إلى الأبرياء الأنقياء الذين رحلوا على حين غفلة، إلى الذين استضافتهم المقابر عندما ضاقت عليهم أرض وطنهم الفسيحة، إلى الأطفال والنساء والشيوخ وحتى الشباب الذين مروا خطأً بدرب الموت، إلى كل من نسيتُه … عدا أولئك الذين يسمونهم زورا (الشهداء)، لأنهم سرقوا الوطن بدايةً، ثم سرقوا من الأبرياء حياتهم، وحتى بعد موتهم سرقوا منهم لقب (الشهيد)؛ ثم إلى كل نقي حي يموت على قيد الحياة كل يوم، يؤلمه وطنه المسروق وهو يدري أنه في جيب لصٍّ يعرفه جيدا …
1. كَدَمْعٍ
عَلَى خَدِّ السَّمَاءِ
تَعثًَّرَا،
يُحدِّثُ عَنْ صمْتِ المقابر
ما جرى …!
2. مَقَابِرُ
مَلْأَى بِالوُرُودِ،
وَعِطْرُهَا
يُجَاوِزُ بُلْدَانًا
صَحَارَى
وَأَبْحُرَا
3. يَمُرُّ بِهَا التَّارِيخُ
فِي كُلِّ غَيْمَةٍ
فَيُوقِفُ أَسْرَابَ الدُّهُورِ؛
لِيُمْطِرَا
4. وتَحْيَا بِبَطْنِ الأَرْضِ
فِي كُلّ لَحْظَةٍ
لِتَكْتُبَ فِي مَجْدِ السَّمَاوَاتِ
أَسْطُرَا
5. يَسِيرُون في درْبِ الخُلُود بمَوْتِهم
وكم عاشَ حيٌّ
رِفْقَة الموتِ قد سَرَى
6. نَمُوتُ عَلى قيْدِ الحَيَاةِ،
كَنَخْلَةٍ
تُرَاقِبُ طُوفَانًا
يَمُرُّ
لتُكْسَرَا
7. وَتَسْأَلُ عَن ظِلٍّ لَهَا،
قُدَّ حُلْمُهُ:
“أَيَصْغُرُ ظِلِّي كُلَّمَا صِرْتُ أَكْبَرَا؟!”
8. أراقبُ من سَفْحِ المَصَائِبِ
حيْرَتِي
تُقَلِّبُ أَشْلَاءَ الحَدَائِقِ بالقُرى
9. وَترْسُمُ مِنْ كلّ البَرَاعِمِ
رَهْبَةً
يُفَسِّرُ مَعْنَى المَوْتِ فِيهَا:
“متى تُرَى …؟!”
10. بَرَاعِمُ تَخْشَى الآنَ،
حُلْمٌ حَيَاتُهَا،
تَقُولُ لِبَعْضِ الحُبِّ:
“أَقْبِلْ؛ لِأُزْهِرَا”
11. أمرُّ بِدَرْب الخَوْف
كالماءِ مُسْرِعًا،
وأسألُه …
فاختارَ أن يتَبَخَّرا
12. ليُخْبِرَني أنِّي على الحُزْن شاهِقٌ
وَجَهَّزَ كلَّ العُمْق تَحْتِي
لأُقْبَرا
13. سَأَكْتُبُ أَصْوَاتًا مِنَ الصَّمْتِ
عَلَّنِي
أَشُدُّ عَلَى ظَهْرِ المُلِمَّاتِ مِئْزَرَا
14. وَأُغْلِقُ أَبْوَابَ القَصِيدَةِ كُلَّهَا؛
لِأَخْرُجَ مِنْ بَابِ المَجَازِ، فَلَن أُُرَى!
15. وَأَفْتَحُ شُبَّاكًا مِنَ الحَرْفِ
قَاتِمًا
يَرَاهُ مِنَ اسْتَسْقَى الحَقِيقَةَ أَخْضَرَا
2 تعليقات
ماتع ما قرأت هنا.
الشاعر هنا يكتب نصا عميقاً وسلسا.
نشكر مرورك الكريم.