استطلاعات

أحمد الغماري: الفنان التشكيلي أصبح مرتبطاُ مع جمهوره من خلال منصات التواصل

 
تحولت مواقع ومنصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، تويتر، بينترست، أنستجرام، ….) إلى جزء لا يمكن الاستغناء عنه للكثير، إن لم نقل غالبية البشر، الذين من بينهم التشكيليون الذين وجدوا في هذه المنصات براحا لإطلاق إبداعاتهم، وممارسة فنونهم، حيث صار البعض يقدم نفسه كفنان رقمي.

في هذا الحوار القصير توقفنا مع الفنان التشكيلي “أحمد الغماري”، وحديث عن تجربته الفنية وعلاقتها بمنصات التواصل على المستويين الشخصي والفني.

التشكيلي أحمد الغماري
التشكيلي أحمد الغماري

فيبداية حوارنا سألنا: كيف تقيم العلاقة بين الفنان التشكيلي ومنصات التواصل الاجتماعي؟
لا يمكن أن تخطئ عين أي مشاهد، مطلع، على ما تحتويه منصات التواصل الاجتماعي من مواد بمختلف مشاربها واتجاهاتها، أن ترى العلاقة الوطيدة التي نشأت مؤخراً بين الفنان التشكيلي وإنتاجه الفني، في أي قالبٍ فنٍ كان، من جهة، والمنصات الإلكترونية باختلاف آليات عملها وتسمياتها والخدمات التي تتيحها أمام الزائر المتصفح، من جهة أخرى.
أمسى الفنان التشكيلي مرتبطاُ مع جمهوره من خلال منصات التواصل. ولا أبالغ إذ قلت، أن بعضهم بدأ يقتصر عرض أعماله -في الآونة الأخيرة- على صفحته وعلى سبيل المثال، موقع الفيسبوك، في مقابل تركهم للفضاء الواقعي المعاش، من أروقة ودور عرض فنية، لا لشيء، إلا لأنهم وجدوا فيها تفاعلاً كبيراً من قبل المتابعين والمتفاعلين مع أعمالهم عبر هذا الموقع، أكثر من المتابعة والتفاعل الذي لا يتسنى إلا من خلال الزخم والحضور المادي ساعة إقامة المعارض الفنية. فضلاً على أن هذه المنصات أتاحت أمام الفنان أن تُرى أعماله خارج الجغرافيا التي يقطنها، وهذه ميزة أخرى، لم تكن متاحة من قبل، إلاّ في حال أن سافر الفنان وجال بأعماله عواصم عالمية، وما يترتب عن ذلك من مصاريف مالية.
إذن فإن العلاقة اليوم بين الفنان التشكيلي، بل والمثقف عموماً، مع مواقع التواصل الاجتماعي، أضحت وطيدة حدّ أن بعض الفنانين التشكيليين، لا يسأمون من عرض أعمالهم جديدها وقديمها بل وكل ما ينفذونه من أعمال– ولو كانت عبارة تخطيطات مبدئية– على صفحاتهم، صباح ومساء، بغية الحصول على كمٍ هائلٍ من الإعجابات الافتراضية. وهنا تكمن السلبية والخطرة التي تحملها تلك المواقع الإلكترونية، في أنها تفسد حاسة النقد لدى المثقف أولاً ولدى المتلقي، وتخلق حالة من التماهي العام مع النص البصري، وتخمد روح النقد الموضوعي إزاء ما يعتريه من ضعف ووهن واختلال في بنيته الفنية.
لقد استغل بعض من لا يملكون الموهبة والمهارة الفنية في فن الرسم والتصوير اليدوي والإبداع الفكري، منصات التواصل الاجتماعي لكي يروجون لأنفسهم، بأن يعرضُ أعمال فنية مزيفة وخادعة، نفذت باستخدام برامج معالجة الصور، مثل برنامج الفوتوشوب وغيرها، على أنها لوحات فنية أصيلة. وإذ كانت العمل الفني نحتاً، فإنهم يقومون بسرقة صور لمنحوتات تعود لفنانين أجانب، موهوبون وغير معروفون، ويقطنون جغرافية وبلدان بعيدة، الأمر الذي لا يكون من السهل أن يؤدي إلى كشف أمرهم، يضعون عليها اسماءهم ويعرضونها -عبر صفحاتهم– مدعين أنها من إبداعاتهم الفنية الفذة، وهو ما لمسته للأسف الشديد شخصياً في مناسبات عدة. هؤلاء هم –في اعتقادي– من يمكن أن يطلق عليهم فنانو الفيسبوك.

 وهنا سألنا: إلى أي مدى استفدت من هذه المنصات، ومن الفضاء الإلكتروني بشكل عام؟
دون شك قد وفرت هذه المنصات ولاسيما مواقع التواصل الاجتماعي للفنان التشكيلي فرصة الاطلاع على ما ينتج من أعمال فنية من قبل كِبار أم من قبل فنانين بارزين في هذا العالم الفسيح، والأهم من ذلك، أنه يمكنه –أي الفنان- أن يطلع عليها ساعة ولدتها، وهو جالس في بيته أمام جهازه المحمول، الأمر الذي ما لم يكن متاحاً منذ زمن ليس بالبعيد. لقد تمكنتُ من التواصل مع طيف واسع من الفنانين التشكيليين المميزين، في بقاع عدة من العالم، تبادلتُ وتفاعلتُ معهم بالآراء ووجهات النظر، شاهدتُ آخر ما ينجزه من أعمال، واطلاعهم في المقابل على ما أنجز من أعمال. منهم من أسدى إلى ببعض النصائح في أمورٍ غائبة عني لم أكن مطلعاً عليها بسبب العزلة التي نعيشها.
لقد أتاحت منصات التواصل عامة –سواء للفنان أو لصاحب رواق الفن “تاجر الفنون”- فرصة الوصول والتواصل مع عدد كبير من المقتنين ومجمعي الأعمال الفنية، وبهذا زادت فرصة ترويج الأعمال الفنية في الآونة الأخيرة، مقارنة بالسنوات التي لم تكن تشهد ظهور الشبكة العنكبوتية في العالم.     

وعما أضافته هذه المنصات على المستويين الشخصي كفنان، والإبداعي كتجربة؟ أجاب “الغماري”:
على المستوى الشخصي فإن الإضافة تكمن في التواصل المباشر مع الفنانين والأروقة الفنية والمهرجانات المهتمة بالفنون التشكيلية بشكل عام، أم على فيما يخص تجربتي الإبداعية، فإني أستطيع أن أعبر عن ارتياحي إزاء ما لقيته من تفاعل واطلاع على المنجز الفني مباشرة ومناقشة تفاصيله مع فنانين، ما كان لي أن أشاهد لوحاتهم، إلا عبر المجالات والتلفاز، ولم أكن أحلم حتى مشاهدة أعمالهم بشكل ملموس. لا شك أن الاطلاع على تجارب الآخرين الفنية يزيد من إدراك الفنان ويوسع من خبرته ومخزونه البصري والفكري على حدٍ سواء.

وعن سلبيات وإيجابيات هذه المنصات، يقول:
كما أسلفت فإن الإيجابيات عديدة لهذه التقنية الحديثة، لكن في الوقت ذاته جلبت معها أيضاً سلبيات كثيرة. كنت قد عرجتُ على بعضها وأشرتً إليها، وهي في اعتقادي خطيرة جداً، حتى أنها تهدد القيّم الثقافية وثوابتها ومنها: (إضعاف المهارة والقدر على نقد الأشياء بشكل موضوعي)، فكل ما ينشر –على الأقل- في الصفحات الليبية والإقليمية يتم التعاطي معه إما بشكل عاطفي متماهي دون التدقيق في خلفيات الموضوع، وإما بشكل سلبي لا يترك المجال لتبيان حقيقة الأمور. كان المفكر الإيطالي “أمبارتو إيكو” ناقش هذه المسالة منذ سنوات مضت، فهو كان مناوي لموقعي الفيسبوك والتوتر بعد ترحيبه بهما في البداية، منوهاً إلى أن الخطر يكمن في حال أن سيطر الأغبياء -كما سماهم- على مواقع التواصل الاجتماعي.

ما تعليقك على مصطلح أو مسمى: فنانو الفيسبوك!
أما فيما يتعلق بمصطلح (فنانو الفيسبوك)، في اعتقادي هو إدانة أكثر من كونه مدح لمن يطلق عليه هذا المصطلح، وتفسير ذلك هو أن الفنان يجب أن يكون حاضراً جسادياً في الواقع المعاش متفاعلاً معه، بدل أن يكون متواجداً فقط عبر الفضاء الافتراضي.

كيف تقيم تجربة الفن الرقمي (الفنان الرقمي)؟
تقييمي لتجربة الفن الرقمي، يتأسس على ما خبرته من تجارب أخرى في الفن، فلكل تقنية تظهر وتلج إلى عالم الفنون التشكيلية يكون لها حواريها يناصرونها، ثم قد يظلون على هذا المبدأ أو أنهم بعد مرور ردحاً من الدهر قد يتخلون عنها.
الفنان الرقمي: “سهل الانتشار، سريع التأثير على الأخرين، قصير الخلود في وجدان المتلقين، تعوزه المصداقية في حال التشكيك فيما ينتج من أعمال، غائب عن الوجود الواقعي، خارج دائرة السوق والتبادل التجاري وبالتالي هو خارج اهتمام النقد الفني والأكاديمي.”

كلمة أخيرة…
في الختام، أقول إن الفنان والفن التشكيلي لن يكنا خاضعين للتقنيات التي قد تطرأ على حياة البشرية؛ لأن منظومة الفنون متغيرة ومتبادلة ومتحولة بين الفينة والأخرى، حسب تطور وتغير وتبدل و.. الفكر الإنساني.  

سيرة ذاتية

أحمد الغماري،  من مواليد طرابلس 1971.
تحصل على دبلوم من معهد ابن منظور سنة 1992.
انخرط في مجال فنون الرسم والتصوير بشكل فعلي منذ أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، ومنذ منتصف التسعينيات انحصر إنتاجه الفني في رسم وتصوير لوحات بالأسلوب الواقعي المعاصر (photorealism) وانصب اهتمامه على رسم الوجوه باعتبارها مرآة للروح البشرية، بالإضافة إلى رصد مُديلاته المستهدفة في مشروعه الفني من خلال عدسة آلة التصوير الفوتوغرافي أثناء ممارستهم حياتهم الاعتيادية في إطار ما عرف بـ(تصوير اليوميات – Photography Daily).
من أهم المحطات الفنية كانت سنة 2010 وهي المشاركة في معرض يضم مجموعة ليدوغ – The Ludwig Collection   تحت عنوان (هايبر- ريال – hyper – real) والمشكلة من أعمال ما بعد الحرب العالمية الثانية بمتحف الفن الحديثmumok   بمدينة فيينا والذي كان بمناسبة مرور نصف قرن على ظهور تيار الواقعية الجديدة، وتم احتضانه أيضاً في محطته الثانية بمتحف الفن الحديث في بودابست، ثمً في متحف الفن الحديث بآخن الألمانية، وهي المتاحف الثلاث التي تضم مجموعة لدفيغ الكبرى. مثل المعرض أهم الأعمال التي ميزت حقبة الستينيات والسبعنيات والثمانينيات في الفن المعاصر من مقتنيات رجل الأعمال الألماني بّيتر لدفيغ في تيار بوب آرث والواقعية الفائقة، وهي تعد المجموعة الفنية الأهم التي تستحوذ على أبرز أعمال هذا التيار الفني. وتم تطعيم المعرض بأعمال ثلاث فنانين من خارج المجموعة ينتمون التيار الفني ذاته. 
كانت له عدة مشاركات المحلية منها:
معرض نوافد في دار الفنون في سنوات 1994- 1996 – 2000.
معرض بمناسبة عقد مؤتمر (البحر المتوسط – أوروبا) أقيم في ذات العماد 2002.
معرض هنيبعل للفنون التشكيلية أقيم في قاعة كنيسة السيدة مريم – المدينة القديمة طرابلس 2003.
معرض أبناء النور لستة فنانين أقيم في دار الفنون 2006.
معرض (أي أحد) ثنائي مع الفنانة أروى أبوعون أقيم في دار الفنون 2008.
وأخيراً معرض الملتقى المتوسطي الأول للفنون التشكيلية بمدينة مصراتة 2017.
أما المعارض الخارجية فهي على النحو التالي:
معرض المشهد التشكيلي الليبي المعاصر في دار ابن خلدون في تونس2003.
مشاركة في بينالى القاهرة الدولي العاشر 2006.
معرض مصاحب للأسبوع الثقافي الليبي في عمان 2010.
معرض هايبر ريال-  hyper real  متحف الفن الحديث فيينا 2010 – 2011.

مقالات ذات علاقة

استطلاع اللغة العربية والذكاء الاصطناعي

رامز رمضان النويصري

الإعلام الليبي بين الانغلاق المحلي والانفتاح العربي

منى بن هيبة

مشهد التشكيل الليبي ومحاولات الانتعاش

منى بن هيبة

اترك تعليق