.
لطالما كنت مرتاباً من لفظة مثقف . ليس ارتياب – غوبلز – الذي يتحسس مسدسه كلما سمعها ولكن ارتياب من يتحسس وعيه . مبرري وجيه وموضح نظرياً وكلما عرضته على مسطرة الحقيقة التي يجحد معلمي الفلسفة الريبية اياهم .أن لها مسطرة أو إنها موجودة أصلاً تأكد لي إن لهذا الارتياب حظاً وافراً من المنطق والصدقية
إذ..هل ثمة خطاً فاصلاً وبوناً ما ، سياسي / اجتماعي / تاريخي بين ( نحن ) المثقفين وبين (هم) الشعب . ( هم ) الأخرين ؟هل الثقافة تصلح هوية . نقطة ارتكاز طبقية ، أو كتيب عائلة يجمع المثقفين معاً ويميزهم عن سواهم ؟
واحد ممن أحترم واري لأرائيهم صوابية عالية وهم قلة (علي أي حال ) في زمن الركمجة والتنطع يقول :هيهات ، بل هيت لك . فالإنسان : أنا . أنت وكل هؤلاء المجتمعين في القاعة بل وكل من تركوا ورائهم خارجها هم أبناء ما نشأوا فيه وعليه . شذبوه أو تركوه أشعثاً مغبراً
فالمثقف : أنا أو ذلك الذي يقف في الصف الأخر مثقفون عضويون ننتمي إنْ بالأصالة أو بحكم قانون (الإملاق والسقوط الطبقي) لما نحن عليه اجتماعيا ومنذ قاعدة ماركس الذهبية تلك والتي بنت لنظرية المعرفة بيتاً يقيها غائلة التفلت والعشوائية : (الوضع الاجتماعي يحدد الوعي الاجتماعي ) وحتى اكتشاف الجينوم البشري والوعي كان بمثابة ترجمة أصيلة وغير محرفة لوضعنا في الخريطة الطبقية
فثمة الرافعي وثمة طه حسين ، ثمت صادق النيهوم وهناك صادق جلال العظم . ثمت نوال السعداوي وهناك حُسن شاه الخ
وإن كنت تريد أن تطرح سؤالاً تردد مراراً هذه الأيام وأُهـْرق حبرٌ كثيرٌ عليه عن دور المثقف في ثورات الربيع العربي فضع في اعتبارك إن مشكاة كشف الإجابة معلقة في سقف صحن السؤال، بل وفي مركزه تماماً
المثقفون موجودون في الثورة وحتى أخر لحظة وإلي ما بعدها ..كانوا موجودين ولعبوا أدواراً فيها لكن ..هل هذه الإجابة كافية ؟
البعض يدعوا كل الآلهة ان تتوقف الإجابة عند هذا الحد وتكون كافية فها هي قد أثبتت له وصلاً بليلي وكفى . طعم هذا الوصل ورائحته ولونه ومداه لا يهم أما البعض الأخر فيرون في نصف الشبع نصف جوع ونصف الإبصار نصف عمى وليس للمسألة علاقة طبعاً بالتفاؤل أو بالتشاؤم ولا بالكلام الدارج عن نصف الكوب الفارغ ونصفه الممتلئ
المثقفون كانوا بالتأكيد موجودين في الثورة ومازالوا .. فمن يستطيع أن ينكر سلفياً كان يدبج الخطب والمقالات حتى 18 – 2-2011 في طاعة ولي الأمر ويري في الثوار خوارج والثورة فساد في الأرض ويخرجه من زمرة المثقفين ؟ ومن له القدرة علي استثناء من كان ركن من أركان الكتيبة الإعلامية للقذافي ويعامله على إنه نكرة ثقافية ؟ وهذا الذي له في كل عرس غناوة وحلة لكل حالة أليس مثقفاً ؟ .
إن ما حدث ورغم الدماء الغزيرة والثمن الباهظ الذي دُفع هو نصف ثورة توقفت عند :(إن وزارة الداخلية تأكلها النيران ) ولذا فلقد أشاعت وشايعت الــــ ( نصف مفهوم عن نصف ما صدق ) نصف أبيض ونصف أسود نصف موقف . قَـَدم في البُور واخري في المبذور وتساوت الرؤوس لا فرز ولا فرازة ، والرؤية التي شكلت وتشكل ،عادة ، خارطة طريق لكل ثورة ، بقت في الربيع العربي حبيسة موضعها بين الصفا والمروة تراوح ولا تبرح . لذلك فأفرحوا ولكن …. نصف فرحة .