هل ما زلت غبية…. اظن ذلك…؟!
إذا تتواصل الحكاية والسرد يحاول اللحاق بهذي التي تروي، واليوم هو الخميس (6/2).. ويبدو أن (قرة العنز) بدأت منذ ليلة الأمس حين سمعت صوت الريح التي تنفخ وتفح ّفي الشارع، ربما هي أيضا غاضبة…؟! ولكن متى قررت تلك المعلمة أن تترك هذا الدور وتتابع الركض وراء الحلم، طالبة في الجامعة… ما أتذكره تحديدا أني كنت ذات عشية مع مجموعة من المعلمات، في بيت معلمة تعافت من مرضٍ وها نحن في بيتها للتهنئة بشفائها (وماخذة بخاطرها)، مازلت أتذكر تلك الهنيهة التي اختفت فيها الأصوات حولي، حتى صوت ضحكتي وسمعت صوتها داخلي (شن اديري هني يا حواء)، ونظرت إليهن وعرفت أني أتبع الخطوات ذاتها وووو، عرفت حينذاك أني إذا لم أنقذها الآن فإني سأعجز عن هذا، ولكن اتخاذ هكذا قرار يتطلب شجاعة كنت لا أملكها حينذاك، وكان على تلك المعلمة أن يصفعها ذاك المجتمع ويضحك من غبائها، يضحك من صدقها وثقتها في الذين حولها، هي التي تبسط حكاياتها ورسالة من صديقة إلى صديقة تحكي لها عنّي، وأتساءل الآن : لماذا كنت غبية هكذا، لماذا حتى أني لم أفهم ماهو مكتوب لم أعرف إلى ماذا يشير.؟ بينما الصديقات وحتى الصديق هؤلاء الذين أعطيتهم تلك الرسالة ليقرأوها، جميعهم فهموا الإشارات بينما تلك ( الحواء الغبية) لم تفهم؟؟؟
لماذا يا أمي… كنت شرسة معي تريدين من تلك البنت النحيفة الحالمة أن تكون مثالية وعظيمة وووو لكنك لم تعلميها كيف تتعامل مع مجتمعها، لم ترشديها وأنت تصبين الرعب في قلبها الصغير وتزرعين الخوف القاتم في روحها من هذا الجسد النحيف، لم تعلميها( حذاقة النسي)، تركتها تقرأ تفرّ من خوفها إلى عالم الكلمات وتعيش تلك الحياة في هكذا مجتمع يضحك من الساذجات، ربما لأنك يا أمي كنت تطلبين حتى من نفسك أن تكوني عظيمة ومثالية وكريمة أكثر منهن جميعا، ( وها أنت الآن حبيسة الزهايمر تريدين العودة لحوشكم القديم في وسط البلاد) ، إذا صفعك ذاك المجتمع على وجهك يا حواء ولكن غبائك مستمر، لتسردي على مسامع صديقة حكايتك العجيب، هل تذكرين تلك البنت يا حواء، نقاءها شفافيتها وصدقها وأيضا غبائها لتحكي لتلك الصديقة حكايتها ، تلك الحكاية التي رأيتها بعد أعوام في العيون التي تنظر إليك لتقول( راهو اني نعرف)،…
وكان الوجع هو الدافع الأكبر لتلك القفزة، في النصف الثاني من عام 1987، حين قلت: (معادش بنمشي للمدرسة نبي نكمل قرايتي)؟؟ في ذات عشية وأنت تقفين أمام أبيك الذي قال: (شن بتولي وزيرة…؟) فأجبت: (ما نبيش نولي وزيرة ونبي نكمل قرايتي)… وبعد خمس وعشرين عام سيكون أسمي موجودا كوزيرة ثقافة في الحكومة التي اقترحها (مصطفى بوشاقور ) وتمّ حجب الثقة عنها من المؤتمر الوطني/ أتساءل الآن، لو أنني أجبت أبي: وخيرة ما نوليش وزيرة.؟ هل كان ذلك سيحدث فارقا…؟ هههههههه (معليش هذا من تلخبيطات التنمية البشرية وحكايات البرمجة العصبية) …
وهكذا انتهيت من حكاية المعلمة لأبدأ رحلة تلك الطالبة التي ستظل منتسبة ولكن ستذهب إلى كلية التربية جامعة الفاتح في أواخر عام 1987م.
نهج البلاغة …
هل حقا قرأت كتاب (نهج البلاغة) للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأنا في الثامنة عشرة من عمري، تحديدا في ذلك العام الذي قررت فيه وبعد مشادة مع (جندي) حين صارت (العسكرية) بديلا عن الرسم والموسيقى، كنت في السنة ثالثة بمعهد المعلمات حينذاك، ظللت حبيسة في البيت، وهكذا حظيت بهذا الكتاب الذي وجدته بين كتب (خوي الكبير) والذي كان في جامعة (قاريونس)، (نهج البلاغة) الذي كان من تقديم (الإمام محمد عبده)، و بالتأكيد لأني من قارئات مجلة العربي الكويتية سأكون قد عرفت هذه الشخصية المجددة (محمد عبده) وسأعرف الامام جمال الدين الأفغاني ، وأيضا (شكيب ارسلان)، وووو، وبدأت رحلة مفعمة مع هذا الكتاب، بل أن تلك البنت حوا (عشقت) بكل ما في هذه الكلمة من معاني روحية وحتى دنيوية، (عشقت) هذا الإمام الصبي الذي آمن برسالة (محمد صلى الله عليه وسلم)، والذي تزوج بفاطمة الزهراء حبيبة أبيها وأم الحسن والحسين رضى الله عنهما، رحلة عشق مع كتاب حفظت خطبا كاملة منه وأقوالا (… ولا أتذكر إلا مقتطفات أو نتف قليلة جدا)، مثل (الناس أبناء الدنيا، وهل يلام الرجل على حب أمه؟)، ربما تذكرت حكايتي مع كتاب (نهج البلاغة) لشغفي هذه الأيام (وتذكري من قصيدة كاملة) لعدة أبيات من قصيدة (أظن الفرزدق) ….
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله …
بجده أنبياء الله قد ختموا ..
وقولك من هذا ليس بضائره…
العرب تعرف من أنكرت والعجم …
هذا الذي ما قال لا قط إلا في تشهده….
لولا التشهد كانت لاءه نعم….
القصيدة المشهورة في مدح (الحسين بن علي وفاطمة رضي الله عنهم).. عن إشارة هشام بن عبد الملك وقوله: من هذا؟؟؟…….
……….
وماذا نسيت أيضا ثم تذكرته بفضل منشور لصديق افتراضي على الفيسبوك، ذكر اسم (حي ابو ديس) فسألت هل هذا الحي في القدس، فأجاب: نعم…
يااااااه ولأتعجب كيف نسيت أن أكتب عن صديقتي (لمدة شهرين) في الصف الثالث إعدادي بمدرسة (بنت الوطن) اسمها (عواطف وأختها عطاف)، جلست قربها وفرحت جدا حين عرفت أنها (فلسطينية) وهكذا حفظت هذا الاسم (أبو ديس) لأنها تجيب كل من يسألها من التلميذات او المعلمات (وكأننا جميعا نعرف كل مدن فلسطين وقراها) تجيبهم حين سؤالهم: أنت من وين في فلسطين؟ فتقول: (من حي أبو ديس بالقدس)
كانت صحبة قصيرة وحميمة ولكن ظروف عمل والدها اقتضت أن يغيروا مقر سكناهم، وهكذا انتقلت إلى مدرسة أخرى ولكن ظلت كراستها الرياضيات معي لأنقل منها دروسا ناقصة عندي، وذات يوم دخل مدير المدرسة الفصل ونادي على اسمي، وقفت فسألني عن هذه الكراسة لأجيب أنها معي فطلب مني تسليمها لوالد هذه الصديقة الواقف (قدام الفصل) خرجت مرتبكة لأسلمها لأبيها الفلسطيني (وكل فلسطيني وفلسطينية) في عمري ذاك أو بالنسبة لي (كائنا مقدسا) كأنه وكأنها ليسا من هذه الأرض إنهما من فلسطين، وفي ذات هذا العام وأنا بانتظار نتيجة الشهادة الإعدادية ذهبنا في زيارة لأقارب لنا، ولظروف ظللت لأيام هناك، وكانت جارتهم الجديدة (فلسطينية).. وكان لهم ابنة في (السابعة عشر)، واندلقت مشاعري تجاهها وكانت (الصدمة) انها لا تتحدث عن (القضية) ولا تتكلم إلا عن (مقاس خصرها) و عن (الثياب والأحذية والعطور) وعن (خطيبها) و لا تزهو إلاّ بجمالها، لم تهتم حين تكلمت عن محمود درويش..؟، ولكي تخرج تلك البنت حواء من (هول الصدمة) أقنعت نفسها (أكيد مش فلسطينية) كان اسم تلك البنت (مها)، وسأضحك من تلك البنت حوا (حين أنضج) كيف نسيت أن البشر هم البشر وان (مها) مجرد صبية جميلة وفلسطينية حتى إن لم تهتم بالحديث عن (فلسطين المحتلة) هي بنت مثل كل البنات….
حكاية الانتساب للجامعة….
اخترت قسم (اللغة العربية و الدراسات الإسلامية) لأكمل تعليمي الجامعي منتسبة، و هكذا وبمساعدة صديقتي (جميلة ونناديها جمولة) جاءتني الكتب المقررة و سأحبها كلها حتى كتاب (ألفية بن مالك) والذي كان مقررا في العام الذي انتسبت به، ولكن تمّ استبداله بكتاب آخر في السنوات التالية.
ومن ضمن الكتب المقررة كتاب (أدب ما قبل الإسلام) للدكتور (محمد عثمان علي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته)، وسألتقي الكثير من المنتسبين والمنتسبات وستظل ذكرى بعضهن خصوصا عالقة في قلبي، حكايا من حكايات (البنت الليبية) حكايات تقول الكثير عن مجتمعنا وتزيد من ذاك الجرح في داخلي…؟؟!!وسأتعرف على من ستظل صداقتنا حتى يومنا هذا، لأن ثمة روابط عميقة جمعتنا وتشاركنا فرحا وأوقات دراسة جمعتنا، كانت هي زوجة وأم وكنت بنتا تحاول الأمل وتصارع من أجل هذه التي اسمها (حرية) الصديقة اسمها (سناء زاوية) والتي من خلالها تعرفت على زوجها الذي أصبح هو أيضا صديقا لي (المهندس مفتاح الأربش)، سأعيش معهما أوقاتا مليئة بالنقاش والأفكار والتساؤلات ، وسأستمتع بصحبة أسرتهم الصغيرة (ناهل ومحمد وسارة) وستجيئ (غادة) ونحن نكمل مشوار التعليم، ومن الذكريات التي ستظل تبهجني حين كان الدكتور محمد عثمان علي جالسا ونحن نسأل عن نتيجة امتحاننا في مادته، وقورا هادئا يجلس علي كرسي و مجاميع من طلاب وطالبات تحيط به، وحين اقتربنا منه ذكرت كل واحدة اسمها، قرأ لصديقتي نتيجتها، ثم نطقت باسمي الثلاثي، بعد لحظات رفع رأسه وسألني مرة أخرى عن اسمي فذكرته مجددا، نظر إليَّ وقال: ممتاز 94 ….
وسألتقي هذا الفذ في الدراسات العليا بعد عشر ة أعوام….
ولكن (حواء) مازالت معلمة وستنتقل من مدرستها الأولى إلى المدرسة القريبة من بيتهم وستكون (معلمة الصف الخامس لمادة العلوم)، أحببت جدا أن أكون معلمة هذه المادة رغم أني لم أكن سيئة بأدائي في مادة الرياضيات، تجربة الدورق والبيضة عن الحرارة وعلاقتها بالمواد، درس التنفس وكيف تتنفس الكائنات الحية، وحين أجيء بسمكة بحجم متوسط لأشرح الدرس و ليرى تلاميذي وتلميذاتي الخياشيم ودورة التنفس في السمكة في (ساحة المدرسة التي كنت فيها تلميذة وطالبة معهد).
وذات حصة وجدت أحد تلاميذي حزينا وغاضبا وحين سألته قال: ضربني معلم الرياضة كف؟ وكنت معلمة في الرابعة والعشرين من عمرها، وأخذت بيد تلميذي لأبحث عن معلم الرياضة ولأجده في ظل (شجرة التوت مع استاذ تبين لي فيما بعد انه نائب المدير) كنت حانقة وتكلمت بصوت مرتفع عن حقوق التلاميذ وعدم إهانتهم وووو لينبري السيد الواقف معه بالرد علي ولأعود منكسرة أنا أيضا مع زيادة حجم انكسار تلميذي والذي أشفق على معلمته فقال لها: صحيتي يا ابلة ما تعدليش…؟…
متى قررت أن أترك هذا الدور (معلمة) لأعيش ذاك الحلم (طالبة في الجامعة)، ربما هي محطات وكل محطة أتوقف بها وأتساءل: أنا وين؟ ربما الذي يوجع هو الذي يمنح القوة..؟
موقف أول: وأنا واقفة على شباك أحد حجرات بيتنا، في الحجرة (الأخ الغريم) نائم وأبي يوقظه ليطلب منه اخذي لامتحان، لكنه يجيب: أني حالف ما نرفعهاش للجامعة؟؟ الساعة كانت السابعة والنصف صباحا والامتحان في الثامنة، تنسكب دموعي ويسمع نشيجي ومرة أخرى يطلب منه أبي (اخزي الشيطان ونوض ارفع اوخيتك)، ولكنه يصر على موقفه فيطلب أبي مفاتيح السيارة (لأنه هو من اشتراها له) فيعطيه المفاتيح، أخرج للشارع باكية وهل تصدقين يا حواء أنك في ذاك العمر نسيت او لم تتعاملي مع المواصلات العامة منذ فترة طويلة، فلا تعرفين أين أماكنها وخاصة التي ستأخذك إلى الجامعة، رغم أن (خوك الكبير ) مازال يستعملها للذهاب لعمله، في الشارع الخالي والعيون الدامعة والنشيج المكتوم تصلين إلى بيت صديقتك (نعيمة)، وستشربين القهوة التي قدمتها أمها (نجمة) وستبكين بحرقة حين تدق الساعة الثامنة، وفجأة تتذكرين ابن عمتك وصديقك والذي اخذك ذات مرة إلى حيث المبني الذي به صحيفة الجماهيرية، ونزل ليسأل عن اسم شخص ذكرته له، وحين عاد إلى السيارة كان ممتقع اللون وسألني عن هذا المكان شن اسمه، فأخبرته أني لا أعرف الا صحيفة الجماهيرية، وأخبرني أن هذا الذي تحدث معه يسكن في منطقتهم وأنه من (اللجان الثورية)، و بدأت خطواتي باتجاه بيت ابن عمتي لينهض من نومه ويأخذني إلى الجامعة، حين وصولنا كانت الساعة حذو التاسعة، دخلت القاعة كلمت المراقب الذي وجدته، من شكل عينيّ المتورمتين وذبولي تأكد من صدقي وطلب مني أن أذهب للمراقب الآخر الذي كان في أعلى المدرج ومعه أوراق الأسئلة، وحظيت بفرصة لامتحان مادة البلاغة ونجحت رغم هذه المحطة التي ظلت موقفا أعاود تذكره كي أواصل المشي باتجاه الأمل.