الإثنين, 21 أبريل 2025
المقالة

الهُـويـة الليبيـة

من أعمال التشكيلي الليبي بشير حمودة
من أعمال التشكيلي الليبي بشير حمودة

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن وجود أزمة هوية في ليبيا، وفي اعتقادي أننا لا نستطيع الحديث عن هذه الأزمة دون التطرق لتحديد مفهوم الهوية أولا، ومن تم قد يُطرح السؤال عن وجود هوية وطنية واحدة جامعة، أو عن وجود عدة هويات مختلفة داخل الوطن الواحد.

وكثيرا ما يختصر المتحدثون الإشكالية في أسئلة بسيطة من نوعية هل الشعب الليبي هو شعب عربي؟ أم هو شعب أمازيغي؟ أم هو خليط من عدة أعراق وقوميات؟ دون تعريف أو تحديد لمفهوم الهوية.
التعريف البسيط للهوية الوطنية يقول بأنها (الخصائص والسمات التي يتميز بها المواطنون في كل دولة) ويجب أن تعمل هذه الخصائص والسمات على إبراز روح الانتماء لديهم، وأن ترفع من معنوياتهم لتحقيق التقدم والازدهار للوطن.

كما أن للهوية الوطنية أسس راسخة وقوية منها ما هو مادي، ومنها ما هو معنوي، ومن الأسس المادية لوحدة الهوية الوطنية (الموقع الجغرافي)، وكما هو واضح بالنسبة لليبيا فإن موقعها الجغرافي واحد وممتد، دون فواصل أو موانع برية أو بحرية، والأساس الثاني هو (التاريخ المشترك)، ويعرف القاصي والداني ما تعرض له أبناء الوطن الليبي من حروب ضد عدو مشترك واحد هو الاستعمار الفاشي الايطالي، ومن الأسس كذلك (المصالح والحقوق المشتركة)، فجميع الليبيين يتمتعون بنفس الحقوق كالحق في الملكية وفي التعليم، وفي العمل، كما يشتركون في ذات الواجبات الجماعية والفردية، والتي ينبغي عليهم القيام بها ضمن مؤسسات وطنية موحدة، تعمل وفقا لأساليب محددة، مثل المؤسسات التعليمية أو الاقتصادية أو البيئية أو العسكرية للدفاع عن الوطن، فالالتزام بكل هذه المؤسسات هو تعبير صادق عن الهوية.

اعتراف المواطن بكيان الدولة والوطن هو أهم أسس الهوية الوطنية الجامعة، فإضافة للتاريخ المشترك، والعادات الموحدة في المأكل والملبس، نجد أن الشعب الليبي له الكثير من أسس وحدة الهوية الوطنية مثل (الاستغلال المشترك للثروات)، فنجد أن المصدر الوحيد لحياة كل الليبيين هو النفط، الذي يدفع مرتباتهم جميعا، كما أنهم جميعا يشربون من (مياه النهر الصناعي) الواحد، الذي هو خطوة متقدمة في طريق توحيد وإبراز الهوية الوطنية الليبية.

وفي هذا الصدد نؤكد على أن اعتراف المواطن بكِيان الدولة والوطن، هو المفتاح الرئيس للهوية الوطنية الجامعة، فلا اللهجات، ولا النعرات القبلية، ستلغي الهوية الوطنية الليبية إذا اعترف بها المواطن، المشكل الحقيقي في ليبيا هو مشكل اقتصادي، يخفونه دائما تحت شعار الهوية، سنعطي أمثلة على ذلك، (مجموعة من سكان برقة يرغبون في السيطرة على الحقول النفطية ولا يستطيعون المطالبة بهذا إلا بعد الإعلان عن هوية برقاوية تكون غطاء لتلك المطالب).

(مجموعة صغيرة من سكان مدينة زواره يرغبون في السيطرة على المنفذ الحدودي مع تونس لمنافع اقتصادية بحته، ليست لها علاقة بكونهم امازيغ، ولا يستطيعون إعلان ذلك في الظروف العادية، فلابد لهم من غطاء لمطالبهم يتمثل في أنهم أصحاب هوية خاصة وان المنفذ يتبعهم هم فقط، وعلى باقي السكان البحث عن منفذ أخر).
هذه الأمثلة لا تعني أنه لا توجد مجموعات مسلحة أخرى، تسيطر على منافذ برية وبحرية وجوية، ويجب عليهم كذلك تسليمها للدولة، وهم يحتلونها بقوة السلاح، لكن أي منهم لم يعلن عن هوية مستقلة، تؤثر سلبا في هوية الدولة، لذلك نؤكد أن المشكل الحقيقي في ليبيا هو مشكل اقتصادي.


حديث الثلاثاء | صحيفـة الصبـاح الليبـية – الثـلاثـاء المـوافق 26 مـارس 2024 م

مقالات ذات علاقة

من ذاكرة سبها المدينة

رمضان كرنفودة

ثلاث حالات نموذجية في الأغنية الليبية

زياد العيساوي

قراءة في الثقافة السائدة (الموتى في قبورهم)

المشرف العام

اترك تعليق