أنا قط . ولدت و ترعرعت هنا ، في هذه المقبرة ، إسمي .. لدي ثلاث أسماء ، ” أسود و مَعشر و أليف ” ، عمري عام و نصف لوني أسود .. لهذا أطلقت عليا القطط الأخرى و الحيوانات التي تعيش هنا اسم أسود و أما قصة الاسمين الآخَرَيْن فسوف أخبركم بها تباعا كما ذكرت سابقا ، أنا أعيش في مقبرة ، أو بمعنى أصح ، كنت أعيش في مقبرة ، قبل أن ألتقي رفيقي بحكم أَنَّ لوني أسود ، تعودت من الناس عندما تراني أن تُعَوِّذَ و تُبَسْمِل فمعظم الناس هنا ، لديها ذلك التصور ، أَنَّ كل قط أسود من المرجح جدا أنه جني ، و خصوصا إذا ما رأوك في مقبرة
عندما جاء رفيقي إلى المقبرة ذلك اليوم و رآني ، لم يُعَوِّذْ و لم يُبَسْمِل لم أصدق ذلك . قلت لنفسي ربما هو شارد الذهن ، فتعمدت أَنْ أسرع الخطى و آتي أمامه و أقف و مرة أخرى لم يعوّذ و لم يبسمل ، بل ابتسم لي و أكمل طريقه باتجاه القبر الذي جاء لزيارته ،
لن تصدقوا فرحتي .. أن يعاملك إنسان على أنك قط و لست مخلوقا آخر غير ذلك ، شعور لن يفهمه إلا بعضكم ، فما ذنبي إن ولدت بلون أسود ، في بلد يؤمن بأن كل قط أسود جني شرير . أعلم أن معظمكم لن يكترث للفرح الذي غمرني ، فمعظمكم لا يتمتع بالإنسانية
آه صحيح ، من قال أن التعاطف مع الآخرين و الإحساس بالآخر سمة تخصكم وحدكم معشر الإنس حتى تسموها إنسانية ، على العكس نحن أفضل منكم ، فنحن لا نقتل للمتعة ، و لا نُعَذّبُ غيرنا ، و لا نتملق لمن لديه مال أو سلطة، أعذروني إن اندفعت في نقدكم ، فمعظمكم من الأفضل للجميع لو يموت
أعود إلى ما حدث ذلك اليوم مع رفيقي . فرحت كثيرا و ازداد فضولي . وصل إلى القبر الذي جاء لزيارته ، سَلَّمَ عليه ، أي على الراقد في القبر بصوتٍ عاليٍ ، و جلس على صخرة بجانب القبر ، و بدء بالحديث معه كأنه شخص حي بجانبه و ليس شخصا متوفى
لا أخفي عليكم أنني كنت أسترق السمع ، فحتى نحن المخلوقات الأخرى نصاب بالفضول .. صحيح ليس بنفس المقدار الذي يصيبكم ، فالفضول هو الذي جعل أباكم آدم و أمكم حواء يقدمان على الأكل من الشجرة المحرمة ، و لكننا أيضا نخضع لسلطان الفضول
أَخْبَرَ الشخص المتوفى كم يشتاق له ، أخبره عن شكل الحياة اليومية ، أخبره عما يضايقه ، و عما يخطط له
يتحدث و يصمت لبرهة ، كأنه يسمع رد المتوفى عليه . يبتسم إذا ما أخبَرَ المتوفى شيئا جيدا ، و يضحك إذا ما سرد له شيئا مضحكا
عرفت من حديثه أنه يحادث أمه ، أخبرها عن أخوته و عن الفتيات اللواتي يحبون، يبدوا أنها هي التي سألته ، لأنه كان صامتا كأنه يستمع ، و من ثم ابتسم و بدأ يتحدث ، أخبرها أنهن جميلات و أنها لو كانت هنا لأحبتهن، قرأ بعض القرآن و من ثم ودَّعَها و غادر
لا أخفي عليكم أنني أحبته ، فقد كان مختلفا ، فكل من يأتي هنا يقرأ بعض القرآن و يذهب ، و لكنه هو .. كأنه يجيء لزيارة شخص حي للحديث و قضاء بعض الوقت
أصبحت لا أغادر المقبرة لا في الصباح و لا في المساء أملا في رأيته مجددا
أصبحت بيننا ألفة . يبتسم عندما يراني، وقد قررت ذات ليلة في المرة القادمة عندما يأتي سأذهب إليه عند قبر أمه
بينما هو جالس سِرْتُ نحوه على مهل . ابتسم عندما رآني، أكملت مسيري حتى وصلت عنده ، أخذ يمسح على رأسي و قال أنت قط أليف . جلست بجانبه و عاد يتحدث مع أمه، ودَّعَها و ودعني و غادر
هو من أسماني أليف ، كلما رآني ابتهج و خاطبني باسم أليف . يحضر معه علبة تونة كلما جاء . و من ثم أصبح يحضر علبتين ، فعلبة واحدة لم تكن تكفي . فأحيانا يكون أحد القطط الأخرى قريبا ، يشم رائحة التونة و يأتي طلبا للطعام، أصبح الوقت الذي أقضيه برفقه الأحب إلي ، و أصبحت أحزن عندما يغادر
ذات مرة كان حزينا ، لم يكن يتحدث كثيرا ، كنت بجانبه فقال:
وجدت في القبور دفئا ** أكثر مما فيكم معشر الأحياء
لم أفهم معنى كلمة معشر، فذهبت مسرعا إلى البوم الحكيم الذي كان يعيش بشجرة عالية، سألته عن معنى كلمة معشر ، فأخبرني أنها تعني مجموع
أحببت الكلمة و أطلقت على نفسي اسم معشر ، فأنا لست قطا فردا ، أنا مجموع من الأفراد .
عندما نهض ليغادر ، ذهبت معه حتى وصل إلى سيارته . فتح الباب فقفزت و جلست معه، ابتسم و قال لي هل تريد الذهاب معي، مَوَيت بمعنى أجل ، و يبدو أنه فهمني ، أو هكذا خُيّل إلي
و منذ ذلك اليوم و أنا أعيش معه . مع رفيقي
هذه حكايتي .. أنا قط . و لدت و ترعرعت في مقبرة ، الحيوانات التي في المقبرة أسموني أسود لأن لوني أسود ، رفيقي أسماني أليف ، و أنا أطلقت على نفسي اسم معشر ، و ما زلت أرى أننا نحن الحيوانات أفضل من كثير منكم معشر البشر