كم أود أن يترجم هذا الديوان إلى العربية، وهو يحوي القصائد التي مجد بها “جابرييلي دانونزيو” أشهر شعراء إيطاليا في عصره الحملة الإيطالية على ليبيا عام 1911. وقد سألت عارفا باللغة الإيطالية فاقترح أن تكون ترجمة عنوانه :أغنيات لمآثر ما وراء البحار.
وإلى الأستاذ “خليفة التليسي” يعود الفضل في إمدادنا بصورة مجملة عن الشاعر وفلسفته وذلك في فصل من فصول كتابه (رفيق شاعر الوطن). وفيه أخذ على رفيق رثاء “دانونزيو” عام 1938 بقصيدته التي كان مطلعها :
رفرفي في عالم الأرواح أصبحتِ طليقة
في خيال الشعر كم حوّمتِ تبغين الحقيقة.
رأى “التليسي” أن أعلام المدرسة التقليدية عانوا من سطحية العلاقة بالآداب العالمية حين كانوا يتناولون أعلامها دون أن تكون الصلة وثيقة بينهم وبين تلك الآداب .واستشهد برثاء “حافظ إبراهيم” لـ”تولستوي” وقصيدته في “فيكتور هيجو” وتمجيد “شوقي” لذكرى “شكسبير”، واستثنى من تلك المدرسة “خليل مطران”، ورأى أن “رفيقا” بتمثيله لها في شعره لم يسلم من هذه الظاهرة وما كان له أن يسلم.
يقول “التليسي” إن دانونزيو اقتبس فكرة (السوبرمان) من أستاذه “نيتشه” وأضاف إليها شيئا من نفسه ومن البطل كما يبدو في حضارة قومه .ويلخص ملامح السوبرمان “الدانونزوي” بعبادة الطاقة المتسلطة أي القوة التي يفسرها لاحقا برغبة السيطرة والتسلط والحب العنيف والاستهانة بالخطر والقدرة على التفتح على العالم بكافة الأحاسيس والنهم الجنسي وعبادة الجمال.
كما يرى أن من ملامحه البحث عن التقاليد التاريخية للحضارة اللاتينية وعصر النهضة، والرؤية الأرستقراطية للعالم التي تحتقر الجماهير والرعاع والحياة البرلمانية التي تقوم عليها سيطرتهم .
ويقول إن “دانونزيو” عنوان عريض للفترة الممتدة ما بين الانبعاث الإيطالي الحديث وقيام الفاشستية، وإن أفكاره كلها تدور في نطاقها، وإن فكرته كانت تعبيرا عن نفسية الجيل الذي نشأ في أعقاب الوحدة الإيطالية ورأى أحلامه تنهار بمجرد إعلانها الذي لم يحقق شيئا من الآمال الكبيرة .
رسالة من القوة والعظمة تحققها إيطاليا عن طريق المجد الحربي، ونظرة للدولة ترى أنها ليست سوى تركيب متكامل مُهيئاٍ للتطور التاريخي لطبقة مختارة نحو شكل مثالي للوجود. أي حكم القلة أو حكم النخبة الذي تحقق فيما بعد في حكم الفاشيست.
يقول “التليسي” :
” لقد خرج دانونزيو من بلاده ساخطا ناقما داعيا وطنه بالجاحد، ولكنه لم يستطع أن يتخلف عن التجاوب بكل حماسه واندفاعه مع هذه الحملة الإيطالية على ليبيا وطفق يرسل من منفاه قصائد في تمجيد الحملة على ليبيا، ليبيا التي كان يدعوها لاتينية، وقد تكون له من القصائد التي كان ينشرها إبان الحرب ديوان كامل” .
وسوف يحارب دانونزيو بنفسه في الحرب العظمى ويفقد عينه فيها، وهو ما يجعله أنموذجا فريدا من الأدباء الذين استحال فكرهم وحياتهم شيئا واحدا، ويسخر من الفكرة الصبيانية عن الرسالة” الإنسانية” للأدب والفن والفكر.