وائل عقيلة
عظمة الحياة ليست في أنها سعيدة.. من الهراء الاعتبار أن الحياة تعدنا بالسعادة على الدوام. أرى أن فان جوخ كان على صواب حينما قال إن البؤس لن ينتهي أبداً، لم يكن مخطئاً في قوله لذلك، لابد أن الحياة قد قسمت ظهره وقتها.. إلا أنه نسي القول بأن هناك جماليات تدفع بهذا البؤس إلى الخلف، اعتبرها أنا قوة مضادة له، علاج فعال بشكل مؤقت، تأجيل لموت محتوم، إتاحة إمكانية التماهي مع البؤس.. بطريقة ما استراحات متقطعة من معاناة قد لا تتوقف.. ضمن هذه الجماليات الأصدقاء، القراءة، السفر لمن أستطاع، الشاي الأخضر مع إضافة النعناع أو الليمون، العزلة لغرض المعرفة أو المتعة أو لتجديد طاقتك الروحية، المشي لمسافات دون وجهة والنظر إلى الأفق، إلى البحر في حالة سكون مختلياً بنفسك، خلق حديث مع الغرباء بلا تكلف ولا اتباع نهج محدد، تعلم طبخة جديدة، تربية الحيوانات الأليفة، الحفاظ على البيئة من عدم مسؤوليتك اتجاهها، التطوع وخوض تجارب جديدة داخل نطاق راحتك أو خارجها لأن المهم هو الكيفية التي تخوض بها هذه التجارب، الطموح والعمل لغرض إنجاز ما تحب وليس فقط لإنجاز ما هم يحبون، البكاء بمفردك أو حتى أمام حبيبتك التي تظن أن الرجال لا ينبغي أن يبكون، المهم هو أن تبكي في اللحظة التي تحتاج فيها إلى البكاء. مشاهدة ما تحب وما تشك في أنه لا يعجبك من أفلام وبرامج وأنمي الخ لأن الأمور قد تتضح بعد تجربتها وليس كما يوحي لك انطباعك.. الحديث في المألوف ولو كان بسيطاً بطريقة غير مألوفة كالسبب الذي جعل مذاق الشربة اليوم يبدو لذيذاً إلى هذا الحد.. ولو كان معقداً كالذي جعل بيكاسو يغمرنا في محطة ما من حياته باللون الأزرق.. هناك جماليات منسية وحقها مهضوم في المجتمع أو في العالم أجمع لأنه بات ينجرف وراء الأحداث الضخمة المبهرجة والتي تفتقر إلى سجيتها، ووراء المتعة الكبيرة التي يتفق عليها معظم الناس.. لذلك دع ضجيج المجتمع والعالم عنك واستمتع يا صديقي بصوتك الداخلي الذي ينادي بعالم أفضل، أستمتع حتى ببؤسك وبكونك منسي وباللحظات المتبقية من حياتك.. استمتع بكل ما هو يعطيك الدافع إلى التخلي عن الاستمتاع، ضخ المعنى في لا معنى له، لا تفقد الطريق ولا تفقد الأمل منذ الوهلة الأولى، جد البوصلة التي تقودك إلى معنى ما، إلى ما تريده بالفعل. حتى في أشد لحظاتك شعوراً بالعجز هناك معنى ينتظر اكتشافك له.. مهما كان إيمانك مهتزا ومتهالكاً لحد بعيد لكن لا تدع شعورك بأنك على قيد الحياة مرتبطا بشخص ما إلى الأبد، سقوطك الأبدي سيكون مرهونا بفقدانه في أي وقت من الأوقات.. هناك جماليات تم هضم حقها كما قلت لك.. حاول أن تجدها، ابحث عنها داخل جيوب الحياة اليومية.. هذه الكلمات من القاع، من حضيض الذات، من إنسان يراقب المارة والعالم من تلة حزينة، إنها ليست نصائح تنمية بشرية مستهلكة تعطيك حلولاً مزيفة على طبق من ذهب، وربما قد تكون كذلك.. من يدري؟ ولا مكوّن سحري يقلب حياتك رأسا على عقب ويجعلها كعالم أفلاطوني لا يتكرر.. إنها القنينة الزجاجية الفارغة التي ندس في داخلها ورقة مكتوب عليها رسالة لشخص ما نكن له الكثير من الحب، ونرميها في البحر في أشد لحظاتنا إحباطاً وشبه متأكدين من أنها لن تصل بتاتاً إلى صاحبها.