الإنترنت (الصورة: عن الشبكة)
المقالة

صراع واقعي داخل فضاء افتراضي

الإنترنت
عن الشبكة

منذ صبانا، أواسط ستينيات القرن العشرين، كنا نسمع عما سيكون عليه العالم مع حلول سنة 2000. ستتغير طبيعة الحياة على وجه الأرض كليا، بفضل المخترعات التكنولوجية المبتكرة التي ستشمل جميع مناحي الحياة اليومية للبشر. مخترعات بعضها كان في خيال البشرية قبل ذلك وبعضها جديد كليا. فمثلما تحققت أحلام البشر في الطيران من تخيل بساط الريح وتركيب الأجنحة إلى اختراع البالونات والمناطيد ثم، أخيرا، الطائرات العملاقة التي تطير فوق السحاب، وتحقق حلمه بالعيش مدة تحت سطح البحر من خلال اختراع معدات الغوص والغواصات، وحلمه بالتواصل الصوتي الفوري مع الآخرين عبر المسافات البعيدة من خلال الهواتف، ستكون قد تحققت مع حلول سنة 2000 منجزات أخرى ما زالت في رحم الخيال.

ربما لم يتحقق كل ما كنا نسمع عنه، فخيال الإنسان أوسع دائما وأرحب من إنجازاته المتحققة، لذا يظل يلاحق طموحاته محققا بذلك التقدم. فأفق الطموحات، مثل الأفق الجغرافي، الوصول إليه محال. ولكن، بالتأكيد، تحققت وثبات نوعية.

لعل أهم هذه الوثبات التي دخلت الحياة اليومية للناس وأحدثت تبدلا هائلا في العلاقات الإنسانية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأوجدت قواعد جديدة في علاقة الشعوب بأنظمتها السياسية الحاكمة، وأحدثت تبدلات هائلة في العلاقات الدولية، هي وثبة اختراع الانترنت… وسنكتفي في هذا المقال بملامسة ما أحدثه الإنترنت في الجانب المرتبط بعلاقة الشعوب بأنظمتها السياسية، وما أحدثه أيضا في جانب العلاقات بين الدول.

أصبح فضاء النت، أو ما يعرف بالفضاء الافتراضي، بما يشكله من مساحة شاسعة للتواصل، امتدادا للفضاء الاجتماعي العام الذي تمارس فيه حرية التعبير. وهذا الفضاء الافتراضي الملحق أتاح فرصا أكبر وأسهل وأعم في ممارسة هذه الحرية.

لكن هذا ينطبق فقط على الدول ذات الأنظمة الديموقراطية القائمة، إلى حد بعيد، على الحريات العامة، وفي القلب منها حرية الرأي. ولا يشمل الدول ذات الأنظمة السياسية الاستبدادية المعادية لحرية الرأي. فالمجال، أو الفضاء العام، في هذه الدول يخلو خلوا تاما أو يكاد، من هذه الممارسة. وبالتالي فالفضاء الافتراضي هنا لا يعد امتدادا، أو مكسبا، مضافا إلى الفضاء العام بل يمثل نقيضه الكامل، حيث تزول القيود التي تفرضها أنظمة الاستبداد على حرية الرأي فتنفلت هذه الأخيرة من قمقمها دون أن تتمكن هذه الأنظمة، بكل تحايلاتها وأساليبها، الناعمة والقمعية، من إعادتها إلى القمقم. وفي هذا السياق معلوم للجميع الدور البالغ الفاعلية الذي لعبه هذا الفضاء في الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية في ما يعرف ببلدان الربيع العربي.

لقد سعت الأنظمة السلطوية، وما زالت تسعى، إلى بسط سيطرتها على ميدان المعركة الافتراضي هذا الذي تدور عليه رحى الحرب بينها وبين المعارضة السياسية من خلال برامج رقابية متطورة على الانترنت في ظل “ضعف عمليات الردع الإلكتروني، وغياب الشفافية، وقدرة المستخدمين على التخفي في الفضاء السيبراني” (1)، أي الفضاء الإلكتروني. وفي هذا الإطار وعلى سبيل المثال، زودت شركة (Amesys) الفرنسية النظام السابق في ليبيا بحزمة (1) من البرامج الفنية تدعى (EGALES) لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت والحيلولة دون مستخدمي الانترنت داخل ليبيا واستخدام برامج البروكسي (برامج كسر الحجب) للدخول إلى المواقع الإلكترونية المحجوبة، إضافة إلى مراقبة الهواتف وبرامج المراسلات الفورية.

لكن الرقابة على الانترنت لا تمارس فقط من قبل أنظمة السلطة الشمولية، وإنما أصبحت تمارس أيضا من قبل الأنظمة الديموقراطية في سياق ما يعرف بمكافحة الإرهاب. فأخذت تمارس “عمليات المراقبة والتجسس على المجال العام السيبراني سواء داخلها أو في بلدان أخرى”(1). فعلى سبيل المثال تقوم وكالة الأمن القومي الأمريكي بالتجسس، بطرق غير قانونية، على مستخدمي الفضاء الإلكتروني داخل أمريكا وخارجها في ما عرف بفضيحة (1) بريزم Prism التي أحدثت أزمة في العلاقات مع أوروبا في 2013(1). كما أنه صار من حق الوكالة قانونيا مطالبة الشركات العاملة في مجال الانترنت، من مثل ياهو وغوغل، بتزويدها ببيانات تتعلق بمستخدمين لها حول العالم.

على صعيد العلاقات الدولية دخل الإنترنت مجال الصراع بين الدول وظهر ما يعرف بـ “الهجمات الإلكترونية” و “الحروب السيبرانية Cyber wars” (2) التي تقوم فيها دولة ما بهجوم إلكتروني على منظومة إلكترونية لدولة أخرى بهدف تعطيل المنشآت التي يتم تشغيلها عن طريق هذه المنظومة. وفي هذا السياق سنكتفي بإيراد مثالين:

في يونيو 2010(3) تمكن فايروس إلكتروني مدمر عرف باسم استَكسنِت (Stuxnet) من اختراق حواسيب ما قدر بأكثر من عشرة مواقع صناعية إيرانية بالغة الحساسية من ضمنها حواسيب في معامل تخصيب اليورانيوم. وقد وجهت إيران التهمة في هذا إلى إسرائيل وأمريكا.

وفي سنة 2014 وصفت أمريكا (2) الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له شركة سوني بكتشرز بأنه إرهاب إلكتروني تمارسه كوريا الشمالة. وقد يَتَكشَّف أن فايروس “الفدية Ransomware) الذي هاجم، يوم الجمعة 12 أبريل 2017، حواسيب مؤسسات في حوالي مئة دولة، هو من فعل دولة ما.

___________________

1- د. ابتسام علي حسين، فرص وقيود الأطراف المتنازعة على”المجال العام السيبراني، في: ملحق مجلة السياسة الدولية “اتجاهات نظرية في تحليل السياسة الدولية”، عدد أبريل 2017، المعنون بـ “الصراع السيبراني”.
2- د. عادل صادق، أنماط “الحرب السيبرانية” وتداعياتها على الأمن العالمي، في: ملحق مجلة السياسة الدولية “اتجاهات نظرية في تحليل السياسة الدولية”، عدد أبريل 2017، المعنون بـ “الصراع السيبراني”.
33- أحمد زكي عثمان، تأثيرات “القدرات السيبرانية” في الصراعات الإقليمية، في: ملحق مجلة السياسة الدولية “اتجاهات نظرية في تحليل السياسة الدولية”، عدد أبريل 2017، المعنون بـ “الصراع السيبراني”.

نشر بموقع بوابة الوسط

مقالات ذات علاقة

خلجات حول الشعر

المهدي الحمروني

فضيلةُ الإزعاج

سعاد سالم

هموم الثقافة الليبية.. بخصوص الأداء الصحيح في تنفيذ اختصاصات كل إدارات ومكاتب وزارة الثقافة والمجتمع المدني الليبية

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق