النقد

ورد مـنـسـي

 

باقة من ورد النثر الجميل، نثرته الشاعرة الليبية مريم سلامة في كتابها النثري “الورد المنسي” الصادر عن مجلس الثقافة العام.

 

في كتابها النثري الجديد، يجوب القارئ داخل ذات حالمة ندية .. تتهجى العالم بعيون أنثى تلمح العالم عبر مرآة العشق لواحد فقط إمتلك ناصية القلب الذي تلهج كل مقطع من مقاطع النصوص النثرية بأهازيج العشق له، من خلال أضمومة باقة نصوص نثرية مضفورة بالشوق واللهفة والوجد لحضور الغائب الذي لم يغب رغم الغياب، الذي تتهجد الشاعرة بالتعبد في محراب عشقه المؤجل.

ربما هو صورة للرجل الحلم الذي ترسم صورته كل امرأة في الكون، كما يشتهيه خيالها حتى لو لم تعثر عليه مطلقا. كما يرسم الرجل صورة لامرأة الحلم التي قد لا تتحقق ابدا على ارض الواقع، وكأن النصوص هي تجسيد لصورة الحلم والاحتفاء به.

الشاعرة مريم سلامة، تأبجد أسطورة الإنتظار الأنثوي لدى المرأة العربية، كما تكتب في هذه المقاطع:

“كن شمسي المشرقة دائما .. كن وجعي .. وانتظرك وعدا بالفرح يجيء”.

“قلب يشكو العطب وإفلاس النهار لا يدرك ما تعنيه بقولك الوقت من ذهب فالوقت لديه من إنتظار”.

“مهما يكن من غيابك بستان لا ينبت فيه الا الشوك. طريق يغطيه الحصى ورمل النار، شريان من وجع يتدفق في جسد مضه الانتظار”.

تتراصف النصوص بقلم الشاعرة التي تنتقي الكلمات المجدولة من بياض الصفاء الجميل الزاخرة به روح شاعرة عذبة تتقافز بداخلها طفلة ترسم العالم بمداد النقاء الجميل في نصوص متناثرة تمنح قارئها احساس بأنه يجوب بحديقة متشكلة من الزهور المختلفة الالوان ويرفل رفقة نصوص تتسلل بهدوئها المنساب في نفس المتلقي المنتشي بثمار الوجد للآخر المرسوم على مقاس الحلم المسيج في دوواينها النثرية السابقة:

“لا شيء سوى الحلم” و “أحلام طفلة سجينة” و “معجم الحمامة”، فهي كعادتها في نصوصها الشعرية تركن إلى الأسلوب الهادئ الشفاف في الكتابة، فلغتها لا تحمل تعابير متفجرة أو شرسة في دلالاتها كما إنها تخلو من الحسية أو الإيروتيكية التي تعبق بها النصوص الجديدة لكتابة الشاعرات العربيات، وإنما تنحو لغتها إلى الهدوء الحالم السلس كما في دواووينها النثرية السابقة.

ليكون الإنتظار هو سيد الكلمات في كتابها النثري الرابع “الورد المنسي”، ولكنه ليس انتظار معطوب، إنه إنتظار المتأكدة من مجيء الحلم الذي رسمت صورته في خيالها مهما طال الأمد او الزمن او الوقت لذا لوحات النصوص النثرية موشاة بكلمات ليس فيه تبرم او غضب او يأس من حلوله القادم لا ريب.

“الوقت كله في قبضتي شجرة وارفة من عشق وشوق وأرق وقلق يفييء ظلالها إنتظاري”.

الشاعرة في ديوانها “الورد المنسي” تحتفل بالحلم، العشق، الشوق، عبر عشق صوفي روحاني جميل يتسلل بنصوصها المتسربلة بالهدوء الحالم وبعبق بروح باذخة العطاء باذخة في العشق والاحتراق في نار الانتظار الذي لا يحرقها وانما يلهب إصرارها على مزيد من العشق والتفاني في محبة الآخر المختفي في سرمد الكون والذي سطرت له اجمل النصوص في ديوانها الأنيق الجميل، فتمطر نصوصها حبا وانتظارا واشتياقا وولعا ووجدا ملائكيا غامرا. أليست هي االكائن الشعري الجميل الذي لا شيء لديها “سوى الحلم”؟ تقول في مقطع نثري في الكتاب:

“من ولد” و “لا شيء سوى الحلم” لديه يفضل أن يموت غرقا في نهر أحلامه على أن يموت عطشا في واقعه”.

فالشاعرة وهي تفتح باب الإنتظار على الحلم متهجدة العشق عبر نصوص وامضة ونصوص تحليلية تقرأ أيضا الكون بعيون الروح والعقل، وتعلو الذات على كل نوازعها البشرية لتحلق في حب صوفي للآخر عاشق له لأنه أهل للحب كما تقول الشاعرة في هذا المقطع:

“الصلاة سكن في اقترابنا من الله .. اقتراب من صفاء الرؤية نزهة المشاعر .. حنية اليد .. كرم العطاء .. نمو العلاقة مع الآخر حاضرا وغائبا والحب أولا وأخيرا، لذلك نجد المبرر لقسوة الآخرين لذلك لا يسبق سوء الظن حسنه لذلك نحب ولا ننتظر المكافأة فالمكافأة هي قدرتنا على الحب”.

عبر هذا الفناء في الآخر المعشوق تكون الشاعرة مريم سلامة بجدارة شاعرة الحلم والإنتظار الطويل والعشق الملائكي الذي عطرت به روح قارئها عبر كتابها “الورد المنسي”، الذي أبدا لم يكن منسيا، إنما أينع وفاح عطره الجميل من خلال إصدار نثري شعري رقيق كروح كاتبته.

مقالات ذات علاقة

القـصة القـصيرة في ليـبـيا

المشرف العام

القصة الليبية أي بداية ؟!

سالم العبار

أطروحات فلسفية في رواية (من أنت أيها الملاك) للروائي ابراهيم الكوني

المشرف العام

اترك تعليق