فتشوا عن هويتكم في كتب التاريخ، فقد ضاعت أو تكاد تضيع منكم. فتشوا عنها في رموز الثقافة والأدب والعلم والفن…
ابحثوا عن عبد الفتاح بومدين، الذي ذهب إلى السعودية صبيا، لزيارة خاله بعد وفاة أمه، وكان لا يحسن القراءة ولا الكتابة، وحين توفي خاله، عمل في مصلحة الجمارك، وبدأ في محاكاة رسم الكلمات، وحين ضاق به الحال بعث ببرقية لملك السعودية يطلب الجنسية، فمنحها له، وقبل أن يبلغ الخامسة والعشرين كان رئيس تحرير أول صحيفة في جدة، وبعدها بسنوات كان رئيس الوفد الذي يستقبل طه حسين في زيارته للسعودية…
ابحثوا عن علي اعتيقة، الذي ذهب إلى أمريكا صبيا، لا يحسن شيئا من الإنغليزية، وحدثته نفسه أن يحصل على شهادة جامعية من جامعة ويسكانسن، قبل أن يحصل حتى على الإعدادية، فقبل رئيس الجامعة طلبه شريطة حصوله على تقديرات متقدمة في مواد بعينها، ففعل، وما لبث حتى حصل على الدكتوراه، وكانت الفترة التي تفصل بين حصوله على الدكتوراه وتعلمه جدول الضرب لا تزيد عن 13 عاما. وفي عام 2005 منحته جامعة ويسكانسن صحبة مانديلا شهادة الدكتوراه الفخرية…
فتشوا عن خليفة التليسي، الذي لا تذكرون له سوى “إيه أمين القوم”، والذي استقال حين طلب منه أمين القوم أن يبارك اعتقال المثقفين، فقال في خطاب استقالته من أمانة رابطة الأدباء عبارته الشهيرة “إن المصارع الجيد ينسحب عن تهيج الثيران”. (وبمناسبة التليسي ذكر لي عبد السلام العجيلي مرة إن قوله “إيه أمين القوم كل كريمة تلقى كريما شاكرا” إحالة على بيت لشاعر عراقي كان يهجو أمين مكتبة يقول فيه “إيه أمين القوم كل لئيمة تلقى لئيما ناكرا”)…
فتشوا عن عبد الله القويري، والصادق النيهوم، وجيلاني طريبشان، وإبراهم الأسطى عمر، فتسجدون هويتكم الضائعة، جذوركم التي أصبحت في العراء…
لا تفقدوا الأمل، فالأمل حيث يبحث المرء عنه، ولا تهنوا ولا تضعفوا، فما رأيتم من صروف الدهر ما رآه من ركزوا رفاته في الرمال لواء. لا تدعوا اليائسين يضعون الأشواك في طريقكم، اقبلوا على الحياة، بعلمها وفنها، وتمسكوا بعواصم الأخلاق، واصفحوا عمن أخطأ وساعدوه على أن يعود إلى رشده…
لا تقولوا “والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم” بل قولوا “رزقت أحسن ما في الناس من خلق إذا رزقت التماس العذر في الشيم”. ابحثوا عن البقع المضيئة في الآخرين، وكفوا عن تسقط عثراتهم.
كم أكره إسداء النصح وكم أنبو عن الوعظ، ولكن حين يتصحر كل شيء، لا مناص من الدعوة إلى أن يزرع كل منا وردة، ويميط عن الطريق أذى شوكتين.
13 October 2016