قصة

تسافر في الدنيا

من أعمال الفنان "مفتاح الشريف"
من أعمال الفنان “مفتاح الشريف”

1

كان عليها أن تقاوم، وكانت تعرف كيف تقاوم.. كانت تحبّه أمام الجميع وكان يهيم في عشقها امام الجميع، كان يلتقيا عادة في الحرم الجامعي تحت شجرة ضليلة، العيون الحارقة، الظنون العاقرة، حضيض الغيرة، خطوط النار، انشقاق السماء، ساعات القيظ، ساعات البرد، نزاوات الرمل، ضجيج الرياح، هذي الكلام.. التقاء السكانين، لم يهتما بذلك ولم يرتابا.. ولم يفترقا، عاشقان في حرم الجامعة، كأنما يرسمان أغنية قديمة نالت شهرة كبيرة من شدوها تطرب: ” طيرين في عش الوفاء” كأنها كُتبت لهما وعن حبّهما لحناً و حرفاً.. من له يواسيه غيرها ومن لها يواسيها غيره.. عاشقان في حديقة الجامعة.. في بعض الأحيان كان يجلسان بدون كلام تحت الشجرة الضلية حتى طيوف الغروب ثمّ يودعها حتى لقاء آخر..

2

الأيام تمرّ وبين يديها الزهر والورد، يسيل من يديها فيض الرحيق كي يرتوي منه سعيد الحظ.. و دارت الأيام، تلتها حيرة الظنون، حارت ألايام في غيابه، في غياب رغايب كاس الحبّ وحلاوة الكلمة، ذبلت أغانيه وهي تمضي وقتها في التفكير فيه وفي اللحظات الماكرة، تجلس في نفس المكان في قلقٍ بين الياس والأمل وبين عيون تفترس كلّ حركاتها..


3

تعرّف على طالبةٍ أخرى في كلية أخرى، هام في حبها واختفى.. وعن الأولى بدأ يغيب وبدأت هي تقلق وصهد قلبها يسيل مرارة، حارت في الأمر وفي منابت أفراحها.. غاب عنها وتوارى، تركها تجلس أمام الجميع في قفص من الظنون والحيرة والعيون الحارقة..

4

في يومٍ جلست تحت نفس الشجرة التي كانت تجالسه تحتها حينها أُنساً حيث كان يتعبد و يتأمل في شباك عينيها بسمةٌ فرحةٌ ويصغي إلى فؤادها البهج.. هذا يوم كسير، ذات اليوم، في ذات اليوم وعلى مقعدٍ تحت شجرة أخرى قريبة من مجلسها، كان يجلس مكسور الوجدان، كلّ شيء تغير، تهيج على كاهله شجون الحرائق، كأنما يحمل في قلبه كلّ هموم المهمومين.. ظلت تجلس مطمئنة و في صمتها يكمن خفق الصخر لا تبالي و لا تهتم، كأنّ الزمن ما أنبت الوجد بينهما.. وكأنّ الشّدْو يموت وقد خنقه بيديه، والأحلام صارت أوراق ذابلات مآلها الأختفاء في مهب الرياح..

5

أيقنت أنّ عشيقته الثانية تركته وتخلت عنه وقد طاله التبلد والوجوم.. تركته يجلس وفوق رأسه يحوم حوله سرب الندم.. وما عاد في عينيه غير لذع الوجع.. كانت تجلس تحت نفس الشجرة أمام الجميع تمسح ذكراها وتجفف شراب الكأس الذي سقاها إلى الأبد، في حين كانت ابتسامتها العذبة تتمسك بكبريائها وتؤجج جمر العشق في عينيه.. وكان الغيم ينثال في السحائب يهفو لحسنها وحرير الشمس يداعب شعرها المجدلي.. راها تقف، تركته يجيش بالألم.. تتابعت سحائب المساء زاحفة و تتابعت صور الماضي أمامه..

6

وقفت في كيرياء و عزة نفس، مرّت به كأن لم يكن، تزرع بخطوها في الحرم الجامعي المدهوش رسوم تراتيل تنثال من كلّ خطوة تخطوها، يتابعها وهي تمشي مرحة حنى غابت عن الأنظار، التقفها بكل البهاء بحر الكورنيش المجاور للجامعة، فبحر الكورنيش يهوى الفرار إليه من ألم الجرح وسرابه.

مقالات ذات علاقة

هـكـذا أتذكر هنـد

دروب تائهة

المشرف العام

حمّى الرمل

علي الجعكي

اترك تعليق