كان يوم 23 فبراير من العام 1977 ناتئا موشوما غير قابل النسيان. كان الوقت ظهيرة، وكانت صديقتي “ر ت” في ربيعها الثالث عشر قد بدت في غاية الأناقة والحماس، إنها تريد أن تختبر جرأتها في فهم القرارات الذاتية الصعبة بمحض الصدفة، لذلك ن جاءت للموعد غير مرتبكة، ترتدي لباس تلميذة بالثالثة إعدادي بمحفظة تشبه جراب صياد وسلوك شابة عشوائية بسقف طموح ملتبس. ولأن الحقيقة يجب أن تقال كانت أكثر من صديقة مع جرعة رومانسية زيادة.
ذات يوم ربيعي اتفقنا على موعد للقاء مع الرابعة بعد الزوال. ولحماسنا الشديد المتوثب بدا لنا الأمر للوهلة الأولى قابلا للتنفيذ. وعلى الرغم من أن المكان المتفق عليه كان آمنا حتى في أسوأ الأحوال. فقد ساورني أكثر من مرة اقتحام مفاجئ لأحد أفراد الأسرة ويكون ما لا يحمد عقباه. فمنزلنا مثل حديقة بلا بواب، الكل يدخل ويخرج متى وأنى يشاء. وكما يريد القدر، كانت غرفة استقبال الضيوف في الطابق الأول بمسكن والدي هي أول ما يصادف النظر يا ساتر؟ مغامرة شيطانية لا يعلم عواقبها سوى الله..
تركت الدكان مفتوحا في يد الله، وتحت مراقبة عشوائية من جاري المقابل الذي يشبهني في مثل هذه الحماقات التي كانت مصدر افتخار وتجاذب بيننا. كانت قبة السوق القلب النابض للمدينة فارغة وشبه مقفرة، إلا من أشباح تظهر لتختفي بعد حين تحت هالات من الضوء المهزوز الذي يتسرب بين أعواد السقف القصبي المهترئ. اندفعت كأي شاب واثق في نفسه طائش وعبثي وفي خيالي تضج اللذات، وتتأرجح الخيارات والمتع بعد أن وضعت وسط باب المحل عصى متكئة على شكل مائل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وهي عادة دأبنا عليها نحن تجار السوق الشباب، تكشف أن الغياب عن المحل اضطراري ومؤقت. والحقيقة أن الأمر كان كذلك على الدوام. كان مخططا ألا يتجاوز اللقاء المرتجفة متعته معها الساعة الواحدة، حتى يتسنى العودة للدكان دون إثارة انتباه أحد، بما في ذلك والدي.
ورتبت لصديقتي خطة لا تخيب، أن أدخل الأول وتدخل البيت لوحدها بعدي بخمس دقائق وقدمت لها الإحداثيات اللازمة ضمن خريطة دقيقة جدا – وأنت تصعدين السلم انتبهي! بعد العتبات الثلاث تنتصب أمامك 12 درجة في السادسة من السلم، هناك واحدة على اليمين تفضي إلى سدة تستعملها الوالدة حفظها الله لتخزين الأشياء البالية ردي بالك ! لا تنتبهي وراءك، اصعدي توا الدروج ستجديني واقف بباب الغرفة مثل جندي حراسة. ردت بتحريك رأسها وعزل خصلة شعر انسدلت خلسة على جبهتها الصفراء الباردة بقبول خجول وعينين مسبلتين ضاحكتين.
هكذا تمت الخطوات الأولى بنجاح فائق التقدير. والتقى صديقان متيمان بعشق استشرافي لعالم يتسم بالفضول والشغف. لنقل شابان يكتشفان ذاتهما ويختبران مذاقا آخر للحياة الحالمة. تلميذة بمؤسسة إعدادية وأفق مفتوح وتاجر ملابس شاب تحت ضغط ومراقبة مجتمعية شديدة. ومن اللائق هنا أن نخبر القارئ العزيز أن الشاب لم تطأ قدماه أي إعدادية ولا ثانوية فيما بعد. كان كل رأسماله المدني في الحياة رتبة مساعد تاجر في دكان والده ارتقى بعدها بسنوات إلى مسير المحل تحت مراقبة صارمة. مع رصيد جيد وقاموس من الكلمات والعبارات والمفردات والجمل المستقاة من القراءات المبعثرة هنا وهناك. ما علينا، أمضينا ساعتنا كثنائي يستكشف الآخر بالتجارب والمحاولات السهلة المتمتعة وعقدنا العزم على الانصراف دون ضجيج. لكني وأثناء مسح خفيف لفضاء النزول لاحظت أن باب السدة مواربا وهو الذي كان مغلقا بالكامل. يا إلاهي ما الذي حدث؟ ومن قام بإخطار برج المراقبة في ساعة حالمة كهذه؟
خرجت مسرعا وفق الخطة المعلومة، وتسللت جانبا مثل حارس أمن خاص يؤمن منطقة المرور لنجمة في عالم السينما. وأومأت لصديقتي بالنزول بخفة ودون ضجيج. على أن نلتقي في قبة السوق بعد دقائق من الآن. في السلم الوسط، سمعت صوت الوالدة لطيفا أموميا حتى النخاع ” شوفي ابنتي.. لا تكرري المجيء إلى هنا مرة ثانية ؟أما أنا فانتابني شعور مبعثر بين الخجل والرجولة الموعودة تنفست الصعداء ثم انزلقت مسرعا على السلالم الـ12 لا ألوي على شيء.
ولست ملزما صديقاتي أصدقائي أن أخبركم بكل ذكائي وكمية الغباء التي رصدتها على مدى ستة عقود أنني لم أسمع منذ تلك اللحظة ولو تعليقا أو مجرد تلميح حول ما جرى إلى يومنا هذا.