من اعمال التشكيلي الليبي .. علي العباني
شعر

سحابة تسبحُ في البحر، سمكة تحلقُ في السماء

من اعمال التشكيلي الليبي .. علي العباني
من اعمال التشكيلي الليبي .. علي العباني

ليس إلاّ موجٌ يرتجف.

سيصلُ الزورقُ، سيَعْلق ثانيةً في مشيمته الأولى.

السماءُ تمارس طقسها اليومي:

تمدّ سُرج النورِ من وراء أستار،

تضع قدمها في حوض ماءٍ كبيرٍ-نسمّيه البحر-.

الظِلُّ خيّاطُ شَجن، الحكاياتُ نزلتْ قاع البحر.

الراوي يسكنُ الظلَّ يسكنُ الماءَ ويسكنُ سعفَ النخيلِ.

 

*

أيها المسرنم في عروق الحجر،

آن أن ترفع صوتك بالأغنية.

أكلُّ هذا الحصى حاشيتك؟!

 

*

الحصى ليلكٌ برّي.

الحصى ربطات عنق الموظفين الجدد.

الحصى غابة رغبات، الحصى بيتُ دعوات.

الحصى ناعم كبطون سحالي الصحراء.

الحصى عازفٌ شاردٌ.

 

*

بطيئةٌ وحذرةٌ تقتربُ يدُ الغريب من لحافِ البحر.

الماء حصيرة الفقيه.

اليرقات خرجت توّاً بين سيقان الأعشاب،

تراشقت بالماء،

انهمرت من ظهورها الضحكات.

 

*

جاء الحوتُ، جاءت القناديلُ.

 

*

اقذف عباءتك عالياً يا بحرُ!

خطواتك خائفة.

تقترب يد الصيّاد،

والشمسُ ترسل زفراتها عميقاً في الظلمات.

 

*

كانت استلقاءة القطّ على الشاطئ

من باب العادة وليس لأنه يتدرب

على أسلوب جديدٍ للموت.

 

*

تحسّسَ جرحَ الحجر

جلس صامتاً مطأطأ الرأس.

 

*

سأفعل ما أقدر عليه،

الركض خلف القصيدة المستحيلة.

 

*

إصبعُ الجبل شقَّ عين الشمس وبطن البحر:

في الماء، في بقعة الضوء،

على امتداد شجرة النخيل المقوّسة،

تماماً هناك.

 

*

ما أشدّ

لمعان خطوط الحزن الصفراء

في عباءة الشيخ!

يجيء الفجرُ.

تجيء المياهُ.

تمسحُ ضغينةَ الحجارة الملساء.

 

 

*

مكانُ كلّ حصاة على الشاطئ تحدّدُه نباهةُ القرصان.

أوّاه يا زهرة الليلك، كيف تركتُكِ بين حجرين في صبراتة؟!!

أيّ كائنات تلوّح بيدها من قلب الألمْ!

أيّ بوادي تمتدّ أمام أقدامي المغروسة في الشكّ!

أيّ ظلال تعبثُ بسكينتي!

 

*

ادفعي بحجارتك إليّ

يا سماء.

انظري في عينيّ مباشرة،

لا تشيحي بوجهك.

لم أنته منكِ بعد!!

 

*

أدُبٌّ يستريح أم زائرٌ متعبٌ؟!!

محض حجارة، كسرت سيوفَها الأمواجُ.

تنهض مثلنا وقت مجيء الشمس،

ترتب ثيابها وترمي همومها في البحر.

بعضها يركب دراجات هوائية،

بعضها ينظّم حركة السير المزدحمة،

بعضها يتسكّع سكران في الأزقّة والشوارع.

 

*

يا لخيبة القواقع!

لن ترى البحر في حياتها.

قريباً سترمي الريحُ الصخرةَ العاليةَ في الماء

وهي تضحك هههههههههه.

 

*

أبيضّ عشبُ البحر، صار مستعداً للموت.

المسافر قبل أن يرحل رسم نفسه على الحجر ونصفَ قطيعه.

المسافر قبل أن يرحل ترك عيناً على الحجر.

 

 

*

هذي ليست بقعاً خلفتها قبائل الطحلب الذهبي!

هؤلاء جنودٌ لا يستريحون ليلاً ولا نهاراً

حتى يعود الفُلك وتعتدل الأفلاك في قلادة الربّ.

لن ينزف جرحك يا حجرُ!

 

*

في الليل،

في عتمته الكالحة:

يقف اللصوصُ على قمم الأجراف الحادّة

يقذفون في البحر ما يقذفون!!

تسبقهم الظلالُ إلى الماء.

تلهث وهي تسمعُ الأغاني قادمة من البيت

في أعلى الربوة، هناك.

الحمَامات المتعبةُ تحضنها ساعة الغروب.

لا شكوى،لا ضجيج!

كأنّها أخفّ من خاطرة!

الصخرةُ البيضاءُ قبالة البحر.

 

*

البحرُ النسّاج، يأخذ ما يشاء من خيوط الشمس

وما يشاء من خيوط الماء.

يصنع غلالة الروح.

يا بحرُ

خُذْ قبضةً من أثر النورس.

بعثرْ النارَ على الماء.

 

*

جفن الماء العلوي ساكن لا حراك.

جفن الماء السفلي فراشات، عرائس بحر،

جنودٌ يتقاتلون بشراسة، غمامٌ وبرقٌ يكشع و……..

ذيلُ الحمامة يطفو على الماء.

هي، سلطعونات المدّ العالي

وبيت الغراب الصبور.

 

*

مدارج الشاطئ تعلو الماء.

تخبيء يرقات الله.

سحبٌ ترقبُ خلف التلال.

 

*

بين الحجر والحجر

سمكة، ستارة، منحدرٌ،

ونافذةٌ,

هفوات الصخر تنزل دافئة حنونة.

الشاعر صاحب القرط الذهبي

يطيّرُ القصائد الرخوة

أمام الجالسين الضاحكين.

هو،

خطٌّ،

دربٌ

يقودُ إلى حلبة الرقص.

لن تتوه!

*

ما الذي يتركه المدّ على الشاطئ عند منتصف الليل؟

ما لا أحد رأى ولا أحد سمع!!

هذا الماء وهذه الصلاة أبدية قلقة!

يتقشّرُ الصخرُ جسداً خائفاً.

جسداً قتله المرتزقة المسلّحون.

 

في الليل الساكن

تطوي السلالم الصدئة درجاتها

وتدخل الماء.

ما الذي يتركه المدّ على الشاطئ عند منتصف النهار؟

أطفالٌ يتراشقون بالماء،

سمواتٌ سبع،

وأراضين سبع.

 

 

*

آن له أن يستريح.

يضع رأسه على الحجر،

يتابع السلطعونات

في عبورها الأبدي نحو الماء.

 

*

الحجرُ الأسدُ يقلّبُ كفيّه في الماء.

صيدٌ شحيحٌ!

الأمواجُ أصابعُ.

تخبرنا عن سريرة الماء.

 

*

بلمسة إصبعٍ،

بمسحة فرح.

يصنع المسافر الغريب،

طريقاً يوصل إلى الكائنات.

“اقترب يا غريبُ.

لا تخف يا غريبُ.

أضع أمامك عباءتي طريقاً”

قال الحجر الأملس.

 

*

موجة تتبع موجة

كما تتبع الضحكة الضحكة.

كما يتبع الحزن الحزن.

*

للبحر أيضاً قطعانه من الماشية الحجرية.

ألم تروا رغوة حليبها؟!!

الليلُ جنرالٌ يستريح

يستعيد أغاني الأعراس القديمة.

 

*

النهارُ كعكة شوكولاتة قرفة.

 

*

إيه، أيتها القرية البعيدة.

حمرة رمّانك تلسع عينيّ

ورائحة نعناعك

أفقدتني الطريق إلى قلبي!

 

*

ليس ماءٌ يفور

ما ترون حول الصخرة في البحر!

بل عرسٌ ورقصٌ.

أكلّ هذا الصباح لي؟!

 

كنتُ بائع فستق في القرى البعيدة،.

كنتُ عازف ناي بارع.

في آخر الليل لا أعزف إلا نهاوند.

 

خيباتي حين تفيض

أدسّها في حويصلات بحجم عقلة الإصبع،

تسمونها أنتم محاراً وأصدافاً، تتّخذون منها الحلي.

ما كنتم تفعلون لولا خيباتي؟!

 

*

من شقّ في الرمل المبلول

يخرجُ عشبٌ أخضر ٌكراحة الوليّ.

رأيته يمسك بقرون السلطعونات

تجرّه إلى الماء جرّاً خفيفاً.

 

*

أصاعدٌ أنت أم تسقطُ على مهل يا رجلُ.

 

*

وحكى أحدُ الذين نجو: قال بعضنا هذا بحرٌ غاضب، قال آخرون، هذا غواية شيطان رجيم، لم أصدق أحداً منهم. فأنا لم أرَ غير نهر رملٍ أوّلُه يفتكُ بآخره، في أثوابه تصطكّ رياحٌ، في ذؤابة شَعره يضيءُ وهمٌ، وبين جذوع أشجاره تتقلّب القلوبُ والأبصار. الذي أنقذني من التّيه، أني أغمضتُ عينيّ وتركتُ الرملَ يقودني إلى حيث يريد. وها أنذا الآن بينكم أتكلّم وأبكي.

*

الرمل قلبٌ.

جانبٌ أملسٌ

فيه روضة من رياض الجنة.

وجانبٌ متعرجٌ

فيه أيضاً روضة من رياض الجنة.

 

*

قَوْلي رملٌ.

لحني رملٌ.

ياقة قميصي رملٌ.

 

*

بضع حجارة وبضع حكايات

ما يجعل البحر مفتوناً بنفسه.

 

*

جيوب في البحر.

جيوب في رمل الشطِّ

وجيوب في ثوب المرأة.

 

*

مثلنا يسكر البحر.

مثلنا يرفع كأسه عالياً.

مثلنا يجيش الفؤاد بالشجن

ويبكي.

 

*

السحب التي في السماء

هي السحب التي في الماء.

 

*

الحجارة المدوّرة

سكرى

لا ترهقوها بالأسئلة.

*

مطر يسقط على الأرض

يرتدي عباءةً برتقالية؟!

 

*

صيف الحجارة

مكتوب في اللوح المحفوظ.

 

*

لا تستوحش طريق الغرباء،

هو من هناك

وإلى هناك.

 

*

أبيضٌ كطرفة عين.

ساكنٌ كشهقة الولي في الفجر.

 

*

السكّين تكشف عريها للتّيس الجبليّ

لا تقتله غيلة أو قبل نزول الغيث.

الراقص حين يتعب،

يفتح سرير البحر وينام.

رأسهُ على يده اليسرى

يشخر كثور برّي.

 

*

تدخل الشمس.

خيولها كثبان رملٍ.

صهيلها يهزّ السموات.

يقودها رجالٌ ونساءٌ،

تحوم فوق رؤوسهم الطيور.

 

*

لمن هذا الرأس الملقى على الرمل؟

لك يا مجنون؟

*

ليست هذه الإتكاءة

إتكاءة مجنون.

هي لقرصان بحرٍ

أو لصّ من لصوص المملكة.

 

*

لمن أعددتَ الكراسي يا بحر؟

لم يأت العازفون ولم تصل حاشية الملك.

الحقول فتحت أبوابها للغريب.

أخذت منه ذؤابة النار.

يا لهذا الاحتفال المزركش!

لماذا جاء كلّ هؤلاء؟!

 

*

هل ما أرى على الماء

جناح طائرٍ

أم قدم الوليّ الغريب؟!!

 

*

لك أن تفتح نافذة الحجر،

أو تغطس عميقاً في البحر

عارياً كما ولدتك أمك.

القرى تصعد

واحدة وراء الأخرى.

فقط لتحيّ الوليّ الغريب.

القرى جلبت معها:

الطائر الأزرق

والطائر الأحمر

وقرنين كبيرين لوعلٍ.

 

 

*

على الطريق

ترك المسافر حزمة شكّه.

على صفحة الثلج

كتب أغنيته الوحيدة.

 

*

هكذا ينام البحر:

يداه على قلبه

وفي روحه سكينة الكثبان.

 

*

بعد توقف المطر،

ترسل السماء أتباعها من يتفقد الأرضين.

لا يرجع منهم أحد.

الشعب و السكينة،

لا يلتقيان إلا عند اشتداد المدّ.

الصخور قبالة البحر

تعرف متى تستفيق شهوته.

الأخضر الشغوف يلتفُّ

حول عنق الرمل كأخطبوط حديد.

الولي الغريب

ألقى على صدر الحجر يده

وقال: صه!

 

*

لا فرق بين زغب البحر ورغوة السماء،

كلاهما على مقام.

كم من الألحان صعدت إلى قمّة هذا الجبل؟!

كم من الطيور حلّقت فوق قمة هذا الجبل؟!

كم من الأنفاس زفرت حسراتها على قمّة هذا الجبل؟!

 

 

*

حفل ختان الأنبياء هنا،

تقدم أيّها الرسول الكريم وقل اسم ختّانك عالياً.

لا يقبل البحر أن يقف حجرٌ خلف حجر إلا برضاه.

 

*

يا لنعومة بطن الحجر!

يا لرشاقة خطوات الحجر!

يا نفس لا تثقي بأحدٍ لم يذق ماء الحجر

لم يسمع أغنية الحجر.

ولا تبتغي من أحدٍ يداً أو وعداً.

______________________

نشرت مقاطع من هذا النص في مجلة نزوى العدد 85

 

مقالات ذات علاقة

إحسان بإحسان

حسن السوسي

مهلاً حواء

بشرى الهوني

شيخُ العُزلة.. أو: كيف رحل المهاجر أبو المعارف

عبدالوهاب قرينقو

اترك تعليق