في رغد العيش تنعم هي وابنتيها بعد ضنك وتكدر حياة، شأنها شأن كل امرأة أرغمت على الزواج واقتحام الحياة في سن مبكر، ناهيك عن ذلك تحمل مسؤوليات عائلة زوجها وتعاملهم السمج معها، وتقاسمها للأيام مع الزوج المعدم الفقير الذي كان يكبرها بكثير.
مع كثرة الأوجاع لم تتوقع يوما تبدل حالها من الشظف إلى السعادة، والاضطراب إلى استقرار، وتزهر حياتها بإنجاب طفلتين بعد يأس شاطرها لسنتين وزاد تعكير صفوها.
لا تعلم لما تعاكسها الأيام؟ فرغيد العيش لم يدم ،إذ فوجئت بأن رحمها مصاب، ولابد من استئصاله! يا لها من فاجعة. مسكينة ستحرم من الولد الذي تحلم في إنجابه، وهو أيضا يحلم بمولود ذكر، بل يريد الكثير من الأطفال وكذلك العائلة تريد، وما حيلتها؟ وقد بات الأمر صعبا ولامجال لإعادة ما ضاع منها.
لم يكن الزوج متقبلا لفكرة أن يخرج من دنياه بطفلتين. فقط، من سيحمل اسمه من بعده؟ بمن سيتباهى أمام الجيران؟ يجب أن يكون له ركن مهيب ووريث، استحالة أن تتوقف ذريته إلى هنا.
ترسخت في ذهنه فكرة الزواج بأخرى، وأخبر زوجته فجن جنونها وتوسلت إليه بكل غال ونفيس ألا يفعلها، ويكسر قلبها… تمنت لحظتها أن تنشق الأرض وتبتلعها، كل الأشياء صارت بلون السواد في عينيها.. تناسى كل أيام الشقاء والأوجاع ورمى بتوسلاتها عرض الحائط.. الولد شاغله الأول والأخير، لا يهمه مشاعرها ودموعها، غدا ستعتاد على ما تسميه ضرتها وتصبحان أختين.
حاولت كثيرا أن تثنيه عن عزمه، ولكن لم تفلح، ورضخت لقراره ونفسها الملتاعة لا تجد من يسكِّن نارها. تجلدت بعد حزن تفجر داخلها واشترطت عليه أن تختار بنفسها الزوجة المناسبة.
تعالت عن كل ألم وموقف ذاقته معه، وهي تراه يتجهز لجلب عروسه، كتمت في صدرها الكمد ،وفي نظراتها لوم وعتاب يتجاهله كلما التقت عينيهما.
في ليلة الزفاف أجبرت على الحضور من قبل أهله، كانت صامتة تنتظر لحظة دخوله معها، الوجوه من حولها ضاحكة مستبشرة إلا وجهها كأنه على شفير الهاوية، اقتربت منها جارة عجوز ووشوشت لها: لا تقلقي.. أعدك لن تنجب ضرتك أبدا!!
غابت في نظرة شاردة بينما أكملت العجوز وشوشتها، كانت في تركيز تام معها، قالت في ذهول: هل أنت واثقة من كلامك؟
ضحكت في خبث: فوق الثقة بأضعاف، نفذي ما قلته وسترين العجب!
انشرحت روحها مما قالته العجوز واستبشرت بفرج قريب. فيما كانت تمني نفسها بنصر مؤزر إذ دخل الزوج ممسكا يد عروسه، هنالك انتبهت وانهمرت دموعها لكن العجوز همزتها: هذه فرصتك هيا!
نهضت مسرعة تتبع خطوات العروس وقلبها ينبض أملا في تحقق مرداها، لم تترك خطوة واحدة إلا وداست عليها حتى غابت العروس في حجرتها .
شعور بالغبطة يكسوها رغم تظاهرها بالحزن.. قبل مغادرة العجوز همست: عين العقل ما صنعت، لكن احرصي على حياتك، موتك مرهون بحملها!
اضطربت لمقالتها لكنها طمأنت نفسها: لتنتظر ما شاءت فلن تنجب مهما فعلت!!
مرت الأشهر ولم تحمل ضرتها.. أيقنت أن زوجها تزوج بعاقر ولن يحصل على الولد فراقت لها الحياة..
استيقظت يوما على الزغاريد تتعالى. أدركت أن المحظور وقع.. لم يتقبل عقلها فكرة الحمل وظلت تدعو الله وترجوه ألا يتمم هذا الحمل ويفجعها فيه، وأحيانا تضيع في كلام جارتها والوعد الذي قذفته في قلبها. أيكون الوعد كاذبا؟ هل أخطأت في عمل الطريقة؟ لا تعذبني يا الله بما لا احتمل، لماذا حملت الحمقاء؟ يجب إسقاطه قبل خروجه للنور.
مضت أشهر الحمل ووضعت الضرة طفلا جميلاً.. غمر الجميع الفرح عدا الزوجة ضاق صدرها واعترفت لروحها بالهزيمة ولامجال لعناد القدر.
كانت نفسية الزوجة سيئة للغاية، اهملت كل شيء من حولها، لا تراها إلا وهي تنعى حظها وتتمنى الموت للضرة وطفلها، كل يوم يمضي تزداد حقدا وحسدا مما جعلها أحيانا تفكر بقتلهما.
في ليلة دهماء كانت الزوجة ملقاة على الفراش تصارع نوباتها الجنونية الممتزجة بضحك وبكاء وزغاريد إثر فاجعة موت ابنتيها وطفل ضرتها ..