الشاعرة بدرية الأشهب.
تراث

نقطة ضعف للشَّاعِرَةِ بدريَّة الأشهب (1 / 2)

الشاعرة بدرية الأشهب.

 

تَعَلُّقُ الحبيبِ بمحبوبِهِ يجعلُهُ يَقْبَلُ أخطاءَ معشوقِهِ، ويرضى بعيوبِهِ، بل قد يرى المُحِبُّ عيبَ حبيبهِ صوابًا؛ إذ لديه من محاسنِهِ شفعاءُ مُشَفَّعُونَ، ألم يُعْلِنْ محمَّدٌ ابنُ نباتةَ المصريُّ ذلكَ حينَ قالَ:

دَعْ مَنْ شَفِيعٍ صُحْبَةً مَا أَذْنَبَتْ وَاهْنَأْ بِمَحْبُوبِ الْجَمَالِ بَدِيعِ

وَإِذَا الْحَبِيبُ أَتَى بِذَنْبٍ وَاحِدٍ جَاءَتْ مَحَاسِنُهُ بِأَلْفِ شَفِيعِ

وَقُوَّةُ الْعَاشِقِ الْحَقِيقِيِّ قد تَتَفتَّتُ عَلَى صَخْرَةِ دَلالِ الْحَبِيبِ الْمُبَالَغِ فِيهِ، فَتَتَحَوَّلُ إِلَى ضَعْفٍ، يَقُولُ الشَّاعِرُ مُحَمَّدُ الصَّنَوَبَرِيُّ:

تَجَاوَزَ مَا أَلْقَى فَقَدْ جَاوَزَ الْحَدَّا وَكَانَ الْهَوَى مَزْحًا فَصَارَ الْهَوَى جِدَّا

وَقَدْ كُنْتُ جَلْدًا ثُمَّ أَوْهَنَنِي الْهَوَى وَهَذَا الْهَوَى مَا زَالَ يَسْتَوْهِنُ الجَلْدَا

فَلا تَعْجَبِي مِنْ غُلْبِ ضَعفِكِ قُوَّتِي فَكَمْ مِنْ ظِبَاءٍ فِي الْهَوَى غَلَبَتْ أُسْدَا

غَلَبْتُمْ عَلَى قَلْبِي فَصِرْتُمْ أَحَقَّ بِي وَأَمْلَكَ لِي مِنِّي، فَصِرْتُ لَكُمْ عَبْدَا

جَرَى حُبُّكُمْ مَجْرَى حَيَاتِي فَفَقْدُكُمُ كَفَقْدِ حَيَاتِي لَا رَأَيْتُ لَكُمْ فَقْدَا

ويقولُ سبط ابن التعاويذي:

إِنْ قُلتُ جُرتَ عَلى ضَعْفِي يَقُولُ: مَتَى كَانَ المُحِبُّ مِنَ المَحبوبِ مُنتَصِفا

أَو قُلتُ أَتلَفْتَ رُوحِي قَالَ لَا عَجَبٌ مِن ذَاقَ طَعمَ الهَوَى يَوْمًا وَمَا تَلِفَا

إِنْ أَنكَرَتْ مِن دَمي عَيْنَاهُ مَا سَفَكَتْ فَقَد أَقَرَّ بِهِ خَدَّاهُ وَاعْتَرَفَا

مَا قُلتُمُ الغُصْنُ مَيَّالٌ وَمُنعَطِفٌ فَكَيْفَ مَالَ عَلَى ضَعْفِي وَمَا عَطَفَا

وتقولُ الشَّاعِرةُ بدريَّةُ الأشهب في قصيدتِهَا نُقْطَةِ ضعفٍ:

قَادِرْ تْعذِّبني وقادرْ تعفي عارف غرامك هُوّْ نَقْطَةْ ضَعْفِي

(نُقْطَةُ ضَعْفٍ) عُنْوَانُ القصيدَةِ الَّتِي أَسْمَتْ بِهَا الشَّاعِرَةُ بدريَّةُ الأشهب ديوانَهَا الأوَّلَ – والقصيدَةُ برومانسيَّاتِهَا العاليَةِ تُعَدُّ نُقْطَةَ قُوَّةٍ لا ضَعْفًا في الرَّصِيدِ الشِّعْرِيِّ الغزيرِ للشَّاعِرَةِ الْمُجَدِّدَةِ، ودليلاً على قُوَّةَ شِعْرِهَا وَحَسَاسِيَّتِهَا وَرِقَّةَ مَشَاعِرِهَا، فَالقصيدَةُ تَحْمِلُ شَجَنًا آسِرًا، وتختزلُ عَاطِفَةً دَفَّاقَةً، وتبوحُ بمكنونَاتِ نَفْسٍ حَرَّى، كما أنَّها تُنْبِئُ بِأَحَاسِيسَ مُرْهَفَةٍ، تُلامِسُ كَلِمَاتُهَا شِغَافَ القُلُببِ، وَتَسْرِي إِلَى الأَعْمَاقِ بِسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ؛ تَقُولُ الشَّاعِرةُ بدريَّةُ الأشهب في قصيدتِهَا نُقْطَةِ ضعفٍ:

قادر تعذِّبني وقادر تعفي عارف غرامك هوّ نقطة ضعفي

اتخشّْ مداري اتغيِّر قراراتي وْخَطّْ مساريى

تعترفُ الشَّاعِرَةُ للآخرِ/ المحبوبِ، بمقدَرتِهِ على التَّلَاعُبِ بعواطِفِهَا كيفَ يَشَاءُ، ومتى يَشَاءُ، فَالحُبُّ خَوَّلَهُ هذا العَبَثَ، وسوَّغَ لَهُ هذا الجُنُونَ، بعدَ أن تغلغلت محبَّتهُ في قلبِها حدَّ الولهِ، فأدركَ أَنَّ غرامَهَا بِهِ هُوَ نقطةُ ضعفِهَا الكبرى، وَهِيَامَهَا بِهِ يجعلُهَا تصفحُ عن قساوتِهِ، فَيَقْتَحِمُ مَدَارَهَا، وَيَغُورُ في عَوَالِمهَا بتأشيرَةِ الهوى، مستخْدِمًا مُؤهِّلاتِ الهوى لتغييرِ قراراتِهَا، وتبديلِ مَسَارِ حَيَاتِهَا، معَ إمكانيَّةِ إن يشعلَ كونَهَا حرائقَ هائلَةً، وأن يطفئَهَا بجهدٍ أَقَلَّ .. تقولُ:

اتخشّْ مــــــــــــــــــــداري ** اتغيِّر قراراتي وْخَطّْ مساري

قادر اتطفِّيني وتشعل ناري ** يذوب قلب فوق صدر اللَّيَالي مكفي”

هل بإمكانِكَم أن تَتَصَوَّرُوا قلبًا يذوبُ منكفئًا فوقَ صدرِ اللَّيَالي ..!؟ ذلكَ الانكفاءُ الكسيرُ، وذيَّاكَ الذَّوَبَانُ الممكنُ لقلبِ العاشقِةِ، بسببِ عبثيَّةِ سَاكِنِهِ الحبيبِ الَّذِي يُخْفِي أَشْوَاقَهَ، بينما ترصدُ عينَاهُ خطواتِهَا وأخبارَهَا، ويتجاهلُهُا مُكَابرًا حين يحاذيها بكتفِهِ، ثمَّ يَمعنُ في قسوتِهِ مُتَلَاعِبًا بعواطِفِهَا، يلهو بكتَابِ أشعارِهَا، ويُظْهِرُ مودَّتَهُ لغيرِها كطفلٍ عَابِثٍ؛ ثمَّ ما يَلْبَثُ أن يَشْرَعَ في البَكَاءِ مُمْسِكًا بطرفِهَا إذا ما ابتعدَتْ عنهُ:

قادر اتْحدِّد وجهتي وأسفاري ** تجرح وْبكلمة حنونة تشفي

تحسب ليالي الشَّوْق في انتظاري ** وإن قابلتني شوق اللَّيَالِي تخفي

ترصد عْيونَكْ خطوتي وأخباري ** تِجَّاهل وهو كتفك امْحاذي كتفي

أنت طفل يعبث في كْتاب أشعاري ** يسيبْ دَفترهْ ويجي يخربش كَفِّي

يضحك مْعَ غيري يْجيب سهاري ** وين نبتعد يبكي ويمسك طرفي

وبعدَ هذِهِ العذاباتِ التي يراكمُهَا المحببوبُ الجاني على تخومِ قلبِهَا المحِبِّ، وعلى أعتابِ روحِها المستهامةِ، وإِزَاءَ هذا الجنونِ الذي يقترفُهُ العَاشِقُ المتدلِّلُ ، المكَابِرُ، الجَائِرُ في محبَّتَهِ، المستمتعِ بتعذيبِ محبوبَتهِ، السَّادِيُّ إلى حَدٍّ لا يُطَاقُ، العَابِثُ إلى درجَةٍ لا تُحْتَمَلُ، هذا الحَبِيبُ المغامِرُ بِحبِّهَا، اللَّاعبُ بِأَشْوَاقِها، الْمِسْتَخِفُّ بِعَوَاطِفِهَا الْمُسْتَعِرَةِ، قد يَغْدُو بَلْسَمًا شَافِيًا لِجِرَاحِهَا، جراحِ الرُّوحِ والقلبِ:

مرَّة تكون البلســـــــــــــــــــــم ** جرحي وعذاباتي بْكلمة تحسم

ومرَّات غامض في غمُوض الطلسم ** تضيع أبجديَّاتي ويعجز حرفي

وهذا الحبيبُ المتقلِّبُ الغامِضُ مثلُ طُلْسمِ يرسمُ لها دُرُوبًا شائكَةً سَتُفِضِي إلى نهايَةٍ مُؤْسِفَةٍ؛ فتصديقُهَا لَهُ حينَ يأتيها مُقْسِمًا يورِدُهَا مَنَاهِلَ للسَّرَابِ الكذوبِ، للرَّجَاءِ القَتُولِ، فلا تَشْرَبُ إِلاَّ من كؤوسِ نزفِهَا أَسَفًا وَحَسْرَةً وَخِذْلَانَا:

بيديك فوق صفحَةْ أيَّامي ترسم ** دْروب شايكة فيها نلاقي حتفي

ونصدَّقك ساعة تجيني تقسم ** نورد ونشرب من مناهل نزفي

فهو- إذًا – يُقْسِمُ لها على وُعُودٍ كَاِذبَةٍ، لِتَرِدَ ظَمْأَى مَنَاهِلَ وعودِهِ المعَسْولَةِ، فإذا بها تكتشفُ سرابَهَا ونضوبَها، لِتَشْرَبَ بعد رحلِةِ العذابِ هذهِ من نزفِ جراحِها؛ ومع هذا تظلُّ ضَعِيفَةً أَمَامَ حُبِّهَا الصَّادِقِ الجارفِ لَهُ، بينما يَظَلُّ مُمْعِنًا في عَبَثِهِ بِمَشَاعِرِهَا وأحاسيسِهَا إِلَى مَالا نِهَايَةٍ ..! عُبِ بعواطِفِهَا كيفَ يَشَاءُ، ومتى يَشَاءُ، فَالحُبُّ خَوَّلَهُ هذا العَبَثَ، وسوَّغَ لَهُ هذا الجُنُونَ، بعدَ أن تغلغلت محبَّتهُ في قلبِها حدَّ الولهِ، فأدركَ أَنَّ غرامَهَا بِهِ هُوَ نقطةُ ضعفِهَا الكبرى، وَهِيَامَهَا بِهِ يجعلُهَا تصفحُ عن قساوتِهِ، فَيَقْتَحِمُ مَدَارَهَا، وَيَغُورُ في عَوَالِمهَا بتأشيرَةِ الهوى، مستخْدِمًا مُؤهِّلاتِ الهوى لتغييرِ قراراتِهَا، وتبديلِ مَسَارِ حَيَاتِهَا، معَ إمكانيَّةِ إن يشعلَ كونَهَا حرائقَ هائلَةً، وأن يطفئَهَا بجهدٍ أَقَلَّ .. تقولُ:

اتخشّْ مــــــــــــــــــــداري ** اتغيِّر قراراتي وْخَطّْ مساري

قادر اتطفِّيني وتشعل ناري يذوب قلب فوق صدر اللَّيَالي مكفي

هل بإمكانِكَم أن تَتَصَوَّرُوا قلبًا يذوبُ منكفئًا فوقَ صدرِ اللَّيَالي ..!؟ ذلكَ الانكفاءُ الكسيرُ، وذيَّاكَ الذَّوَبَانُ الممكنُ لقلبِ العاشقِةِ، بسببِ عبثيَّةِ سَاكِنِهِ الحبيبِ الَّذِي يُخْفِي أَشْوَاقَهَ، بينما ترصدُ عينَاهُ خطواتِهَا وأخبارَهَا، ويتجاهلُهُا مُكَابرًا حين يحاذيها بكتفِهِ، ثمَّ يَمعنُ في قسوتِهِ مُتَلَاعِبًا بعواطِفِهَا، يلهو بكتَابِ أشعارِهَا، ويُظْهِرُ مودَّتَهُ لغيرِها كطفلٍ عَابِثٍ؛ ثمَّ ما يَلْبَثُ أن يَشْرَعَ في البَكَاءِ مُمْسِكًا بطرفِهَا إذا ما ابتعدَتْ عنهُ:

قادر اتْحدِّد وجهتي وأسفاري تجرح وْبكلمة حنونة تشفي

تحسب ليالي الشَّوْق في انتظاري وإن قابلتني شوق اللَّيَالِي تخفي

ترصد عْيونَكْ خطوتي وأخباري تِجَّاهل وهو كتفك امْحاذي كتفي

أنت طفل يعبث في كْتاب أشعاري يسيبْ دَفترهْ ويجي يخربش كَفِّي

يضحك مْعَ غيري يْجيب سهاري وين نبتعد يبكي ويمسك طرفي

وبعدَ هذِهِ العذاباتِ التي يراكمُهَا المحببوبُ الجاني على تخومِ قلبِهَا المحِبِّ، وعلى أعتابِ روحِها المستهامةِ، وإِزَاءَ هذا الجنونِ الذي يقترفُهُ العَاشِقُ المتدلِّلُ ، المكَابِرُ، الجَائِرُ في محبَّتَهِ، المستمتعِ بتعذيبِ محبوبَتهِ، السَّادِيُّ إلى حَدٍّ لا يُطَاقُ، العَابِثُ إلى درجَةٍ لا تُحْتَمَلُ، هذا الحَبِيبُ المغامِرُ بِحبِّهَا، اللَّاعبُ بِأَشْوَاقِها، الْمِسْتَخِفُّ بِعَوَاطِفِهَا الْمُسْتَعِرَةِ، قد يَغْدُو بَلْسَمًا شَافِيًا لِجِرَاحِهَا، جراحِ الرُّوحِ والقلبِ:

مرَّة تكون البلســـــــــــــــــــــم ** جرحي وعذاباتي بْكلمة تحسم

ومرَّات غامض في غمُوض الطلسم ** تضيع أبجديَّاتي ويعجز حرفي

وهذا الحبيبُ المتقلِّبُ الغامِضُ مثلُ طُلْسمِ يرسمُ لها دُرُوبًا شائكَةً سَتُفِضِي إلى نهايَةٍ مُؤْسِفَةٍ؛ فتصديقُهَا لَهُ حينَ يأتيها مُقْسِمًا يورِدُهَا مَنَاهِلَ للسَّرَابِ الكذوبِ، للرَّجَاءِ القَتُولِ، فلا تَشْرَبُ إِلاَّ من كؤوسِ نزفِهَا أَسَفًا وَحَسْرَةً وَخِذْلَانَا:

بيديك فوق صفحَةْ أيَّامي ترسم ** دْروب شايكة فيها نلاقي حتفي

ونصدَّقك ساعة تجيني تقسم ** نورد ونشرب من مناهل نزفي

فهو- إذًا – يُقْسِمُ لها على وُعُودٍ كَاِذبَةٍ، لِتَرِدَ ظَمْأَى مَنَاهِلَ وعودِهِ المعَسْولَةِ، فإذا بها تكتشفُ سرابَهَا ونضوبَها، لِتَشْرَبَ بعد رحلِةِ العذابِ هذهِ من نزفِ جراحِها؛ ومع هذا تظلُّ ضَعِيفَةً أَمَامَ حُبِّهَا الصَّادِقِ الجارفِ لَهُ، بينما يَظَلُّ مُمْعِنًا في عَبَثِهِ بِمَشَاعِرِهَا وأحاسيسِهَا إِلَى مَالا نِهَايَةٍ ..!

________________________

من مخطوط كتابي #فِي_رِحَابِ_قَصِيدَةٍ : قِرَاءَاتٌ فِي قَصَائِدِ شَعْبِيَّةٍ.

مقالات ذات علاقة

خرابين يا وطن

المشرف العام

كيف حال الوقت يا بن دله

نورالدين سعيد

يا انـظـــار

المشرف العام

اترك تعليق