من أعمال التشكيلي الليبي محمد البرناوي.
قصة

ربيع .. من وادي الربيع

مقتبس عن قصة حقيقية . .مهداة إلي الطفل / عبد الله اللافي من وادي الربيع

من أعمال التشكيلي الليبي محمد البرناوي.
من أعمال التشكيلي الليبي محمد البرناوي.

ربيع إستيقظ . . أسرع ياولدي أحضر لنا الخبز والحليب لقد تأخر الوقت ، عليك أن تتناول الفطور وتمضي مسرعا إلي المدرسة ، فإن وصلت متأخرا ستنال توبيخا وعقابا من معلميك . . هذا ما قالته أم سالم لإبنها في بداية صباح جديد لأول يوم دراسي بعد عيد الفطر السعيد .
بصعوبة بالغة فتح عينيه متثاقلا . . أزاح الغطاء عن جسده النحيل نهض من فراشه جلس برهة يستجمع تركيزه يتحسس الأشياء من حوله يلتفت يمينا ويسارا يتمتم متذمرا بكلمات متداخلة غير مفهومة ، وقف مترنحا وبدا يجر قدميه متثاقلا في خطوات بطيئة نحو الحمام . .
بعد دقائق معدودة خرج نشيطا يمد ذراعيه إلي أقصي حد واقفا علي رؤوس اصابع قدميه للحظة ، وقد بدا علي وجهه إمارات الفرح الهمة والنشاط . . سعيدا بإستقبال يوم جديد تاركا خلف ظهره تعب أيام العيد التي قضاها في اللعب والمرح مع أقرانه الصبية . توجه إلي أمه إحتضنها بود طبع علي جبينها قبلة الصباح مرددا : صباح الخير يا أمي نهارك طيب مبارك . .
ردت قائلة : صباح الخير يا ربيع جعلك اللهم سالما غانما صحيحا معافي وفتح الله عليك دائما وأبدا في الدنيا والأخرة . . خذ هذا الكيس وهذه خمسة دنانير أسرع إلي دكان عمك مصباح ، أحضر لنا ما طلبت لتتناول إفطارك وتمضي إلي المدرسة . غير ثيابه في لحظات ودلف خارجا إلي الشارع في إتجاه دكان العم مصباح الذي يبعد مسافة عشر دقائق سيرا علي الأقدام ، جد في السير مسرعا ليختصر الزمن ويعود باسرع وقت ممكن .
وصل حيث الدكان ، حي العم مصباح مبتسما : صباح الخير عمي مصباح أريد خبزا وحليبا .
رد العم مصباح صباح الخير يا إبني صباح الخير يا ربيع ، تفضل هذا الحليب وهذا الخبز وهذه حلوي من عمك مصباح . .
أثناء هذا الحوار سمع الإثنان صوت إنفجارات مدوية أزيز صواريخ طائرة وقنابل متفجرة . .
صبح يا فتاح اللهم إجعله خير يارب . . لطفك وعفوك يا كريم . . ظل العم مصباح يردد هذه العبارة مرارا وتكرارا أثناء خروجه من المحل فزعا ليري ما الذي حصل في محيطه .
إلتفت إلي الطفل ربيع مخاطبا : أسرع يا ولدي ، عد إلي البيت وكن حذرا فقد اقتربت الحرب من وادي الربيع بعد أن كانت بعيدة عنا وكنا نسمع بها فقط ، ها هي اليوم تدك منازلنا مزارعنا و عائلاتنا . . أسرع يا سالم وكن حذرا يا بني.
إنتفض ربيع مرتاعا وقد إمتقع وجهه وتغير إلي اللون الأحمر بدا جبينه يتصبب عرقا ، إنعقد لسانه ولم يستطع الرد ، دار دورة كاملة يمم شطر منزله وإنطلق مسرعا يلتفت يمنة ويسرة وقد تقطعت منه الأنفاس تلبسه الهلع من أخمص قدمه إلي فروة راسه .
في منتصف المسافة سقط كيس الخبز والحليب لعدم توازن يديه تقطع حذائه وإنسل من قدميه فلم يجد وقتا لالتقاط كل ذلك.
واصل السير بكل ما أوتي من قوة مسرعا حافي القدمين وصوت الإنفجارات ما زال متتابعا من حوله عن يمينه وشماله من أمامه ومن خلفه أغمض عينيه وضع كلتا يديه علي أذنيه ليصمهما عن سماع دوي الانفجارات المدوية بعنف وترك قدميه وحدهما تقودانه إلي المنزل .
أخيرا وصل لاهثا إلي منزله أو إلي من كان قبل لحظات منزله .
وقف مذهولا فارغا فاه امام كومة كبيرة من حجارة وقد علاها الدخان والغبارورائحة الموت والدمار تجثم علي الأرجاء .
صدمة ودهشة عينان تحجرتا لدقائق معدودة قبل ان تغرقا في بحر من دموع جرت انهارا علي خديه مبللة ثيابه حتي وصلت الأرض تحت قدميه. سقط جاثياعلي ركبتيه إنحني إلي الأرض بدا يضربها بقبضتي يديه الصغيرتين بكل ما أوتي من قوة أخذ حفنة من التراب وبدا يرسلها عاليا إلي السماء لتنهال عليه مجددا وقد غطت راسه و وجهه فلا يكاد يبصر ما حوله ، مرت لحظات وهو يقوم بهذا مرارا وتكرارا . توقف مستسلما أسبل يديه في وهن وبدا يشهق عاليا بالبكاء مرارة حسرة والما .
مال براسه نحو السماء ، ببراءة الطفولة ردد : يارب . . ياربي . . أبي امي اختي منزلي وطني . . رحمتك ياربي .

__________________________________
ملاحظة : وادي الربيع أحد ضواحي مدينة طرابلس ليبيا

مقالات ذات علاقة

نـزق الحـكاية

عائشة إبراهيم

العجوز والقميص

محمد المسلاتي

الانتباه

محمد الزنتاني

3 تعليقات

الجليله نصير 24 يناير, 2020 at 00:43

انا من وادي الربيع ظننت انني تعذبت كثيراً لكنني ادركت ان الناس تالمت اكثر مني لذلك ساسعى جاهدة ان اساعد كل نازح مثلي
اللهم احقن دماء الليبيين

رد
المشرف العام 24 يناير, 2020 at 08:03

نشكر مرورك الكريم
اللهم آمين

رد
الجليله نصير 24 يناير, 2020 at 00:46

انا ايضاً من وادي الربيع

رد

اترك تعليق