لعلّ من المُستجلى في صوت المطرب الراحل ” أحمد سامي ” أنه متعدّد الملامح، فهو يتميّـز بهويته الليبية وعروبيته وضخامته وقوته وحلاوته، والميزات الثلاث الأولى منها، يشاركه فيها، صوت الفنان ” محمد حسن ” ويتقاسمها معه جميعاً، الفنان الراحل ” خالد سعيد “.
رحل الفنان ” أحمد سامي ” عند دنيانا، منذ قرابة ربع قرن، تاركاً مكانه وراءه شاغراً، لصوت يأتي من بعده، يكون في مثل قدرته، حيث إنّ صوته حاو ٍ لأكثر من نبرة، كما ذكرت في مدخل هذه المقالة، فبالإضافة إلى نبرته الصوتية الخاصة، يتناهى إلى أسماعك، وأنت تنصت إلى أغنياته، أصوات الفنانين المذكورين، وهوّ لا يقصد التقليد، وربما يرجع ذلك إلى أنه وإياهما، من أبناء جيل واحد، أو شيء من هذا القبيل، وقد جرّبت ذات مرة، أنْ أختبر صديقاً ليّ، مولعاً بالاستماع إلى الأغنية الليبية، حينما جئت لأسمعه تسجيلاً لجزئية من (أوبريت) معروف بعنوان (شعب لا ينحني) من كلمات الزجّال ” عمر المزوغي ” ومن ألحان الموسيقار ” علي ماهر ” وهوّ ذلك الـ(أوبريت) الذي تنشد فيه المجموعة الصوتية، المؤلفة من عدة مطربين ليبيين، منهم “راسم فخري” و”لطفي العارف” و”يوسف عزت” و”محمد رشيد” هذا المطلع :
يا ليبيا الشجعان.. يا زينة الأوطان.. ماريت زيك زين
يا قاهرة العدوان.. بأولادك الشجعان.. عزمك قوي ما ايلين
و ذلك بعد أنْ خاتلته، حينما خيّرته بين صوتين، سائلاً إياه، بخبث، ومحاولاً التأثير عليه، مُمطـِّـطاً عند ذكري لأسم الثاني : ما رأيك ؟ هل هذا صوت ” أحمد سامي ” أم ” محمد حسن ” ؟ فوقع في المصيدة، حينما احتمل أن يكون الثاني، هو صاحب المقطع الصوتي.
هو لم يفسّر ليّ إجابته، لكني أوعزت اختياره، إلى قوة الصوت، التي سمعها في التسجيل المذكور، فالكثير من المستمعين، يظنّ بأنّ القوة الصوتية التي يتمتع بها الفنان “محمد حسن” هي خاصة بصوته فحسب، في حين، أنّ الفنّان الراحل “أحمد سامي” كان يتمتع هو الآخر، بهذه القوة الصوتية، لكنه لم يُظهرها إلا في هذا الـ(أوبريت) فقط، للضرورة التي يتطلبها أداء هذا النمط الغنائي التعبوي، الذي عُرف به الفنان “محمد حسن” من دون زملائه الفنانين، وغلب على أسلوبه في غناء حتى الأغاني العاطفية، وهو ذلك الأداء المرتفع الصوت والمنسجم مع الإيقاع الشعبي، الذي صار لازمة لا مناص منها، في أغانيه كلها، ولم يتحرّر من أسره، أما فيما عدا ذلك من غناء، فقد أدّاه “أحمد سامي” بإحساس المغني المؤثر على السامع، وبأسلوب مقنع، حتى أنّ الفنان “محمد حسن” حينما تحوّل إلى التلحين، قدّم واحدة من أعماله اللحنية، لصوت الفنان “أحمد سامي” لعلمه بمدى الصعوبة في أدائها، لكون تلك الأغنية التي لا تحضرني الآن، تحتاج إلى مغنّ ٍ بارع، يفقه أصول الغناء جيداً، ويستطيع أنْ يتقمص رداء كل لون جيّد وجديد، ويخرج من جلباب الغناء الذي سبق وران على فنه، بكل يسر، وهذا ما وصلت إليه ثلة من الملحنين، الذين عرفتهم الأغنية الليبية، مع صوت الفنان “أحمد سامي” حيث وظـّـفه كل واحد منهم، في أداء أجمل ألحانه، مثل الملحن “إبراهيم أشرف” و”علي ماهر” و”عطية محمد” و”هاشم الهوني” ما جعل أعماله مختلفة ومتنوعة الألوان، بعكس الفنان “محمد حسن” -الذي ظلّ حبيساً للون غنائي واحد في أغلب أعماله، لأنها خرجت، جميعها من رنات عوده– فقد عُرف الفنان “أحمد سامي” بأداء أغاني الصباح مثل أغنية (الله ايصبحك بالخير يا أحلامي) وكذلك أغنياته العاطفية، مثل التي نغـّـمها له الفنان “هاشم الهوني” -شفاه الله- بعنوان (فيها خيرة) و(زي الذهب) ولعلّ من أروع ما قدّمه الفنان “أحمد سامي” هما لحنين جميلين، من عود المطرب والملحن “عطية محمد” الأول بعنوان (يا محلى الليل) والثاني بعنوان (يا غالية) التي يطالعنا فيها بهذه الكلمات الفاتنات، للشاعر “عمر المزوغي”:
يا غالية يا حب قلبي كله
يا شمس بانت والسحاب اتجلـّى
…
أمل الحياة فـ عيونك
و الود وافي ما قدرت انهونك
الياسمين طرحة فوق من جبنونك
عيني على اغزيل جفل من ظله
يا غالية يا حب قلبي كله
يا شمس بانت والسحاب اتجلى
…
آه يا هوى ناديها
بكلمة غلا مش قادر أنداريها
يزهى ورود الحب بين أيديها
اللي زينها نور الهلال تعلا
يا غالية يا حب قلبي كله
يا شمس بانت والسحاب اتجلى
…
عهد الوفا على بالي
ما يوم فارقني غلاك الغالي
كلمة حبيبي نور بين أمالي
لا تنتسى من البال لا تتخلى
يا غالية يا حب قلبي كله
يا شمس بانت والسحاب اتجلى
و هو في أدائه لهذه الأعمال، يشبه إلى حدٍّ بعيد الفنان الراحل” خالد سعيد ” بغنائهما المفعم بالإحساس والذكاء الفطري وحسن الاختيار والانغماس في الجملة اللحنية، ولعل رحيلهما وهما في عزّ عطائهما عن دنيانا، لدليل آخر على مدى التشابه بين هذين الفنانين الفقيدين.
بنغازي _ ليبيا: 9 / 6 /2009