يَصْطَادُكَ بِعَيْنٍ وَاحِدَهْ
يَحْشُرُكَ فِي إِطَارِ زَاوِيّةٍ ضَيِّقَهْ
وَيَبْرُقُ فِيكَ ضِيَاءً
يُرْسِلُكَ فِي البَعِيدْ
فَتُصْبِحُ فَجْأةً أَسِيراً لِلتَّارِيخْ
وَيَمْنَحُكَ شَهَادَةً لِلذِكْرَى.
لاَ يُمكنكَ الهروبُ من قبضة ابتسامته العريضة وهو يستعد لاصطيادك في لقطة يسكنك فيها التاريخ. تظل تتابع وقفته وانحناءته، وتمايل جسده الممتليء بكل رشاقة أمامك، وهو يستعد، ويعدِّل، ويثبِّت توازنه قبل أن يضغط بإصبعه في حركة سريعة لا تراها ولا تسمع لها صوتاً ولا صدى.
يجيءُ إليك مترجلاً كجبل من العيون المفتوحة، ومكتضاً بالنظرات الواسعة وهو يرسل خطواته صوبك. يصافحك بحرارة ، ويمد إليك مفاتيح سنوات العمر التي تركها وراءه من أجل … صورة.
اِفْتَحْ وَاقَرَأ كِتَابَه، واكتشفْ سيرتَه.
بالتأكيد ستجد صوراً كثيرة، وغربية، وعجيبة، حملت اسمه وعنوانه، يظل يحبها حتى وإن لم تحبها أنت. يتذوقُ فيها عذاباتِ فرحه، وآنَّاتِ وجعه، ولذةَ عرقه وهو يشقى لاصطيادها كالفراشات الجميلة من مكان قريبٍ لآخر بعيد، تحت ظروف جوية ومعيشية ونفسية متفاوتة .. ولكنه لا يكف عن عشق فراشاته والبحث عنها.
صورةُ أعماقِه يعرفها الجميع. كلهم يقولون أنها لا تحتوي على الأسود أو الرمادي، ويتفقون على أنها باسمة كإشراقة طفلة، وربيعية الألوان مثل لوحة تشكيلية تتأسس على رسالة التعبير عن زهو الحياة الإنسانية الهانئة، وعمق المعنى والدلالة لرسالة اللوحة التي ترسمها فرشاة ناعمة تزاوج جدلية اللون مع نبض القلوب وشفافية المشاعر النبيلة.
وحين يخاطبك بكل هدوءه لتسوية وضع صورتك أمام عدسات عينيه، لا تفرق بين همسات صوته وانسياب موجة بحرية تغازل المصطافين بأنسام باردة عليلة أثناء أيام القيظ. تشعرُ أنه يلبس تاريخه، ولذلك فلا يمكنك ان تربط علاقة مهمة بين هيئته ومختارات ثيابه التي يغطي بها جسده المليء بأطنان من الأحاسيس الرقيقة حتى أهلكت وزنه وتقاسيمه الأفقية والرأسية، وبين معزوفات قلبه للمحبة والطيبة والخير وابتسامة عينيه للفرح وبراءة الأطفال وهم يصطفون أمامه لكي يلتقط لهم صوراً عفويةً لمستقبلهم الحالم الجميل.
تسريحةُ شعره الأبيض العبثية، وتقوّس شاربه الكثيف، وتجاعيده الملتوية، شواهدٌ تشير إلى تراكم مخزون هائل من الخبرات والتجارب التي تمنحك إطمئناناً وثقةً بأنه متمكنٌ وبارع ٌفي تأثيث حوارٍ ثريٍّ بين مضمون وشكل اللقطة أو الصورة خارج الإطار المكاني أو الزماني.
أحمد السيفاو … لَيْسَ مُجَرَّدْ مُصَوِّرْ.
فابتسامته لا تتوقف بعد الانتهاء من مراسم استقبالك عند عتبة الزمن، بل يظل يهديك أشكالاً عديدة من الفرح للتواصل والعبور نحو بوابة الذكرى والتاريخ البهي الذي يظل راسخاً واثقاً كالجبل الآشم.
أكرر… أحمد السيفاو … أنتَ لَسْتَ مُجَرَّدْ مُصَوِّرْ …. تَذَكَّرْ ذَلِكَ دَائِماً!!
نشر بصحيفة (أويا)، العدد 562، بتاريخ 2009/06/17 على الصفحة رقم 24