المقالة

القصة وما فيها..

الكاتبة الألبانية ليا يبي
الكاتبة الألبانية ليا يبي

هذه مذكرات ليا يبّي  Lea Ypi حول نشأتها أثناء انتقال ألبانيا من الشيوعية الشمولية إلى الرأسمالية الليبرالية، وهي قصة طفولة عانت كثيرا… في ديسمبر 1990، بعد أيام من المظاهرات، سقطت الدكتاتورية، وتحول عالم الفتاة ومواطنوها الألبان إلى النقيض بين عشية وضحاها. أخبرها والداها أنهما لم يدعما الحزب الشيوعي أبدًا، وأن تاريخ العائلة الذي عرفته كان كذبة واضحة. وتقول حول هذا: “كانت الأمور في اتجاه ما، ثم أصبحت في اتجاه آخر. لقد كنت شخصًا ما ثم أصبحت شخصًا آخر.”

هذا الكتاب مليء بالرؤى حول العلاقات الأسرية بقدر ما يتعلق بالسياسة. فهي تشوّه في كتابتها الحقبة الستالينية، كما تحاول الإجابة عن السؤال المهم “ما هي الحرية؟”.

تعد “حرّة” قصة كلاسيكية مؤثرة عن بلوغ سن الرشد، حيث تتحول الفتاة إلى امرأة، وتروي حكاية مكافحة الأسرة من خلال المصاعب التي واجهتها. والداها، وجدّتها التي ساعدت في تربيتها وهم شخصياتها الرئيسة، وقد وصفتهم بمحبة وحيوية. تعرّفنا ليا يبّي على الأب الذي يقطع أوقات النوم بنكات حول السياسة، والأم التي توجه التوتر إلى الأعمال المنزلية، لكن، بالطبع، هناك عالم مختلف تمامًا من حولهم. فألبانيا، واحدة من أكثر مناطق أوروبا إثارة للاهتمام، وقد سلكت طريقًا غريبًا ودمويًا في كثير من الأحيان خلال القرن العشرين. وظل أنور خوجا، الذي تولى السلطة منذ الأربعينيات حتى وفاته في عام 1985، ستالينيًا محافظا – ونشأت ليا يبي وهي على يقين كم أحبها ستالين وأحبّ جميع أطفال ألبانيا – وبعد وفاة خوجا، حذا خليفته حذوه. كانت الحكومة قمعية مثل حكومة الدكتاتور السوفييتي، واختفى أفراد الأسرة في معسكرات الاعتقال؛ وصار الأصدقاء وزملاء الدراسة والأصدقاء مخبرين للسلطة. كتب أطفال المدارس تقارير تفيد بأن المزارع الجماعية تجاوزت أهدافها المتعلقة بإنتاج الحبوب بموجب الخطة الخمسية الأخيرة.

لقد قسّم أنور خوجا العالم إلى معسكرين: “الإمبرياليون” المتحالفون مع واشنطن و”التحريفيون” المتحالفون مع موسكو. وكانت ألبانيا منغلقة على نفسها مثل كوريا الشمالية اليوم. قد تعني محاولة مغادرة البلاد التعرض لإطلاق النار من قبل حرس الحدود. ونتيجة لذلك، أصبحت الأغراض القادمة من العالم الخارجي كنوزا. كان زملاء ليا يبّي يمررون أغلفة Juicy Fruit التي تخلص منها السائحون، ويستنشقون الرائحة الحلوة لعالم بعيد عنهم.

كانت علبة كوكا كولا الفارغة عبارة عن قطعة ثمينة للغاية لدرجة أن عائلة يبي اختلفوا مع جيرانهم المفضلين بعد اختفائها. كان للجيران أهمية كبيرة وسط حياة مليئة بالطوابير للحصول على الخبز والجبن والكيروسين،

ستصبح ألبانيا الآن حرة ومنفتحة، ليس فقط في انتخاباتها، بل بأسواقها أيضًا. فقد هجم “المجتمع الدولي” (في هيئة مستشارين من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) على البلاد، ووصفت الكاتبة سياسات التحرير والخصخصة السريعة، وهي الاستراتيجية المعروفة باسم “العلاج بالصدمة” والتي تم تطبيقها في مختلف أنحاء أوروبا ما بعد الشيوعية. قد يكون الأمر مؤلماً مع تفكيك الدولة القديمة، لكنه كان ضرورياً. كانت هذه نهاية التاريخ، ولم يكن بوسع ألبانيا أن تتبع سوى طريق واحد، نحو الرأسمالية والديمقراطية والحرية.

هذا لا يعني أن الرأسمالية كانت أسوأ – فلم تقلل ليا يبّي أبدًا من قسوة وعبثية الحياة في ظل دولة خوجا الستالينية – فقط كانت نوعًا مختلفًا من السوء، وأنه في حين يمكن لكليهما أن يعدا بنوع من الحرية ويحققانه، فإن كلا منهما لديه مجموعة المساوئ الخاصة به.

بعد التخرج، غادرت ليا يبّي بلدها، مثل كثيرين من الألبان. (تتمتع ألبانيا بواحد من أعلى معدلات الهجرة في العالم). ومع ذلك، كانت أكثر حظًا من معظم الناس، فقد ذهبت إلى إيطاليا لدراسة الفلسفة، وهي الآن أستاذة للنظرية السياسية في كلية لندن للاقتصاد.

كتبت في خاتمة كتابها: “عندما ترى نظاماً يتغير فجأة وبالكامل، فليس من الصعب أن تصدق أنه يمكن أن يتغير مرة أخرى”. وأجد في ذلك تماهيا مطلقا مع الحالة الليبية!


آخر ترجماتي التي تنشرها Fergiani Bookshop – London مكتبة الفرجاني – لندن

مقالات ذات علاقة

أين ليبيا التي عرفت؟ (26)

المشرف العام

الزي الليبي والزي الإسلامي

المشرف العام

قال لي زكريا !

حسام الوحيشي

2 تعليقات

فرج الترهوني 21 مايو, 2024 at 07:31

شكرا لبلد الطيوب، الموقع النشط الرائع، على مشاركة منشوري..

رد
المشرف العام 21 مايو, 2024 at 17:40

الشكر موصول لك أستاذي

رد

اترك تعليق