قصة

نياندرتال !!

نياندرتال

 
(1)
نياندرتال . .
أمس أحسست أني قريب منه إلى حدٍ لا يُصدق . . ذلك الإنسان الطبيب الموغل في القدم ..القصير القامة إلى درجة أن طوله لم يكن يتجاوز النصف متر إلا بقليل . . ذلك الذي كان يمشي منحنياً إلى الأمام بعض الشىء . . لكنه كان يتطلع إلى الأمام كل الوقت .
 
(2)
نياندر . .
سأدعوه هكذا منذ اليوم . . لن أكمل التسمية .. ألا نفعل هذا مع من هم قريبون من قلوبنا ؟
 
(3)
أشعر الآن أن ذلك النياندرتال الذي انقرض فجأة منذ ما يزيد عن الأربعين ألف عام قد اختفى عن مسرح الحياة عامداً متعمداً . . يبدو أنه اكتشف ما جعله يقرر الرحيل وإلى الأبد هذه المرة . . أحبك أيها المنقرض الزائل . . وأعجب حتى الثمالة بحكمتك التي احتاج إليها الآن .
 
(4)
نياندرز . .
أعرف أنهم عثروا على بقاياك في وادي نياندر في ألمانيا البعيدة تلك . . فأعطوك اسم ذلك الوادي . . ولكن . . ألم تعش هنا ؟ ربما بالقرب مني حيث أسكن . . ربما بالقرب من مقر صحيفة المشهد . . أو بجوار عروض المسرح التجريبي . . أو على مرمى حجر من مكانٍ يجتمع فيه نقادنا الأشاوس . . اطمئن أيها النياندرتال . . فكلهم انقرضوا الآن . . تماماً مثلما انقرضت !!
 
(5)
نياندر . .
أحن الآن إلى ذكراك . . أيها المنقرض البعيد . . أنت السلف على أي حال . . منك تعلمنا المشي على الأرجل واحتفظنا للأيدي بمهمة مقدسة سنكتشفها فيما بعد . .ومنك تعلمنا نعمة أن نوقد ناراً لتبعث في أوصالنا بالدفء وتزرع في ألسنتنا عشب الكلام . . ومنك سرقنا نار المعرفة الأولى .
أيها المنقرض البعيد . . ألا يحق لي الآن وأنا ابنك الجاهز . . الذي تعلم منك كل البدايات . . ولوث بشكه يقينك الأول . . وتطلع إلى السماء هذه المرة عندما لم يعد في الغابة متسعاً لما يفكر به . . ألا يحق لي الآن أن أبكيك لبعض الوقت أم أنك لا تريد الاستماع إلى حفيد مارق مرتبك ؟
 
(6)
نياندر
يا جدي البعيد . .
خذني إليك الآن . .
اقسم لك أني أحسدك على انقراضك المفاجئ
واقسم لك أني أحسدك على غابتك القديمة . .
واقسم لك أني أحسدك على قامتك المنحنية وبصرك الثاقب . .
واقسم لك أني أحسدك على اتكائتك المحجبة تحت ظل شجرة لم يلوث نقائها غبار البشر . . وعلى ركضك بحماسةٍ لا تفتقر إلى روعة المثابرة وراء أرنب بري تمضغ لحمه نيئاً معيداً لأسنانك اعتبارها قبل أن ينتهكها أحفادك بالتسوس وتغطيها الأفواه بالصمت .
 
(7)
نياندر . .
أحن إلى يوم من أيامك البعيدة . . أنا حفيدك الحي الذي يوشك الآن على الانقراض علمني كيف انقرضت . . لأفعل مثلك الآن !! — ‏
 

مقالات ذات علاقة

قصص قصيرة جداً

أحمد يوسف عقيلة

ميول جوهرية

علي جمعة اسبيق

ب ا ز ي ن

جود الفويرس

اترك تعليق