من رواية قنابل الثقوب السوداء
إبراهيم أمين مؤمن (مصر)
فخامة الرئيس العادل: «أنا جاهز تمامًا ومنتظر إشارتكم.»
مهدي: «جيد أنك أتيتني، كنت سأرسل إليك منذ لحظات، تسعدني همتك يا ولدي، فليس لدينا وقت لنهدره، فأموال الشعب أمانة في أعناقنا.»
– «سيادة الرئيس، أريد أساتذة متخصصين في فروع الفيزياء المختلفة وخاصة الفيزياء النظريّة وفيزياء الجسيمات، وفيزياء الإحصاء.(يكلمه فهمان ولا يحدّ النظر إليه إجلالاً).»
تبسّم ابتسامة لطيفة وهو يقول: «طبعًا يا فهمان، لقد عملت على ذلك منذ فترة، منذ أن انتهيتُ من اجتماع الوزارة، وسيصل إلى مصر قريبًا العديد من الخبراء الفيزيائيين مِن أوروبا وآسيا، كلّهم أخبروني بأنهم يفتخرون بالعمل تحت قيادتك.»
قال وهو مندهش: «تحت قيادتي أنا؟!»
أجابه بطأطأة رأسه ولم ينبس بكلمة، ولكن ملامح وجهه ملآنة بالتأثر.
قال فهمان: «فخامتكم دائمًا لا تهدرون وقتًا، تصرفاتكم رصينة وحكيمة وتدبيركم محكم متين.»
– «أتظنّ أنّ رئيسك نائم، قلتُ لك منذ قليل أنّ أموال المصريين أمانة في أعناقنا وليس لدينا وقت لنهدره.»
سأله فهمان على استحياء: «هل من الممكن أن أطمع في كرم سيادتكم العليّة واستفسر عن أمر؟»
-«بكل سرور ..سل ما تشاء.»
– «لقد سمعت عجبًا، كيف يفتخرون بالعمل تحت..؟»
قاطعه مهدي بسيل من ضجيج الضحكات المتتابعة ولم يتوقف حتى أصابته نوبة سعال من حشرجة أحباله الصوتية، ثم كوّر يده ووضعها على فمه حتى توقف سعاله وهو يقول والدموع تنهمر من عينيه: «هذا الكلام يقال في البلاد العربيّة التي ما زالتْ تعيش تحت بئر السلم وخاصة في مصر، أمّا الغرب فلا يعترفون إلّا بالكفاءات، لو عندهم صبي لا يتجاوز السادسة مِن عمره ولديه كفاءتك لبنوا به المصادم على أراضيها وكان القائد عليهم هذا الطفل.» صمت قليلا ثم تكلم بحكمة: «الفرق بين الجنس العربيِّ والجنس الغربيِّ أنّ جنسنا اعتاد على الفشل منذ الصغر،
وجنسهم اعتاد على النجاح منذ صغرهم أيضًا، فسلكنا سلوك الفاشلين على الدوام وهم سلكوا سلوك الناجحين على الدوام، فامتلكوا رقابنا وتحكموا حتى في كيفية لبس ملابسنا الداخلية. الآن عرفتم لماذا يفتخرون بالعمل تحت قيادتك، ويجب عليك أن تعرف أيضًا كيف يتبرأون منك العرب ويسخرون منك لو طُلب منهم العمل تحت قيادتك مع أنهم لا يساوون أكثر من النعال التي ينتعلها هؤلاء العلماء الغربيون.»
أدار مهدي وجهه عنه وأعطاه ظهره وهو ينظر من الشرفة بعد أن رفع شراعتها وقال: «أتعرف أن هؤلاء الذين انتعلوا علماءنا قالوا عنك بالنص: «ما لدى فهمان وجاك ليس علمًا مأخوذًا من الكتب؛ إنما وحيًا من السماء ».» استدار مرة أخرى ووقف أمام فهمان وربت على كتفيه وقال: «قلت لهم أهم رسولان؟ قالوا متعك الإله بالصحة والعافية سيادة الرئيس فعصر الأنبياء ولّى.»
قال فهمان: «ألم يذكروا لفخامتكم ميتشو كاجيتا؟»
أجابه: «ذكروه متأففين.»
سمعها فهمان منه ودار بخلده استفسار سبب تأففهم منه ولم يجد إجابة إلا لسلوكه المريب الذي سلكه تجاهه من قبل عندما كان جالسًا مع الدكتور وليم. لكن فهمان قال لنفسه بأنه يظن أن كاجيتا يكره العالم، حتى امتد كراهيته له إلى نفسه هو.
قال مهدي: «لم تكن تكلفة خزانة الدولة ثلاث مائة مليارًا من الدولارات أمرًا هينًا في بلد أهلها يعيشون في البرك والمستنقعات، ولذلك فأنا متأكد بأنك ستستطيع بناءه، وسيصبح منارة وقبلة لعلماء الأرض يأتونه، عندئذ أضرب ضربتي، فأرفع شعبي من المستنقعات إلى الروابي، وأخلع النعال التي ينتعلها علماؤهم وأضربهم بها.»
نظر فهمان إليه وتعجب من قسوته
ولم يفهم معنى كلمة أضرب ضربتي، ولكنه شعر فيها بالقسوة ولاسيما أنه كان يقولها وهو يلكم الهواء بكلتا يديه.
قال مهدي: «هل من الممكن أن يعمل جاك معك؟ وهذا الكاجيتا أيضًا؟»
أجابه وهو يبكي: «لقد فرّقت الشياطين بيني وبينك يا جاك، كم أنا مشتاق إليك! كم أنا محتاج إليك.»
– «حسنًا، أرسل إليه يأتك.»
– «لن يستطيع، فلديه هم أشد مما نحن فيه، إنه سوف يلقي بنفسه في جحيم ثقب أسود محاولة منه لإنقاذ هذا العالم.»
قال مهدي مرعوبًا:«كيف ذاك؟»
أجابه: «ثقب أسود يهدد حياة البشرية بالزوال، بل قد يلتهم المجموعة الشمسية أيضًا.»
قال مهدي: «لطفك يا رب، هل أنت متأكد مما تقول؟»
أجابه: «متأكد، لكني متأكد من قدرة جاك على التصدي له ودحره بعيدا عنا.»
قال مهدي: «ألم تقل بأنه سوف يلقي نفسه في جحيم ثقب أسود منذ قليل، فكيف يدرأ أخطاره عنا؟»
أجابه فهمان والدموع قد ملأت وجهه: «سيدرأ أخطاره عنا بأن يكون قربانا له.» وظل يبكي حتى تقطع صوته.
فأراد مهدي مواساته فقال له: «لا تألوا جهدًا في بناء المصادم وسوف أجعل أباك -رحمه الله- بجانبك.»
ذهل من كلامه ولم يدرِ مقصده وسأله مستفسرا عن الأمر فقال له مهدي بأنه عندما يحين الوقت ستزول عنه دهشته.