تحـايـلٌ
يتحايلُ على أَلَـمِهِ القَـاسِي، يتخذُ مِنَ الصَّبر المُرِّ ترياقاً للشِّفـاء، رغـم أنَّ الطبيب أخبرهُ أنَّهُ بَاتَ يُعاني من كبر السِّـنِّ وأعْـرَاضِ الهـرم، بيته الفسيحُ أصبح من بُرُودة الوحدة ضيِّقاً عليه، قال لأبنائه الثلاثة عندما زارُوهُ بعد طُـول غيـابٍ: “أريدُ أنْ أراكُم كـلَّ يومٍ”، وَعَـدُوهُ بِذَلِكَ، نظر بعضُهُم إلى بعضٍ بخُبثٍ مُستترٍ خلف ابتساماتهم الكاذبة، صباح اليوم التالي استيقظ من نومه على صوت مُمرِّضةٍ ثلاثينيَّةٍ جميلةٍ في دار المُسنِّينَ تقُـولُ لهُ: “تفضَّل الإفطـارَ يا عـم!”، تفاجـأ من هَـوْلِ الصَّـدْمَةِ، ثمَّ أدرك مُتأخِّـراً أنَّ أبنائه فعـلُوا ذلك، ووفـوا بوعـدهـم لهُ!.
فـــرارٌ
حظر إلى مكتبه مُسرعاً، لمْ يتناول حتى طعام فطُوره، ولمْ يُحكم رَبْطَ خُيُوط حذائه الرَّماديِّ البالي، وحين صعد سُلَّم الدرج المُوصل إلى مكتبه نظر إلى نفسه صُدفةً في مرآة مُعتمة قديمة كانت هُناك، فتوقف بُرهةً، شعر فيها لأوَّل مرَّةٍ أنَّهُ بشرٌ!، أحْكَمَ رَبْطَ خُيُوط الحِذَاءِ، ومزَّق قناع الزَّيف الذي يرتديه، ثُمَّ قدَّم استقالته، وفـرَّ إلى زنبقته الحزينة، ليُكمـل معهـا مشـوار الحياة القصير..