هكذا نريدها كما رسمها أو تصورها الفنان بشير حمودة، متنوعة ومتعددة، نجد فيها من كل لون بهيج، وبالتالي كمية التسامح وقبول الآخر فيها شيء لا تخطئه العين ولا يفوت على كل ذي بصر وبصيرة…
هكذا نريدها سامقة وبهية ومفتوحة للجميع في حدود الاحترام والتقدير والتعايش السلمي وتحت مظلة القانون، عاصمة للفن والفرح والمهرجانات والثقافات المتعددة.
هكذا نريدها لوحة فسيفسائية نشارك كلنا، عرب وأمازيغ وتبو، شرق وغرب وشمال وجنوب في تشكيلها وتلوينها كلٌ بأخلاقه وثقافته وتراثه وجمالياته المرئية والمسموعة في إطار من التعددية والتنوع واختلاف الرؤى والقناعات، ذلك الاختلاف والتنوع الذي هو سُنة من سُنن الحياة، الذي يجب أن يُستثمر لصالحها ولصالح ليبيا وليس لزرع الفرقة بين أبناء الشعب الواحد وبث الأحقاد وإيقاظ الفتن.
هكذا نريدها مدينة تعددية يجد فيها كل من قصدها السلام والأمان والعيش الهنيء والرزق الحلال.
هكذا نريدها مثل هذه اللوحة، فاتنة وأيقونية ومليئة بعناصر الجمال وتحتوي من الزخم والحيوية والجمال ما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سمعت.
إذ نشارك الفنان رؤيته ورسالته الفنية التي جسد فيها حبه وعشقه لطرابلس وافتتانه بها إلى حد أنهُ لم يتوانى في تكريمها بلوحة فائقة الجمال لا بد أنها أخذت من وقته وتفكيره وجهده الكثير والكثير، فالحرفية والإتقان والبراعة في صياغة الرؤية التشكيلية ونقلها من مستوى الفكرة إلى مستوى التجسد والتحقق أشياء غالبة عليها وسيلاحظها المتلقي حال ما تقع عيناه على اللوحة، وسيتوه للوهلة الأولى في تفاصيلها المتزاحمة وسيبدأ في تفكيك عناصر فنيتها وسيتخيل نفسه وسط أزقة مدينتها القديمة، بين أسوارها العتيقة التي تنعكس عليها ظلال التاريخ وتحت أقواسها العالية قريباً من أبوابها الطاعنة في الخشب ونوافذها المشرعة على الأمل، نعم.. ستسحره أصوات الآذان المنطلقة من مآذنها إذا ما صادف أن مر بها في أحد أوقات الصلاة، وسيحار على أي صوت سيركز وينصت بخشوع ويردد كل جملة من الآذان، لكثرة المساجد التي تنطلق بالآذان في وقت واحد تقريبا.
وذلك المشهد السمعي والبصري سيبث في نفسه الهدوء والسكينة والورع والخشوع – هكذا سيختبر كل هذه المشاعر في وقت واحد – وللحظات سيعيش تجربة إيمانية عامرة بالجمال، وسيفكر في أي مسجد من مساجدها سيصلي وسيجد صعوبة في اختيار مسجد بعينه، لأن المساجد في ذات الجمال والسكينة والنظام ولربما اختلفت في شيء واحد فقط هو تصميمها وتنوع اشكالها المعمارية، وهو الشيء الذي يمكن ملاحظته من الداخل لأن المساجد تقع في منطقة متزاحمة بالمباني وقريبة من بعضها البعض الشيء الذي قد يطمس بعض جمالياتها من الخارج.
إذ نشارك الفنان رؤيته، نعيش ما عاشه ونتأثر بما تأثر به ونرى بعينيه جمال طرابلس المخبوء ونتدارك ما فاتنا من خصوصيتها، وهذا يزيدها في أنفسنا بهاءً ويجعلنا أوفياء لها هائمين بها شاكرين لعطاياها.