أنا الآن أنا .. الفجرُ قسَّمَ على الصَّاحينَ أنوارَ مشكاتِهِ .. وَرَشَّ وجوهَهَم بشذا نداهُ الشَّفيفِ .. العصافيرُ صلَّتْ والحدائقُ والفراشَاتُ .. والضَّوءُ الوسيمُ أخرجَ ألعابَهُ اللامِعَةَ للطَّفولَةِ المتحفِّزةِ ومضى يمرحُ معها .. والحياةُ فتحت حضنَها الدَّافئ للكائناتِ .. وقلبي لم يزلْ في غيبوبَةِ النُّعَاسِ الكَسُولِ .. المنبِّهُ النَّؤومُ متآمرٌ مع النَّومِ الثَّقيلِ على فعلِ تنويمي بوعدٍ خلُّبٍ .. إذا لم يوقظْك منبِّهُ القلبِ ، فلن تقوىَ على إيقاظِكَ كلُّ منبِّهاتِ الدُّنيا ..
قَاتَلَ اللهُ الإرهاقَ .. والسَّهرَ .. والوجعَ الدَّاخِليَّ الفَاتِكَ بِنَا ..!!
أنا الآن أنا ..
الصَّبَاحُ يلثُمُ قلبي بنداوَتِهِ الفاتِنَةِ .. وألفُ أمنيةٍ تُشَاغِبُ القلبُ بتحقُّقٍ ممكنٍ .. تنابزُ الروحَ بوعودٍ خضراءَ ..
( ويفا ) تمدُّ إلى خدِّي النَّاعسِ شفتينِ طريِّتينِ تتهجيانِ بابَ الرَّوحِ .. تتوخيانِ اجتراحَ القبلاتِ البريئَاتِ العذارى .. تدهنُ قلبي بريقِ طفولتِها الرَّائقِ .. يا اللهُ .!! من علَّم هاتينِ الشِّفتينِ الطَّفلتينِ أن إطفاءَ حريقٍ ممكنٌ برذاذِ براءتِها ..!؟
وأنَّ إخمَادَ بركانٍ متيسُّرٌ بضحكةٍ بتولٍ من ثغرِها الصَّبِيِّ..
الآنَ فهمتُ لماذا ترشقني بها كلَّما شَعُرَتْ بإنزعاجي من بعض ما تقترفُ من شقاواتٍ حسنةِ النيَّاتِ .. بيضاءِ اللَّونِ والرُّوحِ والقلبِ .. تتضاحَكُ على مرأى من رجولتي الفاغرةِ فمَها مثلَ أبلهَ.. تلقِّنُ طفولتي دروسًا في الشقاوةِ لم تكن مقرَّرةً حينَ كانَتْ تتلمذُ .. تخمشُ وجهي بيدها البضَّة، وتمضي ضاحكةً مستبشرةً .. يُسَابقُ قلبي عيني على عِناقِها .. تطالِبُني بأن أخرجَ لها طفولَتيَ الغافيةَ .. طفولتي المستكنَّةَ .. وأنَ أغطَّ بعدَها في غيبوبتي المشتهاةِ .. تغادِرُني طفولتي إليها بلا اِستئذانٍ .. تقفزُ نحوَها .. تتعانقانِ .. وتغطَّانِ في لعبٍ عميقٍ ..
أراقبُهُما بقلبي .. أدخلُ اللَّعبَ معهما .. أدخلُهُ بقلبي اليمينِ .. أبسملُ .. وأغيبُ بينهما ..فيهما .. بهما ..
توشوشُني ويفا : ( بابا ، لا تؤجِّلْ طفولَتَكَ إلى الآخِرَةِ .. هناكَ ما يكفي منَ الفرحِ لملْءِ بالونِ قلبِكَ..)
صَدَقَتِ الشَّقيَّةُ، طرْتُ منَ الفرحِ ، وطارَ بالونُ قلبي معها .. حيثُ لا وطنَ إلاَّ للفرحِ .. ولا زمانَ إلا للدَّهشةِ .. ولا مكانِ إلاَّ للطفولةِ المذهلَةِ.
أأخذُ بنصيحَتِها ، وأسلمُها يدي طفولتي .. أسلمُها قلبي .. تستلمُني .. تقبُّلني .. تعتذرُ لي عنِ الأصدقاءِ الذينَ مروَّا من هنا .. ولم يعودوا .. والذينَ خلعوا طفولَتَهُم فخلَعَتْهم .. والذينَ يكرِّرونَ بإساءاتِهِم لي شَنَاعَةَ مَضْغِ قلبي .. وعنِ الظُّروفِ الَّتي تَحْطُمُ كبريَاءَ الرُّوحِ بِفظاعَتِهَا ..!!
عنِ القصيدةِ التي تحرثُ القلبَ بمحاريثِ وَجعٍ جهورٍ .. ولا تجيءُ..!
عنِ الغيَابِ المغناطيسِ يجذبُ إليهِ كلَّ من أُحِبُّ .. وما أُحِبُّ ..!!؟
عنِ العمرِ المستعجلِ أبدًا .. العمرِ الذي يفرُّ منَّا .. يفرُّ عنَّا .. يفرُّ بنا ..!!
هل قلتُ لكم صَبَاحُ الطُّهْرِ وَالسِّحْرِ وَالشِّعْرِ وَالطُّفُولَةِ ..؟
ويحَ قلبي ..!؟ إن لم يغمدْهَا في قلوبِكِم دافئةً نقيَّةً مثلَ نهرِ عسلٍ مصفَّى .. مثلَ ضحكةِ طفلٍ .. مثلَ لهفةِ بنتٍ .. مثلَ عطسةِ عطرٍ .. مثلَ ضَوعَةِ شعرٍ .. مثلَ لثغَةِ جدولٍ .. مثلَ ضَمَّةِ وطنٍ .. مثلكما تمامًا ..صباااااااااااح الحبِّ..
وأنا الآنَ أنَا ..