في الطريق للعمل.. قطتنا تمشي بخيلاء على سور البيت متجهةً صوب قط الجيران.. جارنا بصبره الواسع يحاول تشغيل سيارته المرسيدس المتهالكة كما كل يوم من (الطقّة العاشرة).. في نهاية الشارع جارتنا التي لا أعرف اسمها تضع قمامتها أمام بيتها مع مرور بقرتين تتلهفان لها من أجل حليب (طازج).. على الطريق السريع شاب بشعرٍ طويل وقبعة حمراء ومِرفَقٍ خارج نافذة السيارة يقود بسرعة (يمتّع علي صبح ربي).. فتاة جامعية تضع سماعات.. ربما تستمع لفيروز.. وربما لشعر شعبي.. من يدري.. هذه البلاد غريبة؟ على المفترق رجل المرور يغط في نومه داخل مركبته.. بينما السيارات من كل الاتجاهات تقطع إشارة المرور التي تنظر بعين واحدة فوق عمود يهمّ بالاتكّاء.. يراودك شعور بأن هناك نظاماً ما قد حل بالمدينة.. تسمع صوت اصطدام في الخلف.. ثم تكتشف أن سيارةً ما ساعدت عمود الإشارة في اتكاءته. تكمل طريقك في صمت مهيب.. أحدهم يمشي بجانب فتاة.. يغازلها: (نشهد بالله انك فرس).. ثم يمد لها قصاصة صغيرة (رقم هاتف بالطبع).. تأخذ (الفرس) الرقم وتنحرف جامحة صوب الجهة الأخرى. مجموعة مسنين يلعبون (الكارطة) أمام المسجد.. بما فيهم الإمام.. سائق حافلة يحاول الحصول على ركّاب أكثر من اللازم.. حتى تشعر أنه سيضعهم في حضنه (يا إلهي.. هل تتخيل نفسك جالساً بحضن السائق).. بينما مسجل حافلته يصدح بالمرسكاوي (يا دنيا يا دوّارة). طابور طويل أمام المصرف التجاري.. بأيدٍ ممتلئة بالصكوك المتعرّقة.. يتحدث أحدهم في وسط الطابور: (قالوا في موجة حر يوم الخميس والبنزينة تبي تنقص والسيولة الشهر الجاي مفيش).. لا أحد يعرف مصدر المعلومات الكئيبة الخطيرة هذه.. لكن الكل يصدقه.. ويستعد لها. أمام المخبز.. طابور أيضاً بأيدٍ ممتلئة بأكياس ملونة وعادية وبلاستيكية وبعضها بصناديق (كراطين).. تنزل سيدة صغيرة من سيارتها بسرعة.. تتجاوز الطابور.. تأخذ خبزتها بسرعة قياسية.. أحدهم يصرخ: الطابور يا حاجّة.. تنظرُ له بشزَر وترد بصوت منخفض: حاجّة في عينك أنا أصغر منك يا تافه.. ثم تفرم عجل سيارتها في وجوههم وتذهب مسرعة. قبل أن تصل للعمل بقليل يناديك أحدهم من سيارته وهو يقودها: ( اشقى بالراجل اللي وصيتك عليه.. ما تنساه) لا تعرف من هو.. ولا من الرجل الذي سـ تشقى به.. لكنك ترد في صمت: (عدّي ملّح) على باب العمل.. يستقبلك حارس المبنى بابتسامة جبرية.. بينما تكتشف أنك نسيت مفاتيح المكتب في البيت.. فينهار في داخلك شيء ما.. مرارة بحلقك.. تتوقف لوهلة.. تتذكر كل الذين مررت بهم قبل قليل.. يكاد الغضب يخرج مع دمك.. تقول في تحدٍّ مفاجئ: والله ماني راد للحوش.
المنشور السابق
المنشور التالي
مفتاح العلواني
مفتاح سعد العلواني.
مواليد 1984 البيضاء-ليبيا.
ليسانس قانون من جامعة عمر المختار سنة 2005.
معيد ومساعد باحث بكلية القانون إلى سنة 2009.
التحق بالمعهد العالي للقضاء في طرابلس لمدة سنتين ثم عيّن وكيلاً للنيابة العامة إلى الوقت الحالي حيث يشتغل منصب وكيل نيابة بمكتب المحامي العام بالبيضاء
متحصل على دبلوم في قسم القانون العام والآن بمرحلة كتابة الرسالة.
يكتب الشعر منذ المرحلة الثانوية 1998 حيث كانت كتاباته في معظمها تعبر عن الحياة العائلية الصعبة والفقر المدقع حينها، لا سيما بعد وفاة والده، والدهُ الذي يقول مفتاح أنه من المفترض أن يكون متناثراً في القاع الآن.. فمذ وفاته وهو يهوي بلا انقطاع في هوّة الشعر.. هكذا كان الشعر رفيقه الذي لا يخون.
شارك في العديد من المسابقات الأدبية فيما قبل 2011.. وكانت جل الكتابات مصيرها إما النسيان أو التهميش.. لعدم توفر محيط يساعد على تطور التجربة الشعرية لديه.
منذ سنة 2011 ومع توافر وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة.. والانفتاح بشكل كثيف وعميق على تجارب شعرية عربية كثيرة.. تطورت التجربة الشعرية لديه بشكل كبير.. شارك في الكثير من المجلات والصحف والمواقع الأدبية العربية.. منها (مجلة العربي اليوم المصرية.. مجلة رسائل الشعر التي تصدر بالمملكة المتحدة.. مجلة نصوص من خارج اللغة الصادرة بالرباط.. مجلة كتابة المصرية.. وصحيفة فسانيا الليبية.. ومجلة قصيدة النثر المصرية.. وموقع تذوق الفكر والأدب...) وغيرها.
يمارس أيضاً كتابة النصوص السردية والقصة القصيرة
أجريت معه العديد اللقاءات الأدبية الإذاعية والإلكترونية.
لديه مخطوطان لديوانين قادمين، وهو الآن بصدد إصدار ديوانه البكر الأول.
مقالات ذات علاقة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك