هدى القرقني
كنت أشعربأن هناك من يراقبني وأنا جالسة في ذلك الكرسي في صالة الأنتظار بالمطار وكان موعدرحلتي قد تأخر لساعتين كاملتين.. إشتريت زجاجة ماء وجلست في أول كرسي وجدتة شاغراً أمامي…
رفعت نظري لأجد تلك السيدة تنظر الى يدي ثم رفعت وجهها إلى وجهي وابتسمت، كانت تبدو في نهاية الخمسينات تضع نظارة سميكة وتلبس عباءة قد تغير لونها الأسود وقد تشبثت بحقيبة يدها وكأنها خائفة عليها من الضياع، وكانت يداها تبدوان وكأنهما لسيدة في السبعين قد نال منها الزمن والقدر…
أخرجتني من شرودي وقالت لي: ”جميل أن نلتقي بعد هذة السنوات“.. بدت علي الحيرة فقد عرفتني ونادتني بأسمي وخجلت أن أقول لها إني لم أتذكرها، ولكن تداركت ذلك وبادلتها الحديث.. وعندها، ومن طريقة حديثها وضحكتها، تذكرت تلك الفتاة الجميلة التي شاركتني سنوات الدراسة. لقد تغيرت كثيراً.. فالتجاعيد كان لها نصيب من تغير ملامحها وتلك النظارة التي تبدو عيناها من خلالها صغيرة جداً وكأنهما ثقب في جدار زجاجي.. لقد بدت ضعيفة جداً وكأنها ليست هي تلك الفتاة المرحة التي كانت تزهو بمشيتها وشعرها الطويل في ساحة المدرسة…
نظرت إلي طويلاً والى يدي، ودون شعور مني خبأتها تحت حقيبتي، وكأني خجلت مما أتزين به من حلي.. عاودت النظر إليها وقد بدأ عليها الأرتباك وقالت لي إنها ذاهبة للعلاج وهي تعاني من مرض مزمن وقد تحصلت أخيراً على تكاليف السفر…
رأيت دموعها وهي تبلل خديها الشاحبتين، شعرت بأن قلبي يؤلمني وودت ان أقول لها أي شيئ يواسيها ولم أستطيع فقد ضاعت مني الكلمات وقد تكون تعابير وجهي قد أوصلت لها ما أشعر به…
قامت فجأة وأستأذنتي بالذهاب فقد حان موعد رحلتها.. مددت لها يدي فجذبتني إليها وحضنتني وكأنها تودع ذكرياتها التي جمعتني بها يوماً وقالت لي: ”إدعي لي بالشفاء“…
غادرت مسرعة بعد أن بدأ زوجها يستعجلها للوقوف في طابور طويل من المسافرين.. لم تفارق عيناي حتى غابت وسط الزحام…
لا أدري لماذا أثر في هذا اللقاء.. ياسبحان الله كل شئ يتغير وكأنه لم يكن…
فتحت حقيبتي وأخرجت مرأتي ونظرت إلى وجهي وتسألت: هل أنا إستطعت أن أواري خطوط هذا العمر خلف ماوضعتة من مساحيق؟! أم أن المرض والحاجة هي من تغير ملامحنا؟! ووجدت نفسي أنزع مافي أصبعي ونظرت إلى يدي وهي عارية ولاحظت إنها ترتجف وأن التجاعيد قد نالت منها.. لم أرها بذلك إلا هذة المرة، فقد كنت دائماً أنظر إلى بريق خاتمي…