كانت الصحف العربية تحتفل بليلى بعلبكي وروايتها المتمردة وتسمي كاتبات جيلها ذوات الاظافر الطويلة تعبيرا عن تمزيقهن الستر فالكتابة تلك كانت كما بوح بصوت عالي وكنت حينها يافعا تشده الانفاس الحارة للادب النسائي كما عرف ما تكتبه المرأة وحينها الحركة النسوية من أيقونات ثورة الستينيات التي جاءت كتمرد طليعي يستهدف انعتاق البشر وخاصة النساء وفي ليبيا استهلك جيل الرائدات: خديجة الجهمي صوت تحرير المراة لقد كان الميني جيب أي سفور الجسد وليس الوجه فحسب هو ايقونة تمرد نسوي وأفصح عن نفسه في شوارع المدن وفي السفر وزخرت الصحف الليبية بأسماء نساء يكتبن خواطر وصور قلمية…
الكثير من تلك الاسماء غابت لكن البعض منهن لم يشكلن كتابة نسوية متمردة فحسب بل شاركن في جعل قضية المرأة قضية مجتمعية المرأة التي ترشق سيجارتها وأفخاذها عارية تكون غلاف مجلة المرأة المذيعة والمهندسة والطبية الأولى وطالبة الجامعة من تذهب في بعثة دراسية الى امريكا فلا تعود، تحتفظ بألبومات البيتلز بلغة لا تفقه حتى ابجدها، وتتاوه مع عبد الحليم حافظ وتسهر الليالي لكي تكتب لأول مرة رسالة حبها الأول…
كنت آنذاك مشدودا الى مسألة تحرير المرأة من خلال ذوات الاظافر الطويلة كاتبات أدب البوح الرومانتيكي حين طالعت مرضية النعاس كصحفية وكاتبة لأول رواية ليبية تكتبها امراة لما طالعت ما تكتب مرضية النعاس عرفت انها مع مطلع الستينيات جاءت الكتابة من التدريس، كانت من جيل الستينات المتمرد الذي بث دماء جديدة وطليعية في حينها في مجلة المراة التي أسستها وترأس تحريرها السيدة خديجة الجهمي، لكن مرضية بدات في الصحف السيارة كمشاغبة تتميز بأناقة وآنفة تتعارض في الظاهر مع حالة التمرد الستينية…
كانت روايتها الأولى ستظهر مسلسلة في مجلة المراة مما سيجعل منها الروائية الليبية الاولى والريادة أيضا فن من فنون التمرد، الدخول في تجربة مغايرة، والتطرق للتجديد والانزياح عن المعتاد ليس بمقدرة إلا الاستثنائي ما كلن يعني عند باحثي المرحلة الطليعية والتحديث، مرضية النعاس من ساهمت في تشكيل وجداني وروح التمرد في نفوسنا سأعرفها كزميلة صحفية في المنتصف الثاني من عقد سبعينات القرن الماضي وسأعرف فيها الروح التي تتمنطق بروح التمرد ضد الادعاء والتملق وتنأى عن هرج الاضواء…
الغريب ان ما عُرفت مرضية النعاس فيه هو ما عرفت به الرائدة اللبنانية ليلى بعلبكي كأنما الريادة اشتراح من جسد الروح الأبية التي كانها من أوليمب تأتي لتعود في عجل بعد ان تفتح الأبواب، لم تكن كمبدعة تؤلي جهدا وتلتفت كثيرا لما فعلت، وقد يكون اسم رواية لها: المظروف الأزرق، يختزل المسألة فالمظروف الازرق ظهر لحظتها كأيقونة للمراهقة الخجول التي تودع روحها الوجلة في رسالة لحبيبها المفترض، هذا المظروف الأزرق كما روايتها رسالة روح رومانتيكية متمردة وجلة ومرتبكة، وهذا ما فعلته هذه الروح في النفوس، لقد نفضت عنها غبار الاعتياد وبهذا هزت نفوس النساء المستكينات لما اعتدن…
كانت روية مرضية النعاس كبنت تتأبط كراريسها المدرسية وقرون شعرها تداعب صدرها النافر، هذا النافر هو الروح التي استنطقتها مرضية النعاس في اللحظة التي اسمها: الجيل الصاعد ما عرف في الغرب بجيل الغضب، مرضية النعاس ابنة ما بعد الحرب التي في الغرب نظرت الى الخلف بغضب وفي الشرق الى الامام بزهو، المبالغة والتبسيط وسم التجربة لكنها الروح المتوثبة استطاعت ان تجعل من القصور الظاهر مشكل الحرية، كانت كتابات مرضية كما مذكرات تلميذة تبحث في العلم عن الحرية بمعناها الأنساني الأبسط: التعبير عن الذات او الفردانية بالمعنى الفلسفي ما لم يكن في حسبانها…
وكما دعي الصادق النيهوم لحظتها بالهيبي الليبي فيلسوف التمرد كانت مرضية هيبية بمعنى متمردة دون قصد بيّن فما تكتب ليس مبحث في الحرية ما تكتب هو الحرية… التلميذة التي تتأبط كراريسها المدرسية وتتهادى في الشارع سافرة كالشمس وخيود شعرها الفاحم تطيره الرياح حيث شاءت… مرضية النعاس مظروف أزرق قذفته ريح عاتية منقبة بغيوم سوداء الى الظل، الظل شغفها الأول ومطلع الروح…
____________________
نشر بموقع ليبيا المستقبل