الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
نظمت منصة السقيفة الليبية -بوابة ليبيا المستقبل الثقافية أولى فعالياتها الثقافية داخل ليبيا، وذلك من خلال ندوة حوارية حول التجربة الأدبية للكاتبة والروائية الليبية “عائشة إبراهيم” بعنوان (منذ البدايات وحتى صندوق الرمل)، مساء يوم الخميس 16 من شهر مارس الجاري ضمن موسمها الثقافي لعام 2022/ 2023م بفضاء بيت نويجي للثقافة في المدينة القديمة طرابلس، وقدم وأدار مجريات الندوة الكاتب “يونس الفنادي“، وسط حضور نخبوي لافت للكتاب والأدباء والمثقفين وعموم المهتمين بالشأن الأدبي الليبي، واستهلت الندوة ببث عرض مرئي استعرض بشكل بانورامي مسيرة الكاتبة وإصداراتها في مجالات القصة القصيرة، والرواية ومشاركاتها في المحافل المحلية والعربية أعقبها عرض كلمة مسجلة للسيد “حسن الأمين” المسؤول العام عن منصة السقيفة الليبية الإلكترونية حيث أشار بأن السقيفة أخذت على عاتقها عهدنا منذ أول نشاط ثقافي أقيم بتوني في سبتمبر المنصرم احتفاء بالقاصة “عزة المقهور” بأن يتحول هذا النشاط إلى تقليد دوري للاحتفاء برموز الثقافة الليبية وأعلامها ، مضيفا بالقول أن السقيفة في هذا المنشط تحتفي برمز من رموز السرد الأدبي الليبي الذي تجاوز المحلي إلى العربي والعالمي، وتابع : إن الأعمال السردية لعائشة إبراهيم، وإن لم تقر صاحبتها بذلك جهرة توثيقا للإنسان والمجتمع والتاريخ الليبي، وإن كان أهل الإبداع الأدبي لا يستسيغون كثيرا مصطلح التوثيق، ولذا نرى أن التوثيق في أعمال عائشة إبراهيم، ومن بينها (صندوق الرمل) مثل قيمة مضافة راكمت النفس الإبداعي والبُعد الإنساني ومنحت سردها خصوصية ومتانة وجذرية في بيئته الليبية وتاريخها.
تاريخ جديد للرواية الليبية
ثم تلاه عرض تسجيل آخر رصدت فيه مجموعة من الآراء واللقاءات لعدد من الكتاب العرب والمهتمين بالأدبي الروائي الحديث، فيما شارك الشاعر “عمر عبد الدائم” بقراءة عن رواية (صندوق الرمل) أحدث أعمال الكاتبة مُبيّنا بالقول : إن عائشة إبراهيم تكتب تاريخا جديدا مجيدا للرواية الليبية، في روايتها (صندوق الرمل) تضعنا عائشة إبراهيم مجددا أمام أسئلة كثيرة وهامة للغاية لا تبدأ بمن هو الآخر ولا تنتهي عند سؤال كل منا لنفسه لماذا لم يكن في مكانه الصحيح، ولماذا تخترقه رصاصات غير مرئية فيموت في كل يوم ألف مرة، ولماذا لا يكون شجاعا مرة واحدة عاريا أمام نفسه، لماذا عليه أن يفلسف مشاعره لكي ينال شرف التطهر من الخطيئة، موضحا بأن الروايات الخالدة لابد أن تُعمّر بقصص الحب ولا شيء يدمي القلوب مثل الفقر والحرب.
وثيقة تاريخية
وشارك أيضا الكاتب والشاعر الفلسطيني “جميل حمادة” بمداخلة أكد فيها أن رواية (صندوق الرمل) تشكل وثيقة تاريخية لإدانة الاحتلال أي احتلال كان لاسيما الاحتلال الإيطالي وأردف قائلا : نحن لا نتحدث عن إيطاليا اليوم إنما نتحدث عن إيطاليا الفاشية فقد كان استعماريا إحلاليا ووحشيا حتى الاستعمار الفرنسي ربما لم يرتكب ما ارتكبه الإيطاليون في ليبيا إبّان تلكم المرحلة الحرجة من التاريخ، وأكد حمادة أن صندوق الرمل هي الرواية الأولى بامتياز حتى وإن لم تدخل للقائمة القصيرة بجائزة البوكر للرواية العربية، وأشار حمادة إلى أنه بغض عن معايير التقييم السردي المتعلقة ببنية القص والسرد تبرز لنا جماليات اللغة وسحرها فالقارئ لا يهمه إذا أتقن الراوي تقديم الزمان أو التحكم به أو تأخيره بقدر ما تعنيه أحداث تثيره وتجذبه.
إعادة تدوين التاريخ الإنساني
تلتها مشاركة الكاتبة والروائية “كوثر الجهمي” التي قرأتها بالإنابة عنها الشاعرة “حنان محفوظ” ولفتت الجهمي إلى أن الروائية عائشة إبراهيم نجت ولم تقع في فخ السرد التاريخي الشامل الذي سبق وأن تلقيناه عبر كتب التاريخ فعائشة إبراهيم فعلت ذلك ببراعة شديدة حتى تحول النص بين يديها إلى لعبة مخادعة تجيدها دون الوقوع في فخاخها فتعيد بواسطتها تدوين التاريخ الإنساني بهذه المنطقة إلى العالم بأبعاد جديدة وألوان نادرة، ولا تكتفي بذلك بل تسد الفجوات بخيالها الجامح فتجد نفسك تبحث وراء الأسماء والشخصيات لعلها وجدت فعلا في ذاك الزمان، وأضافت الجهمي أن من يقرأ لعائشة مرة لابد أن يعيد الكرّة فهي تملك لغة عذبة أنيقة، وتعرف كيف توظّف مهاراتها دون افراط في الزخرفة اللفظية أو تفريط في المعنى، وكأنها تملك مسطرة تعينها على اختيار المفردة المناسبة في المكان المناسب.
النقلة النوعية للرواية النسوية
كما شهدت الندوة مشاركة من طالبة الدراسات العليا “رويدة المجراب” برسالتها في الماجستير حول تجربة الروائية عائشة إبراهيم قرأتها “أمل بن ساسي”، وأوضحت المجراب عبر رسالتها أن المتابع للمجال الإبداعي الأدبي يلاحظ نشاطا في الكتابة الروائية للكاتبات الليبيات في السنوات الأخيرة، ويلفت نظره النقلة النوعية في كتابات المرأة الليبية على مستوى الموضوعات وجرأة الطرح وقوة اللغة، وحضور الذات الأنثوية القوية القادرة على الخروج من العقدة الاجتماعية، مضيفة بالقول : إن نصوص عائشة إبراهيم السردية بجملة من المميزات أبرزها الوطنية العالية لاسيما في نصوصها الثلاث فكل نص يتميز بوجود هوية ليبية خاصة إذ أن الإرث الثقافي والتراث التاريخي يحضر بقوة في كتاباتها مع تميزها بقدرتها على تنويع العوالم الروائية في نصوصها الثلاث.
الانتصار لذاكرة التاريخ
وشاركت كذلك الكاتبة ” أمينة بن منصور” بورقة أبانت فيها أنه حين يملأ الفن فراغات التاريخ، وينتصر الإنسان لذاكرته الجمعية، ويقف ضد النسيان واندثار الحكاية، مردفة بأن رواية حرب الغزالة تأخذك نحو عمق التاريخ حيث تتخذ من منطقة جبال الأكاكوس جنوب غرب ليبيا مساحة للرواية، وهذه المنطقة اعتبرت جزءا من التراث العالمي بما تحويه من ثراء حضاري يمتد بعيدا في ذاكرة التاريخ فالمنطقة مليئة بالنقوش والرسومات المزينة بالألوان الزاهية، وأضافت بن منصور أن رواية حرب الغزالة لا تحكي لنا التاريخ لكنها تدخلنا هناك حيث يمكننا الحركة بين جمال الطبيعة وسحر اللغة، وحركة مشاهد السرد، وأيضا حين نضع أقدامنا على بساط الدهشة ونسافر مع الأحداث لنرى من نافذة بقلم الكاتبة كيف تتشكل أحداث التاريخ، وكيف بامكاننا زيارة مملكة وادي مهيجاج، والتعرف على طبيعة حياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسة، وتابعت بن منصور : لقد استطاع الكاتبة أن تعكس ذلك فرسمت الأحداث والمشاهد بحصافة وذكاء من خلال بناء شخصياتها السردية وحواراتها وتفاعلها مع ما حولها.
حوار تفاعلي مفتوح
أعقبه فتح باب التفاعل والحوار مع الكاتبة التي أوضحت عن عملها (حرب الغزالة) أنه عندما نتحدث عن تاريخ ليبيا في جبال الأكاكوس الذي يمتد إلى العصر الحجري الوسيط لما يزيد عن عشرة آلاف سنة قبل الميلاد لا يوجد أي شيء مكتوب، وبالتالي كيف يمكننا القول بأنها رواية تاريخية لأننا لا نعرف ماذا كان يحدث هل هنالك أحداث هل هنالك معارك، وحين جرى تصنيف للرواية بكونها تنقل تاريخ لييبا وهذا الأمر تم التعامل مع أيضا ضمن منافسة جائزة البوكر بيد أن الرواية هي اعمالا للخيال فأنا صنعت عالم خيالي من الصفر من لاشيء ولم أستقي من التاريخ سوى الإطار الزمني وخصائص العصر الحجري فقط، وأكدت الكاتبة عائشة إبراهيم أن حرب الغزالة أصبحت أول مصدرتاريخي لتاريخ ليبيا القديم، وعن التحول من الكتابة المسرحية للكتابة السردية حيث أشارت الكاتبة أن بداياتها كانت بالكتابة المسرحية بسبب أني بدأت بالمهرجانات المدرسية كنت أشكل فرق مسرحية في المدارس التي أدرس بها عادة، وأكتب للطلبة النصوص وأتولى عملية الإخراج، ونقوم بعرض هذه الأعمال في المناسبات الوطنية وتجربة التفاعل كانت آنية ومباشرة، وأضافت : نظرا لركود الحراك المسرحي فوجدت نفسي في السرد وفق طبيعتي وهي التجربة الحقيقية التي تمثلني فعلا سواء في القصة القصيرة أو الرواية.