاه الإنسان والمبدع.

• ما هي العناصر التي أسهمت في تشكيل الروائي صلاح الدين بوجاه وعالمه الإبداعي؟

ـ غوص في المدونات السردية والشعرية العربية القديمة، وولع باللغة العربية، واطلاع على الرواية العالمية من خلال اللغة الفرنسية. عبر هذا المزيج غير المتكافئ، حسب الأمكنة والأوقات، نما داخلي تفضيل صريح للرواية، باعتبارها جماع المعرفة. ذلك أنها قادرة على المزج الذكي بين أجناس من المقاربات المعرفية مختلفة. إذا ما اختزلنا العناصر الفاعلة في مشروعي قلنا: إنها اللغة، والتراث، والعبث، ومساءلة المدونات الوجودية الكبرى، والجمع بين القديم العربي والجديد الكوني.

• في أعمالك الروائية أنت مشغول بالشكل الأدبي، تحاول تجذير شكل روائي عربي مستمد من التراث والبيئة العربية، هل ترى أن هذا هو الإسهام المهم الحقيقي الذي يمكن أن يضيفه المبدع العربي للرواية العالمية؛ مذاق الخصوصية العربية؟

ـ بلا شك، لا يمكننا إلا أن ننطلق من مذاقنا، وأن نضيف ألواننا المحلية. لهذا عملت منذ عملي الأول في بداية الثمانينيات من القرن العشرين على ترسيخ محاولاتي في أشكالها العربية، مثل “المتن والحاشية”/السيرة القديمة/الدار العربي. ولقد لفتت الانتباه في حينها. فلا أنسى المحاضرة التي ألقاها الأستاذ الكبير توفيق بكار في المنستير حول رواية “النّخاس”، مؤكدًا ما ذهبتم إليه.

• برغم اهتمامك الشديد بتجديد شكل الرواية، والتعبير عن الأزمات الوجودية للإنسان، إلا أن اهتمامك باللغة لا يغيب عن عملك الإبداعي، تنقي لغتك، وتبلور جملك الروائية، لتقف بها على تخوم الشعر. فهل الشعر هو ما يمنح الرواية لون الروح الخاص بها؟ وما رأيك فيمن يكتبون قصصا وروايات، ولا يمنحون اللغة اهتمامًا كبيرا؟

ـ الوعي باللغة وعي عفوي. في معنى أنني قد ورثت ذلك عن والدي، وعمن قرأت أعمالهم من الروائيين الكبار، مثل كرم ملحم كرم (أوّلا)… ثم عدد من الكتاب مثل محمود المسعدي، ونزار قباني، وأدونيس، وكل هؤلاء شعراء، وناثرون كبار، بلوروا اهتماماتي، مما جعل رواياتي ذات لون خاص، مثلما تقولون!

• أنت ترى أن تداخل الأجناس قد وصل إلى مداه بين الرواية والقصة القصيرة بحيث يمكن – بتغييرات طفيفة – تحويل مجموعة قصصية إلى رواية أو قراءة رواية على أنها مجموعة من النصوص أو الشذارات المنفصلة، فهل هذا انفتاح للنص السردي على أفق أرحب أم إلغاء لخصوصيات كل جنس أدبي؟

ـ هذا ما يلاحظه الدارسون في أوروبا، والعالم اليوم، من اليابان حتى أميركا الجنوبية هنالك اهتمام بمسائل “التهجين الايجابي”. وفي تقديري فإن الشعر والنثر والموسيقى والمعمار، والفكر، قد تداخلت بحيث إنها غدت قادرة على توليد علم جديد، أو قل “فن جديد” هو “فن الرواية”!

• عندما ينظر المبدع صلاح الدين بوجاه إلى الخلف؟ ما هي المحطات الكبرى التي عبرها، فجعلت منه ما هو عليه، إنسانًا ومبدعًا، وعندما ينظر إلى الأمام أيضا… ما هي محطات المستقبل؟
ـ أهم المحطات.. هي تلك الأولى البعيدة التي جعلتني أتتلمذ على والدي حسن بوجاه، لقد تم ذلك في كل المعاني، والاتجاهات… من الأدب حتى حل المعادلات الرياضية. كان نبيها ذكيا، قد ألم من كل شيء بطرف. فهو خريج جامع الزيتونة، والمدارس الابتدائية الفرنسية. أما أبرز محطات المستقبل فتتمثل في مزيد الاطلاع على الرواية العالمية. أنا أعتقد أن الرواية من أكمل الفنون إطلاقا.

* لعبة الناقد والمبدع!

* عندما يقيم الناقد صلاح الدين بوجاه أعمال المبدع صلاح الدين بوجاه، هل يراه صاحب مشروع إبداعي متكامل، وما هي ملامح هذا المشروع وغايته؟

ـ يراه صاحب” محاولات”… فهو يسعى إلى تكوين مشروع متكامل. لكن هذا لا يعني أنه قد نجح في ذلك. نترك الأمر للنقاد الآخرين، ولحكم التاريخ، والظروف، فهي وحدها الكفيلة بتمام الأمر. لعبة الفصل بين الناقد والمبدع، لعبة طريفة، لكن نرجئها إلى وقت آخر!

• لماذا يعاني الواقع الثقافي العربي من غياب حركة نقدية؟ وهل يوجد صراع بين المبدع بوجاه، والناقد بوجاه؟

ـ أنا معك في غياب الحركة النقدية العربية غيابًا تاما. أنا نفسي لست ناقدًا! إنما هي مجرد دراسات للحصول على شهادات جامعية، لا غير! لهذا أتشبث بتقديم نفسي على اعتباري مبدعا! النقد صعب جدا في غياب فلسفة عربية. والفلسفة غائبة؟ كيف يحضر .. والتنويع، والابتكار، والإضافة؟

• بعض النقاد لديهم أفكارهم وأدواتهم النقدية الجاهزة التي يتعاملون بها مع الأعمال الأدبية كلها، وهنالك نقاد – وأنت من هؤلاء – يتعاملون مع كل عمل أدبي بما له من خصوصية وتفرد. فما رأيك في هذين النمطين؟

ـ التعامل مع الأدب باحترام خصوصياته من قبيل أخف الأضرار. إنما تسليط نظريات خارجية فهذا تمام الخطل يا صاحبي. مشكلتنا في الجامعة التونسية – وفي أغلب الجامعات – الإمعان في تسليط النظريات الغريبة على الأدب العربي، والإمعان في تقديسها، أنا في سريرتي أسخر من هؤلاء؟ لكن منتهى ما هنالك هو أن يقال إنّ هؤلاء من النقاد؟ لا غير!، أي أنهم ليسوا أدباء!

* محاورة الرواية العالمية

* أين تضع الرواية التونسية الآن؟ على خريطة الرواية العربية؟

قرأت كلمة طريفة للناقد المصري صبري حافظ، يعلن فيها “بعد جيل الثمانينيات، مع عدد من الروايات المعروفة، غدت الرواية التونسية أقدر على محاورة الرواية الشرقية عموما”! لكن المهم بالنسبة إليّ، احتفاظا برأيه وتجاوزًا له، هو أن تكون روايتنا العربية بشقيها التونسي والعربي المشرقي، قادرة على محاورة الرواية العالمية.

• أنت شديد الحماس للرواية باعتبارها الجنس الأدبي القادر على التعبير عن حياتنا في الوقت الحاضر، وعدم الانفصال عن إمكانات تراثنا بل وتفجيرها، واستيعاب مزايا الأجناس الأدبية الأخرى؟

ـ الرواية جنس جامع. في غياب الفكر الفلسفي عن المجال العربي، تبقى هي الأقدر اليوم على التعبير عن المستقبل.

* الحوار الإنسانى والخلط الإيجابى!

* يشغلك الحوار الإنساني، حوار الأجناس والحضارات والأديان، تجلى هذا في روايتك “النخاس”؟ فهل ترى أن هذا الحوار يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية في عالمنا الذي يموج بنفي الآخر، وفرض الآراء والايديولوجيا على الناس والأوطان؟

ـ بلى.. حين يكون حوارًا عميقا، وليس حوارًا ساذجًا! التهجين الإيجابي هو الأقدر على التقريب بين المتناقضات لهذا أنا أتمسك بمبدأ “المزج” والخلط الايجابي. هذه السبل هي التي يمكن أن تؤدي إلى غاية ما!

• الحرية في عالم مقموع، الخصوصية في عالم انتهك كل ستر! التوافق الإنساني في عالم تتصاعد فيه وتيرة الصراعات على جميع المستويات.. فهل ترى الأدب قادرًا على تحقيق خطوة أكثر من مجرد التعبير عن القضايا بما قد يفضي إلى التغيير!

ـ القمع، وانتهاك الشر، وألوان الصراع.. حاضرة منذ القديم، ولا شك أنها باقية. المهم أن ننبه إلى أن الأدب قادر على تحريك السواكن نحو الأفضل.

• تجربة “رئيس اتحاد الكتاب التونسيين” هل كانت إضافة أم خصما بالنسبة إليك؟
ـ هي ذات فائدة بالنسبة إلى الزملاء الأدباء والشعراء، لكنها خصمت مني الكثير. ملخص ذلك أنني حاولت قدر الإمكان خدمة زملائي. لكن ذلك كان للأسف على حساب الإبداع. تركت الاتحاد، وأصدرت رواية جديدة عن دار الحوار فى سوريا عنوانها “النهر قرب المدينة” صدرت في تونس أيضا، وأتأهب الآن لإصدار ديوان شعر بالفرنسية خلال الأشهر القليلة القادمة.

* في عالمنا العربى.. لا تطمح لأن تكون أديبا

* فى عالمنا العربى يعيش الناس فى جزر منفصلة، السياسيون، رجال الثقافة، الاقتصاديون .. إلخ.. فما دور المثقف فى رأيك؟

ـ في عالمنا العربي ينبغي أن ننتبه إلى ضرورة التقارب بين الثقافة والاقتصاد، والسياسة، والاجتماع. الفصل بين هذه المجالات هو الذي يصينا بالخواء! وهذا يطول شرحه!؟ والمثقف يحاول أن يوائم! أما الانسجام التام، فلا يمكن!

• في عالمنا العربي، الذي يكتب قليلا وينشر أقلّ، ولا يقرأ؛ كيف ترى مستقبل الإبداع الجاد؟ وهل من وسائل لتغيير هذا الواقع؟

ـ لهذا يا صديقي أنا أميل إلى إطلاق عبارة “تعاسة الأدب” على هذا الواقع المرير. فكأنه ليس للواحد منا في عالمنا العربي أن يطمح أن يكون أديبا. لا فكر لنا، وفي غياب الفلسفة. كل شيء يغيب! لهذا لا نكتب إلا قليلا، وحتى الكتابات الجادة لا تجد من يرحب بها. إنها تسقط في الفراغ و اللامعنى؟!

• لماذا تحب لقب القيرواني”؟

لأن القيروان “مدينة كنز”، هي حبلى بحكايات، وخرافات وكم هائل من القصص القصيرة والطويلة، التي يكفي الانكباب عليها للظفر بالكثير من الأعمال المستقبلية الكبري!

مقالات ذات علاقة

محاكاة النفس

المشرف العام

أتباع رسول التضامن ونبي التراحم لا يتوادون

مصطفى يوسف اللداوي (فلسطين)

الترابط بين علم النفس والأدب والتاريخ

إبراهيم أبوعواد (الأردن)

اترك تعليق