المقالة

يا خوفي!

من أعمال التشكيلي المغربي خليل بوبكري (الصورة: عبدالمجيد رشيدي-المغرب)

منذ سنين تتقهقر المنظومة الثقافية عندنا بدءًا من التقنية والإدارة والبنية التحتية لمساحة بسط الوعي بما تعنيه الثقافة وهو جزء من هذه المنظومة القيمية للوطن يتم الإيقاع بها بالفصل بين المعارف بتناثر الفهم والفكرة انجراراً وراء سلطات وقتية لكنها قد تؤثر في مجريات التفكير في المستقبل.

تعطيل التفكير وشل روح الإبداع وتسفيه العقل الجمعي لعديد السنوات نصل بعدها لانتفاضة غير منظمة ثم إلى حرب تنتهي بالنزوح والكورونا والتهديد باستمرار الحرب في أيّة لحظة سيراً على منهج مكافحة الإرهاب.

هي مؤثرات مغايرة للثقافة وكان وسيكون تأثيرها واضحاً على لبنة المستقبل وبداية الانطلاق.

وهناك علاقات مجتمعية سائدة تؤثر بسلبيتها على ثقافة المجتمع منها على سبيل المثال زواج القاصرات والزواج من أجانب ولا أقصد العرب منهم نتيجة تداعيات الحرب.

من الموضوعي رصد الحراك المدني وتصحيح مساره لأنه مؤثر سلببي كذلك بوضعه الحالي المزري. ودوره في الحفاظ على حرية التعبير واحترام الرأي الآخر وتماسك النواة والبذرة الأولى في غرس القيم والمبادئ بداية من الفرد والأسرة في انتزاع حقوق الناس  لأنها تمثلهم  فقانون حماية الحريات معلب عند البرلمان ويتعنت في تشريعه، ولا دور يذكر لهذه المؤسسات في إحداث ما يشير لذلك بل سادت بها ومنها استلاب المواطن وخنوعه لكل طارئ معه أو ضده، فكانت اللامبالاة والاهمال لكل صنوف الحياة اليومية تحت جلد الهوية واستلابها في مواجهة هذا الهم ولعبت الحكومات هذا الدور ولم تشغل شغلها الشاغل في تأكيد المشهد الثقافي  بتأكيد دور التعليم والمعرفة، إذاً الثقافة تعاني تهميشًا بقصد بأشكال إدارتها السائدة الآن المتناثرة والمبعثرة  والتعليم الذي همش واختزل حسب الهوى وتفرقت عرى المنهج ومبادئه الثابتة بين مستويات مختلفة ومتباينة في اطراف الدولة . منهج يستورد من دولة في اقاصي شرق العالم لا يمكن له أن يخلق جيلاً ينتمي لوطنه ودولة لا تستطيع أن تخلق منهجاً محلياً لأطفالها وشبابها هي دولة عاجزة بجدارة عن إثبات وجودها وصنع مستقبل لها، سلطة وإعلام مفتت كل أدواته تفرق ولا توحد .سينشأ عنه ثقافة الكره  والعنف المضاد وهو أخطر أنواع المؤثرات الهدامة.

الثقافة تواجهها ثقافات محبطة دخيلة، ليست مبعث تجدد بل تجرنا إلى الوراء تتخذ من الدين لباساً وهي في جوهرها دعوات من فكر ظلامي مقيد للفكرة وللتجديد ولتحريك اقوى محرك في ثقافتنا العربية وهو الوعظ والنصح والإرشاد والمقالة والملتقيات والتجمعات وفي حقيقته مغاير عن ذلك كله. وهذه الثقافة المضادة ياليتها مغايرة بل هي تنبعث من قلب ثقافتنا وتنغرس فيها كشوكة يصعب اقتلاعها بسهولة. لننتج ثقافة علينا أن نعي وعياً كاملاً أنّ كل أديب وكاتب وشاعر وفنان هو مشروع ثقافي ولنحسن بناء هذا المشروع الثقافي، هل وعيت وزارة الثقافة ذلك؟ وما أحسبها إلاّ متناهية البعد عن هذا!! فالمهرجانات ليست إلاّ وسيلة انطباعية فقط عن الثقافة. والمؤسسات هي التي تحفظ الثقافة وتقدمها للعالم وتطورها وتنميها ، ومن هنا وجب بناء بنية تحتية للثقافة وبناء المؤسسات بمختلف أنواعها لصنع ثقافة تعنى بنا لها هويتنا وشخصيتنا  تحافظ على حاضرنا وتحمي مستقبلنا وتستفيد من سلبيات ماضينا وتحيلها إلى إيجابيات تنهض بالمشهد وتطور أساسه بثبات، ومن هذا القول لا يجب أن نغفل دور الرموز، والقامات التي لها بصمات في مجالات الثقافة بعمومها وشمولية فنونها وتراثها وآدابها وهذا يجرنا للاهتمام بمراكز البحوث لخدمة التعليم وخدمة ما ينتج في مجال الثقافة والفنون التي يتضح دورها نحو المراكز الثقافية والمكتبات.

حركة التدوين في السوشيال ميديا مهمة ولا يجب اغفالها لأنها اصبحت رافداً من روافد البنية التحتية للثقافة بما تحوي من غث وسمين. وهي ترمومتر به تقاس حركة الفعل الثقافي اليومي. وفي هذا المجال يمكننا أن نخلق مؤسسات ترعى هذا الدفق الإلكتروني ونبذ الابتذال الذي قد يصاحبها – أحياناً – من خلال منتديات تواجه الاستلاب والغزو معتمدين فيها على أصالة لغتنا كأداة لحماية ثقافتنا وتدويل فلسفتنا ورؤيتنا بجمالها وليس بنشر غسيل قبحها للحياة كجزء لا يتجزأ من ثقافة العالم اجمع وكثقافة محركة بقوة لعوامل التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل.

للأسف الشديد نحن نسير برجل واحدة حيث أنّ الرجل المبتورة من الثقافة هي وزارة الثقافة في ذاتها. فالوزارة لا تهتم إلاّ بموظفيها وهم عادة ليسوا القوة المحركة للثقافة وأغلب مؤثري الثقافة لا ينتمون إلى وزارة الثقافة ومن هنا فإنّ خوفي يزداد من هذه الفجوة والهوة التي تكبر وتكبر وتتسع بين المثقف والوزارة التي لا تدري عنه وعن أعماله شيئاً.

كان على وزاراتنا التي تعنى بالثقافة أن تهتم بحماية وتعزيز ركائز تنوع التعبير الثقافي عندنا. ويمكن الاستناد على اتفاقية اليونسكو عام 2005 في هذا الشأن. ويناط هذا الدور لدار الكتب الوطنية بإضافة مكتبة كبرى للكتب غير التي تعتمدها هذه الدار، ولا نغفل دور الثقافة في المورد البشري. واهم اعمار هو اعمار عقل الطفل والشاب ولكيلا تكون مقالتي نخبوية فإنّ المكتبة المدرسية هي حق لكل طالب ليبي في مدرسته وشارعه وحيه وجامعته. وإن قصرت وزارات الثقافة في ذلك فهي ليست إلاّ جسماً مغايراً للثقافة.. وإن لم تهتم بالمسرح والبنية التحتية له فهي ليست براعي للثقافة، وإن لم تهتم بغرس إيجابيات الموروث ونبذ سلبياته فهي لا تدرك دورها. وإن كانت الوزارة تصنع المهرجانات فقط فإن ثقافتنا إلى مصير مجهول، المهرجانات بهرجة وضوضاء كالبراميل الفارغة.

”تجف ينابيع المناصب والغنى

ويبقى عطاء الفكر كالنهر جارياً…“

للشاعر السوري عبد المعين الملوحي من سوريا

مقالات ذات علاقة

إعادة كتابة تاريخ ليبيا الوسيط

عمر أبوالقاسم الككلي

الزرازير

منصور أبوشناف

“بالة” في ميدان البلدية

محمد دربي

اترك تعليق