شخصيات

الصادق النيهوم: ربع قرن على وفاة الباحث عن لصوص الإسلام

مريانا

يوسف المساتي – المغرب

الصادق النيهوم (الصورة: عن الشبكة)

اتجهت جهود النيهوم صوب قضايا تجديد الفكر الديني، محاولا تقديم رؤية جديدة للنص الديني، وفك إشكالاته، معتبرا الفقيه أحد سدنة المعبد، داعيا لإعمال العقل في النص عوضا عن تقديم النقل.

خلفت دراساته جدلا حادا وسجالا متكررا، جعل “دار الريس” تقوم بجمع مقالاته وتصدرها في ثلاثة كتب: “محنة ثقافة مزورة”، “الإسلام في الأسر”، و”إسلام ضد الإسلام”.

على كثرة ما كتب حوله، لازال الغموض يكتنف حياته.

شكل ظاهرة فكرية أدبية، ملأ الدنيا وشغل الناس الذين انقسموا حوله إلى مؤيد ومعارض، ومتوجس.

إنه الصادق النيهوم، الناقد والباحث في تاريخ الأديان، والناشر والمترجم والصحفي. في هذا المقال نقدم فصولا من سيرة رجل لازال لم يقرأ بعد.

البداية من… سوق الحشيش

في أحد منازل حي سوق الحشيش ببنغازي الليبية، ذات ليلة من ليالي سنة 1937، أطلق الصادق النيهوم أولى صرخاته. هناك في ذلك الحي الشعبي الشهير سينشأ ويكبر متجولا في دروب بنغازي، ليدرس في جامعتها بكلية الآداب والتربية، قسم اللغة العربية، وليتخرَّج منها سنة 1961.

لفت النيهوم الأنظار إليه مبكرا، فخلال دراسته الثانوية، كان ينشر في مجلة الحقيقة الليبية، التي كانت تعد آنذاك من المجلات المرموقة بليبيا، واختص بالترجمة من الإنجليزية للعربية، حيث بدا مستواه وطبيعة المواد المترجمة مثيرة للاهتمام، ومؤشرا على بداية سطوع مفكر جديد.

الصادق النيهوم… ممنوع من الدكتوراه ومهدور الدم

بعد تخرجه من الجامعة، عين معيدا في كلية الآداب؛ وعندما أراد مواصلة دراسته ليحصل على الماجستير، رحل إلى القاهرة من أجل إعداد أطروحة في مقارنة الأديان، لكن مشروعه رفض، بحجَّة أنَّه معادي للإسلام، كما وقع له صدام مع عائشة بنت الشاطئ.

موقف عائشة بنت الشاطئ منه، لم يكن نتاجا لموضوع أطروحته التي تقدم بها فقط، ولا لما كتبه من مقالات دعا فيها إلى رفض وصاية الفقهاء، ولكنه أساسا، كان نتاجا لدراسته التي نشرها حول الرمز في القرآن، والتي خلقت جدلا وصل إلى حد إهدار دمه من طرف بعض الجماعات الإسلامية.

خلال هذه المرحلة، سيبدأ الصادق مرحلة جديدة، إذ انتقل إلى ألمانيا وأكملَ أطروحته بجامعة ميونيخ تحت إشراف مجموعة من المستشرقين الألمان، ونال درجة الدكتوراه بامتياز.

بعدها، انتقل إلى جامعة أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم إلى جامعة هلسنكي بفلندا، حيث عمل أستاذا مساعدا لمادة الأديان المقارنة بقسم الدراسات الشرقيَّة، من عام 1968 حتَّى عام 1972، وبعد زواجه الأول من سيدة فلندية، وإنجابه لطفلين، قرر النيهوم العودة إلى ليبيا.

الكاتب الليبي الصادق النيهوم
الكاتب الليبي الصادق النيهوم

النيهوم ولعنة إعجاب القذافي به

عاد الصادق النيهوم إلى ليبيا وقد بدأ اسمه يشتهر في الأوساط الثقافية. شهرة، ساهم فيها إعجاب معمر القذافي به، الذي أصبح يعتبر النيهوم ملهما له، ما حذا بالبعض إلى طرح فرضية أن يكون النيهوم… هو كاتب الكتاب الأخضر.

علاقة النيهوم بالقذافي سببت له متاعب كثيرة، إذ اعتبره معارضو هذا الأخير، أحد أذرع السلطة ومنظريها. على الجانب الآخر، كان الراغبون في التقرب من السلطة أو من فيها، ينظرون بعين الغيرة إلى علاقة القذافي والنيهوم، خاصة بعد أن وقعت عدة مشادات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية، وهي مشادات ساهم فيها موقف النيهوم من توغل السلطة وانحرافها عما رسمته من أهداف.

مغادرة ليبيا من جديد

أدرك النيهوم أن بقاءه في ليبيا سيجر عليه الكثير من المشاكل، فقرر الرحيل صوب جنيف سنة 1976، وتزوَّج من أوديت حنا الفلسطينية الأصل.

بحسب ما تقول بعض المصادر، فإن العقيد معمر القذافي حاول ترضيته، فأسس دار نشر جعل النيهوم على رأسها، بينما يقول آخرون بأن دار النشر، كانت من إنشاء النيهوم.

مهما كانت الحقيقة، فقد أسس الصادق دار التراث، ثم دار المختار، وأشرف على إصدار عدد من الموسوعات، أهمُّها: “موسوعة تاريخنا”، “موسوعة بهجة المعرفة”، ” أطلس الرحلات”، “السلاح”.

كما بدأ الكتابة في مجلة الناقد، التي أصدرها نجيب الريس منذ صدور الأعداد الأولى منها في لندن. استمر بالكتابة بها إلى أن توفي.

الصادق النيهوم… كاتب متعدد الأبعاد

كان النيهوم كاتبا متعدد الأبعاد، أجاد سبع لغات هي… العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الفنلندية، العبرية والآرامية.

… مكن هذا التنوع اللغوي النيهوم من الانفتاح على آفاق ثقافية رحبة، جعلت إنتاجه يتميز بالغزارة والتنوع.

بحسب بعض الباحثين، يمكن تقسيم سيرة النيهوم إلى مراحل، امتدت الأولى من سنة 1966 إلى سنة 1971، وتعد الأكثر خصوبة وتنوعاً، ارتبط فيها بصحيفة الحقيقة الليبية، وقد تمحورت مقالاته حينها، حول الحياة الليبية في شتى مظاهرها واشكالياتها، إضافة لقضايا التقدم الحضاري والإسلام والمرأة.

أما المرحلة الثانية، فتمتد من 1976 إلى منتصف الثمانينيات؛ أشرف فيها النيهوم على نشر موسوعات علمية من جنيف، وتوقف عن الكتابة في الصحافة.

من منتصف الثمانينيات وحتى السنوات الأولى من التسعينيات، عاد النيهوم إلى الصحافة عبر مجلة الناقد اللندنية.

خلال هذه المرحلة، اتجهت جهود النيهوم صوب قضايا تجديد الفكر الديني، محاولا تقديم رؤية جديدة للنص الديني، وفك إشكالاته، معتبرا الفقيه أحد سدنة المعبد، داعيا لإعمال العقل في النص عوضا عن تقديم النقل.

خلفت دراساته جدلا حادا وسجالا متكررا، جعل دار الريس تقوم بجمع مقالاته وتصدرها في ثلاثة كتب “محنة ثقافة مزورة”، “الإسلام في الأسر”، و”إسلام ضد الإسلام”.

إضافة لهذه الكتب، أنتج النيهوم كتبا عديدة من بينها، “تحية طيبة وبعد”، “فرسان بلا معركة”، “نقاش”، “صوت الناس أم صوت الفقهاء”، “طرق مغطاة بالثلج”، “من مكة إلى هنا”، “من قصص الأطفال”، “الحيوانات”، “القرود”.

في الخامس عشر من نونبر 1994، ستوافي المنية الصادق النيهوم في جنيف. دفن في بنغازي في العشرين من ذات الشهر، بعد سبعة وخمسين سنة، قضاها في الإنتاج الفكري المشاكس والمثير للجدل، والذي لم يعرف حقه في الدراسة إلى الآن.

مقالات ذات علاقة

في مثل هذا اليوم رحل عنا الاستاذ طالب الرويعي

المشرف العام

بشير فهمي فحيمه

المشرف العام

الرسام الليبي المبدع محمد نجيب

المشرف العام

اترك تعليق