سيرة

للتاريخ فقط (14)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر سلسلة (للتاريخ فقط) للشاعر “عبدالحميد بطاو“، والتي يروي فيها الكثير من الأحداث التاريخية والسياسية.

الشاعر عبدالحميد بطاو

الحلقة: 14/ لمـن تـغـنـّي أيهـا القـلب الصـّـديـع

كثير من المتتبعين لهذه الحلقات التي أرويها أثار حفيظتهم حديثي عن معاناتنا في عهد المملكة، ومنهم من اعتبر أن ما أقوله فيه مبالغة وتجنى على تلك الفترة من التاريخ، وربما لديهم بعض الحق وهم يقارنونها بما لاقيناه في الاثنين والأربعين سنة التي سحقنا فيها القذافي دون رحمة، غير أن هذا لا يمنعنا من أن نقول أن هناك ظلم وعدم مساواه واعتقال وعسف في عهد مولانا أيضـًا (راجعوا قصائد جعفر الحبونى ومعلقات رفيق المهدوي ومقالات النيهوم وغيرهم). ولا ندرى أين سيقودنا عصر ما بعد ثورة 17 فبراير هذا، ولا نملك إلا أن نتفاءل خــيرًا.

المهم بعد هذه المقدمة، دعونا نعود لما تبقى لنا من أيام في (سجن الحصان الأبيض) بعد صدور الأحكام علينا وعودتنا من المحكمة، رجعنا كالعادة نتحاور ونتخاصم وبعضنا يحمل صاحبه المسجون معه مسؤولية توريطه في التنظيم فتحدث مشاحنات بينهم تصل إلى حد الاشتباك بالأيدي، وعدنا نفرش بطاطيننا في الساحة، ونقيم أمسياتنا الشعرية في براح المثلث الإسمنتي المكشوف بالقسم الخامس، أنا والمرحوم الشاعر العظيم محمد الشلطامى، ونواصل حياتنا كسجناء لاشك اننا غضبنا لجور هذه الأحكام التي لم نتوقعها، ولكن وجودنا في السجن كل المدة الماضية التي تجاوزت السبعة اشهر جعلنا نتعايش مع أجواء السجن ونتأقلم مع روتينها اليومي، ونرضخ للأمر الواقع وربما أصبحنا أكثر طمأنينة بعد أن عرف كل منا متى يحين موعد الأفراج عنه، وفي صباح اليوم التالي لصدور الحكم، اجتمع أغلب الشباب في حجرتنا الواسعة واستمعوا لي وأنا أقف فوق سرير من الأسرة وألقى شعرًا أقول في آخره:

الصبر وتفرج والكلمات المرذولة

وتواكل هذا الشعب كمومس مسـلولـة

والجيشُ…

الجـيشُ…الجـيشُ… الجـيشْ

تلك الثـكـنات المشــلولـة

أبدًا مـا عـادت تجـدى فتـيلـة

الثورة قـدرٌ ما أروعـه يهز المغوار المغوار.

كنا نحلم وننتظر بل نتوقع ان تقوم ثورة من الجيش الليبي (ولم نكن نتوقع أن تصل الى ما وصلت اليه من نتائج مؤلمة).

وفي نفس ذلك الصباح استدعى القادة الثلاثة (الغدامسي) و(الزقعار) و(المنتصر) أنسباءهم وعرضوا عليهم تطليق بناتهم لطول مدة الحكم، ولكنهم خرجوا منهم غاضبين ورفضوا حتى الحديث معهم في هذا الشأن.

طول بقائنا في السجن تعلمنا كيف نتعايش مع المتاح لنا من وسائل بسيطة متواضعة، فتعلمنا كيف نصنع لهيبًا كلهيب (الغاز) بلفائف شرائط نقطعها من البطاطين وننقعها في الزيت ونضعها في علب الحليب المثقبة ونشعل فيها النار لنطبخ عليها طعامنا بعد أن قرفنا من طعام السجن، وصنعنا من الورق قطع شطرنج وكانت زيارات الأهل تكمل ما ينقصنا من معدات وخاصة (علب الزيت) والفواكه والسجائر.

اقترب موعد الإفراج عن المحكومين بعام، وهم أكثرنا ونحن من درنة كنا عشرة واحد تحصل على البراءة (عبدالمجيد بوزويته)، وستة كان حكمهم عام وهم:

(1) أحمد فيتور.

(2) خليفه بن زابيه.

(3) على فالح.

(4) عبدالجليل لياس.

(5) بوبكر الطشانى.

(6) محمد فيتور.

بينما حكم بعامين على كل من: (رجب الهنيد) و(عبدالله الحصادى ) و(عبدالحميد بطاو).

دعونا نتوقف هنا لنتحدث في الحلقة القادمة عن الكثير من الأحداث التي واجهتنا ونحن في السجن، وبعضنا غيرت حياته وطبعًا للظروف أحكامها.

فإلى الحلقة القادمة إن شاء الله…

مقالات ذات علاقة

مقام العناقيد

زكريا العنقودي

محطات في حياة جاد الله عزوز الطلحي

رامز رمضان النويصري

أحمد الحريري أخر الرومانسيين الليبيين «.. فتنا النخل والديس / وتعدينا / لحقنا الندم / ياريتنا ولينا»

أحمد الفيتوري

اترك تعليق