المقالة

الشفافية في التشخيص

فائزة الباشا

التخلف الثقافي مصطلح عرف فى عشرينيات القرن وارتبط بالتغيرات التي تطرأ فى ثقافتنا المادية والتي لا يواكبها تغير في الثقافة غير المادية وهو حالة يعيشها الإنسان أينما كان وفى كل الأزمنة لكنها متفاوتة من مجتمع لآخر وتتزايد حدتها إذا لم ندرك حقيقة الوضع ونشخصه التشخيص السليم ويتقدم بعضنا لمساعدة الآخر لتجاوز الأزمة دون انتظار مقابل ، ولأننا لا نعترف بتخلفنا الثقافي وأن اعترفنا بوجوده ننسبه للآخرين ونننزِّه أنفسنا عنه ، لذلك فقد نطور فى شكل السكن الذي يفضله الغالبية منا من طابقين أو ثلاثة طوابق علما بأننا لا نحتاج إلى جميع الغرف التي غالبا ما تظل مقفلة لا تستخدم إلا فى المناسبات وهو مؤشر أن الحياة التي نعيشها هي حياة جوفاء ومظهرية لا مضمون لها بدليل أننا أدخلنا تقنية المعلومات فى حياتنا وحرصنا على اقتناء أجهزة الحاسوب ولكن لا بهدف استثمار الوقت فالغالبية منا يستخدمه للعب الورق والتسلية ، أو للدخول إلى مواقع غير لائقة لهدر الوقت والطاقة ، ولا غرابة أن جامعاتنا تتباري لنشر نتائجها إلكترونيا لتكسب الود والرضا المؤسساتي لا بالمفهوم التقليدي للمؤسسات إن وجدت لذلك فإن المنظومات غير صالحة ولم تطور بما يمكن الأستاذ من إعلان نتائجه مباشرة بعيدا عن الروتين والمركزية وبعض الرؤساء يتجرأ ويفككها لتكون تحت بصره ، ولأننا فى حقيقة الأمر نحرص على المباهاة بالشهادات العلمية لا من أجل العطاء بل لتحقيق مكاسب شخصية لذلك لم نساعد المجتمع على تجاوز أزماته ، فمن يعود إلى قريته لا يسهم فى ارتقائها بل يتنازل ويرضخ كي لا يقال عنه مغرور ومتكبر ولا أريد أن استخدم المصطلحات العامية المتداولة بالخصوص ؛ فظلت القرى والمدن الداخلية متخلفة وهي تضم أساتذة مشهودا لهم بالخبرة والعلم ولكن لا تأثير لهم فى المحيط المجتمعي ، وهذا ناتج عن تخلف الثقافة من المنظور غير المادي من جهة والتخلف الاجتماعي بمفهومه الأشمل ، ولقد صدمت عندما زرت مدن قريبة من طرابلس داخل وطننا الغالي مؤخرا وفوجئت بعدم وجود إشارات ضوئية ” مرورية ” وهي مظهر حضاري يساعد سكان المناطق على احترام القانون عند انتقالهم للمدينة واختفت اللوحات الدالة على المكان فتنتقل من طرابلس دون أن تدري متي تصل ترهونة ودون التعرف على أسماء القرى المحيطة بها ، ولا نستغرب لغياب ثقافة البيئة عن مفاهمينا اختفاء الأشجار والزهور التي استبدلت بأسوار من الإسمنت في مناطق تتميز بخضارها الطبيعي مالم تدمره أيدي البشر بما فيهم أصحاب الشهادات الذين لم يتوان أحدهم عن حفر بئر مياه بمنطقة الآبار السوداء، ولا نذهب بعيدا فرغم توفر شبكة الصرف الصحي بمعظم المناطق عدا العشوائية منها فإن طلابنا بل والموظفين وغيرهم؛ منهم من لا يحسن استخدام “بيوت الراحة “، وهنا الإشكالية إن انتقالنا للحياة فى المدينة واستخدامنا ماهو متاح لا يجعلنا شعوبا متحضرة ، لأن الحضارة سلوك وقيمة جوهرها احترام الإنسان لنفسه وتأكيده لكرامته فى سلوكه القويم الذي سيدفع به إلى احترام الآخر وخصوصيته وإلى استثمار وقته فيما ينفعه وينفع المجتمع وإلى تجاوز حالة الاتكالية والسلبية وعدم السكوت على الحق كشيطان أخرس لمصلحة آنية ومادية أو لعلاقة شخصية تمنعه من رفع دعوى لمقاضاة المسؤول عن تجاوزه لحدود سلطاته ، والوقوف فى وجه الفساد بمختلف صوره وأشكاله وعدم السماح بهدر مقدرات الوطن على فئة وطبقة وصولية جاهرت بمسلكها المشين واتخذت من الشفافية غطاء لم تلاحظ أنه كورقة التوت التي تستر جزءا من العورة لا جميعها، إن تجاوز حالة التخلف الثقافي تحررنا من حالة الخوف والضعف الإنساني وتساعدنا على تجاوز مرض النفاق الاجتماعي الذي ينخر فى عظامنا ويكاد أن يأتي على ما يحتفظ به البعض من ماء وجه وكرامة؛ والحمد الله رب العالمين.

15.05.2009

مقالات ذات علاقة

زمن إهدار الحياة

أحمد إبراهيم الفقيه

ذكريات طرابلسية (1)

مهند سليمان

الأدب.. وصراع الأسئلة

عبدالسلام الفقهي

اترك تعليق