شخصيات

الموت فى الفجر

اذان الفجر فى بنغازى. ورخات من المطر تهمى..تعانق الارض والمدينه. واصوات اشتباكات وقصف. بنغازى لاتهداْ. ويرحل صديق عزيز وغال. فجر الاحد الثانى من نوفمبر. بدايات خريف.. وامطار.. واذان الفجر. كان الخبر قد ارسله لى عبر نقالى الصامت صديق مشترك.. عمران بن عمران رفيقه منذ الصبا. الغياب والمطر. والوحشه.. والمدينة التى لاتهداْ.. وها انت ياصديقى الكبير محمد اسماعيل الوحيشى ترحل.. تغادر الدنيا والمدينه.. شريفا عزيزا رافع الراْس.. تاركا سيرة طيبة لاهلك واصدقائك وتلاميذك.

قصيده نادره بخطه ونظمه زودنى بها بعد ان فرغ من كتابتها عام 1998
قصيده نادره بخطه ونظمه زودنى بها بعد ان فرغ من كتابتها عام 1998

كان صديقى محمد صوفيا خالصا فى سلوكياته وتعامله. متشبعا بثقافة رائعه ومعرفة واسعه وتواصل مع الناس.. بكل محبة وود. تخرج فى كلية العلوم ضمن دفعتها الثامنه عام 1968.. وعمل فى مصلحة المياه والمشاريع الزراعيه.. ثم فى النفط.. زميلا بشركة الخليج الى تقاعده. كان قريبا من الارض.. يحب ليبيا.. يبحث فى ترابها وجبالها ومياهها مع زملائه.. كان يعشق وظيفته مثل شاعر.. مثل متصوف.. لم يكن موظفا روتينيا.. كان شاعرا ومثقفا فى وظيفته..عمل بروح الشاعر والمتصوف. كان نموذجا اخر للانسان الليبى المكافح المجتهد.. منذ نشاْته بالقرب من ضريح جده الاكبر سى على الوحيشى.. قرب ضريح سى عثمان بحيح وسوق الحشيش. كانت الطفوله والجامع وخاله الفقى محمد مسعود الوحيشى.. وعلى.. تاْثر بهما. كثيرا.. كثيرا جدا. ووالدته والشيخ محمد السودانى.. والشيخ الصفرانى.. وختمات القراْن الكريم.. وروائح البخور والازقه ومدرسة الامير واستاذه الاثير مصطفى القرقورى ورفاق الدراسه.. والمكتبات..والقراءات والمناقشات فى الليالى والسهرات مع الاصدقاء. كتب القصه. اهتم بالتراث العربى والاسلامى. واللغه. وفقه اللغه واحب الفلسفه. وكان النيهوم والفاخرى وحسين مخلوف والبياتى وابن عربى وطاهر رياض والسياب ومحمد الفيتورى ومحمد الوافى.. وتاريخ ليبيا.. وكلية العلوم فى طرابلس ايام الجامعه الليبيه.. الاساتذه الكبار.. والطلبه.. والنشاط.. التواصل والارتباط. وغير هذا يشكل مكونا لشخصيته انسانا واعيا. الثقافه كانت فى المحل الاول لديه. والمعرفه.. وهم الوطن. وكان صوفيا ينجذب الى تراث رجال الله..دون ان يشعر الكثيرون بذلك.. ولو مارس صديقى محمد الكتابه لكان ناقدا متمكنا من صنعته!

كانت القراءه اهتمامه الدائم فى وقت ظلت القراءه عند الاْمه شيئا تافها. وبعد ان هده المرض..لم يستطع ان يمنعه من التواصل مع الكتاب والمعرفه. وكانت نقاشاته عميقه وفيها خير وفائده. لاينسى احد منا جلساته الطويله واقترابه من الاستاذ مصطفى الشيبانى الذى سبقه فى الرحيل مطلع العام. كان يلازمه اسبوعيا مع جملة اصدقاء فى البيت.. ويقراْ له اخر الاصدارات. لم اره اكثر حزنا وبكاء مثلما راْيته بعد ان غادر صديقنا الشيبانى. وكانت سهراتنا ولقاءاتنا معا فى منزل الوافى والشيبانى.. واصدقاء اخرين لها نكهة خاصه. عبق جميل.

والموت فى الفجر.. ومع رخات المطر.. لايعنى الموت. انه تجدد الحياة واستمرارها. رحل صديقى الكبير فى ظروف صعبه. كان يوالى غسيل الكلى. عبر تلك الظروف انقطعت السبل توقف الغسيل. دخل فى غيبوبه اياما. ثم رحل. تولى المطر المبارك الغسيل. زخات المطر لاتعنى الموت. تعنى الحياة. يرحل وتمنعك الظروف من المشاركه فى الجنازة ظهرا. كانت الشمس مشرقه وكانت ارض بنغازى الدافئه تحتضن صديقى محمد.. مثلما تحتضن الكثير من ابنائها المخلصين. يرحل محمد فى لحظة صعبه وقاسيه.. ولاترحل القيم والمعانى واشراقات التصوف.. والطيبه معه. ستبقى مع الاصدقاء والاحباب.. رغم مرارة الرحيل والفقدان. ولتهناْ ياصديقى فى جوار الله العادل الكريم.

مقالات ذات علاقة

شاعر سندبادة… لطفي عبد اللطيف

عزة المقهور

ابن المنمر الطرابلسي

المشرف العام

حميدة بن عامر رائدة من بلادي

المشرف العام

اترك تعليق