.
د. فتح الله محمد احمد اليمني
.
لقد شاهدت كما شاهد الكثيرون منا في العقود الماضية الفيلم الامريكي عن رواية ماريو بوزو الاب الروحي أو العرَّاب “The GodFather” الذي يجسد الحياة الواقعية لدنيا المافيا في امريكا؛ ويحكي قصة عائلة كوروليوني ذات الاصول الشيشليانيه الايطالية أقوى واشرس عائلات المافيا، المتغوله في نيويورك في العقدين الخامس والسادس من القرن المنصرم، والمتورطة في أعمال اجرامية مختلفة كإدارة نوادي القمار وغيرها من النشاطات غير الاخلاقيه ولكن ارتباط زعيم العائله دون فيتو كوروليوني، “الذي مثل دوره وهو شاب روبرت دينيرو ثم بعد ذلك مارلون براندو”، بشخصيات سياسية مهمة منحته نفوذا قويا وتغطيه لكل اعماله وانشطته الاجرامية، مما جعله عرَّابا يلجأ إليه الناس للحماية ولحل مشاكلهم؛ غير ان هذه العلاقات تتعرض لنكسة قوية بعد رفضه لطلب احد الزعماء الآخرين سالازو بمشاركته في اصدقائه من اصحاب النفوذ لحماية اعماله المتمثلة في تجارة المخدرت ذات العيار الثقيل، الهروين والكوكايين، مقابل مبالغ مالية كبيرة؛ نتيجة لهذا الرفض دخلت العائلة في حرب شرسة مع باقي العائلات المافيوزية الاخرى ادى الى تحييد الزعيم فيتو، فيتدخل ابنه الاصغر مايكل “مثَّل دوره آل باتشينو” لخلافة ابيه. الشاب مايكل هو الذي يهمنا اكثر في هذا الموضوع، حيث التحق بالخدمة العسكرية الالزامية بعد الحرب العالمية الثانية وكان بعد ذلك يرغب في استكمال تعليمه العالي ويتعفف عن المشاركة او التورط في اعمال العائلة القذرة لكنه يجد نفسه مضطرا لقيادة العائلة بعد مقتل اخيه سوني “مثَّل دوره جيمس كان” فيبدأ بالثأر لابيه وأخيه بتصفية أعداء العائلة بلا رحمة ولا شفقة ليعيد هيبتها ومكانتها في المجتمع.
جرائم القذافي لا تحصى ولا تعد والتي بدأت منذ استيلائه على مقاليد السلطة بعد إنقلاب سبتمبر 69 المشؤوم ومنها على السبيل الذكر لا الحصر: تعليق شباب بنغازي على اعواد المشانق في بداية السبعينيات، وضحايا حركة عمر المحيشي وتصفية شباب الجبهة الوطنية عام 84 وجرائم قتل وتشريد الليبيين في كل من اوغنده وتشاد وضحايا الطائرة الليبية عام 92 وضحايا الايدز من الاطفال وضحايا محاولة اكتوبر 93 المعروفة بحركة ورفلة وضحايا مذبحة بوسليم عام 96 وضحايا انتفاضة 17 فبراير 2006 ببنغازي أمام القنصلية الايطالية وضحايا المظاهرات السلميه المصاحبة لثورة 17 فبراير في عموم ليبيا، وغيرها مما نعلم ومما لانعلم.
عودة على بدء، ان الطرق الانتقامية التي اتبعها مايكل المافيوزي وقبله والده في تصفية خصوم العائلة من المجرمين عند مقارنتها بالطرق التي اتبعها عراب ليبيا المقبور ضد خصومه تعتبر متواضعة ومحافظة جدا. اقول هذا بعد ان شاهدت بالفيديو الطريقة غير الانسانية، والتي لاتخطر حتى على بال ابليس لعنه الله، التي ابتكرها المردوم في إعدام ابن عمه الشهيد بإذن الله عبد السلام اخشيبه القذافي في يوم الثلاثاء الموافق 20 ديسمبر2005م داخل اسوار بار باب العزيزية؛ في مشهد درامي ليس له مثيل حتى في افلام القرون الوسطى المتسمة بالقسوة والعنف والعنجهيه وعدم الانسانيه، قام مجموعة من شذاذ الآفاق من كتيبة امحمد بجره من حجرته وهم يتدافعون بل ويتنافسون كالوحوش الضارية على هذه الفريسه، “القنيصة” البشرية، البائسة، الوحيدة، التي لاحول لها ولاقوة، بالضرب بالايادي والركل بالارجل حتى وصلوا الى ساحة الموت، وهنا اتت شراذم اخرى من الوحوش، الكاسرة، المندفعة، الهائجة، مثل هيجان براكين الجحيم للمشاركة في احتفالية احفاد الشياطين المأساوية بتمزيق جسد القنيصة بالركل والرفس على الرأس والطعن بالحراب ثم تعليق بقايا الجثة الممزقة عارية على تلك الشجرة المشؤومة. يا لهول هذا المشهد الخرافي.
هذه الجريمة النكراء تصنف من ضمن الجرائم ضد الانسانية، والتحليل النفسي المبدئي لارتكاب هذا العمل الاجرامي والدوافع والغايات التي من وراء توثيقه بالصورة والصوت لاتخفى على أحد وهي العبرة لمن يعتبر، العبرة لمن تسول له نفسه الخروج أو حتى مجرد التفكير في الخروج على طاعة رجل الخيمة سيكون مصيره مثل أو اسوأ من مصير ابن عمه اخشيبه. والوحوش الكاسرة التي نفذت هذه الجريمة هم أول المستهدفين بهذا التحذير الغريب العجيب. والتوثيق له مزايا شيطانية اخرى ومنها ان الذين تورطوا في تنفيذها اصبحوا مهددين بالكشف عنهم امام الشعب الليبي في حالة اصاب صاحب الفكرة الجهنمية أي مكروه. لقد صنع المقبور من ليبيا جماهيريته الخاصة اركانها الرعب والخوف والذل والارهاب.
من المؤسف حقا أن تمر هذه الجريمة النكراء مرور الكرام بدون التطرق إليها بإستفاضة من كتابنا الاعزاء بإستثناء ما كتبه السيدان الفاضلان فاضل عبداللطيف وعارف التير وما ذكره السيد شلقم بخجل شديد في كتابه اشخاص حول القذافي او ما ذكره بشكل مقتضب السيد عبد السلام النداب القذافي في المقابله التلفزيونية على قناة الجزيرة. هذه الجريمه البشعة يجب الخوض فيها لتعرية المردوم واعوانه، من قبل الكتاب والاعلاميين وعلماء النفس والاطباء النفسيين لتحليل هذه الشخصية الشيطانية لاخذ العبر التاريخية من تقديس الاشخاص والمساندة في إطالة سنين حكمهم العجاف، لان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة أو كما يقول المثل الانجليزي
“POWER CORRUPTS”.
عودة على بدء مرة ثانية، ان شخصية مايكل المافيوزي لم تمارس أي سلوكيات غير اخلاقية فهو قد تزوج مرتين الاولى من الفتاة الايطالية والتي تمت تصفيتها عن طريق الخطأ في سيشيليا أو صقلية ثم بعد عودته الى نيويورك تزوج من صديقته القديمة ولم تكن له أي علاقات مشبوهة مع الجنس الآخر سواء من نساء اتباعه أو غيرهن. في الوقت الذي نجد فيه عرابنا يمارس الدعارة على أعلى المستويات بل بإختصار كان يفعل كل ما حرمه الله لأنه ليس له أي رادع أخلاقي أو ديني أو اجتماعي، وليس له ذمة ولا ضمير.
التساؤل الذي يبحث عن إجابة ملحة، لماذا لم تجر أي وسيلة اعلامية لقاء مع أهل الضحية؟ لاشك ان ذوي المرحوم عبدالسلام اخشيبه عندهم ما يقولون بخصوص الاسباب التي أدت التي قتل ابنهم بهذه الطريقة الوحشية الانتقامية البشعة لأنه من حق الشعب الليبي أن يعرف الحقيقة حتى ولو كانت مرة وليس شرط أن يتم التعميم على الوسائل الاعلاميه إذا وجدت اسباب تخدش الحياء ولكن يجب التوثيق فالتاريخ لا يرحم عتاة القتلة والسفاحين.
قد يتبادر إلى ذهن أحد القراء ما الحكمة وراء الزج بفيلم العرَّاب وما علاقته بعرَّابنا؟ الاجابة بسيطة جدا؛ ان المقارنه بين كيف كان يديررئيس عصابة اجرامية شؤون عصابته وبين كيف كان يدير رئيس دوله شؤون دولته لمقارنة اراها عادلة في الحالة الليبية الخاصة. في الختام، اعتقد لو كان يحكمنا زعيم مافيوزي لكان ارحم بنا من حكم وظلم وجور وطغيان المقبور.
عن موقع ليبيا المستقبل