المقالة

ما هي مهمة رجل الثقافة في المجتمع؟

 

سؤال إشكالي ومقلق بات يطرح في كل مناسبة ثقافية بإلحاح مما يشكل نوعاً من التحدي لكل المنتمين لهذه الفئة (الخلاقة).. ومختصر الأجوبة الغزيرة التي طالعتها عن هذا التساؤل يتلخص في ما تطرق إليه كاتب أمريكي يدعى “آلان تيت” وهو إعادة خلق صورة الإنسان في عصره، مع إثبات المقاييس التي يمكن للناس الآخرين أن يختبروا بها تلك الصورة، ويميزوا الزيف من الحقيقة. فمسؤولية المثقف تجاه المجتمع لا تقل عن مسؤوليته تجاه نفسه، حيث لا يستطيع المثقف الواعي في النهاية احتمال أي شيء أقل من وضعه الإنساني التام..

إن الثقافة وجدت لمعرفة النفس لا للسيطرة على الآخرين، فعلى المثقف أن يتجنب رفض الآخرين والإصرار على أنه الأفضل أو أنه “الشيء الحسن الوحيد”، وهنا تكمن مهمته الشاقة في أن يمتلك وعياً خاصاً يمكنه من لفت الأنظار إلى كل ما يتمكن من مشاهدته، وهذا مختصر مهمته؛ أن لا يعبر عن الذي يراه فقط، بل يكونه، لا يعكس المرحلة، بل يساهم في تغييرها وصياغة مستقبلها، ولا يكون محايداً. بل يمتلك الجرأة على إدانة المفاسد بكل وجوهها.

المثقف الفاعل هو من يجتهد في تقديم المقاربات لصورة الحياة الكاملة التي يحياها بكل تفاصيلها.. إذ لن يتمكن رجل السياسة أو الاجتماع أو حتى الطبيب النفسي من تقديم تلك المقاربات المتزنة في سياق تجربة المثقف الذي له من المقدرة الحدسية والاستشراف ما يجعله قادراً على تحويل الأدب بحيث يصبح ملائماً للجماهير المتلقية. وليس القصد هنا أن يبحث المثقف عن رأي الناس من الناحية الكمية لأنه لم يعد كافياً أو حاسماً، وإن البحث عن رأي الناس على المستوى الكيفي يبدو أكثر أهمية، بل عليه أن يميز الفرق بين مجرد الاتصال السلبي وبين معرفة الإنسان التي تقدمها الثقافة من أجل المشاركة الإنسانية.

وبعد هذا التكشف التقني التلقائي للخبايا المعتمة لم يعد هناك من سبب يجعل المثقف يصر على موقفه الاجتماعي الداعي (للتصومع)، بل يجب أن يتوجه للمشاركة التامة في حركة المجتمع (الإصلاحية) ونكران خطاطات الانعزال المهترئة، فالعالم صار يستبدل أسلحته النووية بأسلحة الثقافة الناعمة!

______________________________

(*) سبق لي نشر هذا المقال في الملحق الثقافي لصحيفة “الجماهيرية”، الجمعة 10 يوليو 2009.

02.08.2009

مقالات ذات علاقة

التغيير

المشرف العام

شكرا ليالي طرابلس لكنكم نسيتم حجر الاساس حين تجاهلتم فوزية شلابي

زكريا العنقودي

من أمبرتو إيكو إلى عصر الجماهير

قيس خالد

اترك تعليق