صحيفة فسانيا – حوار :: زهرة موسى
تعبّر بريشتها عن واقع مدينتها المنكوبة، وتنقل كلّ ما تشاهده من مواقف و أحداث لتعبر عنها في لوحات على جدار مرسمها الصغير، لديها شغف كبير بالرسم، تطمح أن تؤسس معهدا لتعليم الفنون الجميلة بالجنوب ، خديجة التي لا زالت طالبة بالسنوات الأولى بكلية العلوم جامعة سبها قسم الفيزياء ، كانت لها بصمة واضحة في مجالها ولوحاتها نافست أشهر فناني المنطقة ،كانت لها عديد المشاركات في بعض المعارض و المهرجانات ، شاركت مؤخرا بمعرض طرابلس الدولي.
بدأت ”خديجة علي جيب الله” الحوار بقولها: الرسم يعني لي الحياة ، و لا أجد نفسي إلا حينما أرسم ، وهو جانب من شخصيتي وحياتي ، الرسم هو كل شيء، بالنسبة لي ،تعلمت الرسم منذ الطفولة ، وكان عمري أربع سنوات عندما بدأت عائلتي تلاحظ أني أمسك القلم و أرسم الوجوه والملامح بإتقان يفوق عمري أضعافا ، وكنت أميل لرسم الأشخاص و الوجوه ” البورتريه ” بالرغم من أني أرسم أشياء أخرى و لكن كان رسم الوجوه هو الأقرب إليّ ، عملت على تطوير نفسي من البداية ، وكان أخي مشجعا و داعما كبيرا لي ، يهمني رأيه جدا ، وكنت آخذ رأيه فور انتهائي من الرسم ، وكان ينتقدني تارة و يمدحني أخرى ، و يلحّ عليّ دائما بأنه يجب أن أطور من نفسي أكثر فبإمكاني أن أكون أفضل مما أنا عليه ، وكان يريني رسومات من النّت و يقول انظري للدقة و المهارة أريدك أن ترسمي أفضل من هذه الرسومات ، فهذه الكلمات دائما ما كانت تبث في روحي الحماس للعمل والجدّ لأصبح الأفضل.
أَوّلُ لًـوْحَة
أفادت ” أول لوحة فعلية لي كانت بالألوان الزيتية ” زيتي ” كانت في العام 2007 ، وكنت آنذاك طالبة بالإعدادي ، رسمت صورة لمحمد الدّرة الطفل الفلسطيني ، بعدها في العام 2010 غيّرت طريقتي في الرسم ، وبدأت أرسم بقلم الرصاص ، ولم أكن آنذاك أعرف الكثير عن الرسم وفنونه و أنواعه ، فكنت أرسم حبّا في الرسم فقط ، تحدثتُ مع أخي و طلبت منه أن يحضر لي أنا و أختي التوأم أدوات للرسم ، فهي أيضا كانت ترسم ، ولكن طلب منا أخي أن نرسم لوحة فيها الضوء و الظل ، بالأبيض و الأسود ، و بالفعل قمنا برسمها ، وقام بنشر اللوحة على صفحات الإنترنت ، ولاقت إعجابا كبيرا ، و ردود فعل كانت رائعة ، مما دفع أخي لشراء أدوات الرسم بالرصاص كاملة لي و لأختي التوأم ، وطلب منا الاستمرار بالرسم في هذا المجال ، وقال بأنه قد قرأ الكثير عن الرسم بالرصاص ، و دفعنا للاستمرار ، و الحمد لله اليوم أتقنّا الرسم بالرصاص .
هَلْ كَانَ لأَخِيكِ خَلْفِيّةٌ فَـنّيةٌ ، هَلْ كَانَ رَسّامًا ؟
أوضحت ” نعم أخي يرسم و لكن رسمه يختلف عنا ، فهو يميل للرسم الهندسي أكثر ، ” اسكت شات هندسية ، تصميم خرائط ” وكان يرسم مع خالي ” المرحوم ” جداريات ، ويخط أيضا ، بدأنا أنا و أختي نطور من طريقتنا في الرسم ، وسجلنا في نهاية العام 2010 في دورة تدريبية و أخذنا فيها شهادات بتقدير ممتاز معتمدة للتدريب ، و نظمتها منظمة متخصصة ، وذلك بشعبية سبها “سابقًا” بالإضافة إلى بعض الشعبيات الأخرى.
وأضافت هذه المشاركة أضافت لي الكثير ، و تعلمت من خلالها صناعة الأشغال اليدوية إضافة إلى الرسم ، والأهم حينها أني تعرفت خلالها على أكبر داعم لي بعد عائلتي وهي الأستاذة ” آمنة الزعيتري ” ، وانتقلت بعدها إلى مرحلة ما بعد الرسم بالرصاص ، وهي الرسم بالأقلام الملونة ، و أغلب لوحاتي طابعها جاف أي أني أرسم بأقلام الرصاص ، الحبر ، و الباستير ” هو نوع من الأقلام قريبة من الزيتي”
بِمَنْ تَأثّرْتِي مِنَ الرّسّامِينَ عَلَى الصّعِيدِ الْعَالَمِيّ ؟
أضافت ” هناك رسام إيراني اسمه ” مرتضى كاتوزيان” رأيت عدة لوحات له ، وهو يرسم رسما واقعيا ويرسم رسوما تصويرية و بورتريه ، و تعجبني جدا لوحاته وطريقة تعبيره وأيضا ألوانه ، بمعنى أن لوحاته تشد انتباهي ، ولكن بشكل عام هناك لوحات لفنانين قد أرغب أن أصل إلى دقة الفنان في تلك اللوحة ، ولكن ما يعجبني حقا في مرتضى هو أنه يرسم بملامح شعبه ، و ينقل الصورة الواقعية للحياة اليومية ، وكذلك هناك الرسام ” استيف هانكس ” وهو واحد من أفضل عشر فنانين في أمريكا له طريقة رائعة في الرسم ، ينقل صوره بطريقة رائعة ، وله طريقة خاصة ، فبمجرد أن ترى إحدى لوحاته ستتعرف عليها فورا.
هَلْ اتّبَـعْتِي نَهْجَ بَعْضَ الْفَنّانِينَ فِي اسْتِغْلَالِ مَوَاقِع التّوَاصُلِ الْاجْتِمَاعيّ لِنَشْر أَعْمَالِهِمْ ؟
بيّنت ” اقترحت علينا الأستاذة آمنة الزعيتري ، افتتاح صفحة باسمنا أنا وأختي التوأم نعرض فيها رسوماتنا ، وبالفعل قمنا بفتح صفحة على ” الفيس بوك ” و أطلقنا عليها اسم ” نحن و الفن توأمان ” و بعدها فتحنا صفحات على الانستغرام ، وهذا الشيء وسّع جمهورنا ، و أثر فينا بشكل مباشر لأننا بدأنا نتلقى ردودا مباشرة وأصبحنا أقرب للمتلقّي ، وهذا الأمر عرّفنا بالمستوى الذي وصلنا إليه ، و بدأنا نعرف أي فئة من الناس تجذبهم لوحات معينة .
مَا هِيَ أقْرَبُ أَو أكْثَرُ لَوْحَةٍ مِنْ لَوْحَاتِكِ تُعَبّر عَنْك ؟
أكدت ” لا يمكنني حصر لوحاتي في واحدة ، ولكن هناك عدد من اللوحات أعتبرها الأقرب إليّ ولا أستطيع حتى بيعها، لديّ لوحة هي بورتريه عبارة عن ” وجه عليه بعض النقوش “هذه اللوحة تعبر عن واقع الفتاة الليبية ، و لست أنا فقط ، وكنت أعدّ مقطع فيديو لمعظم لوحاتي و أكتب على كل لوحة عبارة تعبر عنها ، فاخترت لهذه اللوحة عبارة ” يرونها مميزة و نادرة ، ويرونها نكرة فأجبرت على الصمت ” ، وكذلك هناك لوحة ” المهرجة ” وكتبت عليها ” مقيدة في العالم المجهول ” ، و أيضا لوحة لامرأة أفريقية توجد نقوش على جسدها ، ولكنها بدون ملامح لوجهها ، و أطلقت عليها اسم ” شعوب مهملة أو ” رواية مهملة ” و يطلق على هذه النوعية من الرسومات ” الرسم السلبي ” ، لأنها ترسم بالعكس وهي غالبا ما تحتوي على ألوان معينة ” الأسود و الأبيض ، البنفسجي ، و الأزرق ” .
هَلْ سَبَقَ وَأَنْ قُمْتِي بِبَيْع أَيّ مِنْ لَوْحَاتِك ؟
أظهرت ” جاءتني عروض كثيرة لبيع لوحاتي ، ولكني إلى الآن لم أبِعْ أيّا منها ، أريد أن أعرّف بنفسي في هذا الوسط أولا ، و أصل إلى مستوى أعلى من الآن و أثبت نفسي كرسامة ، ومن ثم سأفكر إذا كنت بالفعل أستطيع الاستغناء عن لوحاتي ، وبيعها ، أما الآن فلا أفكر في البيع .
مِنْ أَيْنَ يَأْتِيكِ الْإلْهَامُ لِلرّسْم ؟
أشارت ” إما أن تعبر اللوحة عن مشاعرك الذاتية حول أمر معين ، أو أن تعبر عن مشاعر الآخرين، مشاعر شخص آخر قد أثرت فيك إلى حد كبير ، فتتحول هذه المشاعر إلى فكرة تعبر عنها في لوحة ، هناك لوحة رسمتها إحدى الفنانات ، وأطلقت عليها اسم “الفراغ ” لم ترسم فيها أي شيء بل لوحة فارغة قامت ببروزتها ، وتم بيعها بأغلى الأثمان في المزاد ، بالرغم من الفراغ في الصورة إلا أنه شد انتباه الكثيرين ، فهي تجعل المتلقي أو المترقب يبحث عن شيء داخل ذلك الفراغ.
حَدّثِينَا عَنْ مُشَارَكَاتِك فِي الْمَعارِض .
استرسلت ” منذ طفولتي كنت أحب المشاركة في المعارض المدرسية بلوحاتي ، و عندما أسمع بمسابقات للرسم كنت أشارك فيها فورا و كنت دائما ما أتحصل على المراتب الأولى ، وكانت أولى مشاركة فعلية لي في معرض وأنا في مرحلة الإعدادي كانت في العام 2007 ،2008 ،كانت في المدرسة حيث أقيم معرض للرسم و المصنوعات اليدوية ، و شاركت في المرحلة الثانوية بمسابقة كانت عن الفيدرالية ” فازت أختي التوأم بالترتيب الأول ، و بعدها شاركت في مسابقة أجمل تصميم لعلم الاستقلال ، و فزت بالترتيب الأول على مستوى الجنوب ،وكانت مسابقة كبيرة جدا ، و كانت الجائزة هي عبارة عن ” أجهزة إلكترونية ” ولكني لم آخذ الجائزة بل أخذتها جمعية بشائر الخير ” التي شاركت باسمها في المعرض ، ولم أستمر بعدها في الجمعية لأني وجدتها لا تناسبني ، فيها نوع من الاستغلال ، فاللوحة التي شاركتُ بها كانت من المفترض أن تعود لِي ولكن لم يعيدوها لي ، بل وأخذوا الجائزة أيضا بالرغم من أنها لم تكن تعنيني كثيرا ، كانت مشاركتي هي عبارة عن فوز الجمعية فقط ، والمهم هو أنه حتى وإن تم استغلالي فإنهم لن يستطيعوا أخذ موهبتي ، ولا حتى أخذ اسمي ، ويكفيني فوزي بالترتيب الأول على مستوى الجنوب فهذه هي جائزتي.
تابعت ” شاركت مؤخرا في معرض تمنهنت الزراعي الثاني ،و شاركت في اليوم العالمي للشباب ، الذي نظم في قاعة مركز اللغات ، وذلك عن طريق منظمة نقوش فزان التي تأسست في يوليو 2017 ، وهي تضم عددا لا بأس به من الفنانين (حمزة ، أسامة ، آمنة الزعيتري ، خديجة باوا ، ياسمين” أشغال يدوية بالجرانيت و السراميك ” ، هالة العربي ” فن الكورشي ” ، هاجر العربي ” تصوير فوتوغرافي”) ، تلقينا الدعم من الأستاذة آمنة الزعيتري ففي السابق لا يمكننا المشاركة في أي معرض أو مسابقة بسبب الانتقادات ، فكانوا دائما ينتقدوننا بأننا لازلنا صغارا و أمامنا الكثير من الوقت للتدرب و المشاركة ، ولكن عندما تعرفت على الأستاذة آمنة باتت تشجعني دائما ، و تطلب مني المشاركة بلوحاتي في كل المعارض والمسابقات ، وشاركَت في اليوم العالمي للشباب عديد المنظمات و المنتديات ، لأنه كان على مستوى الجنوب ، وكانت لديّ مشاركة أخرى في معرض طرابلس الدولي وكانت عن السلام .
مَا مَدَى تَأَثّرُكِ بِخَالِك الفَنّان الْمَرْحُوم” مُحَمّد بُوعَزُوم ” ؟
نوهت ” عندما تُوفي كنت صغيرة ، ولم أتطور كثيرا في الرسم ، و أتذكر بأنه قد زار أحد المعارض التي شاركت بها في العام 2010 ، و لفتت نظره رسوماتي بالرصاص ، وشجعني على الإكمال في هذا الطريق ، وقال بأن الرسم بالرصاص و رسم البورتريه لا يمكن لأي فنان أن يتقنه بسهولة ، و إذا تمكنت من إتقان هذا الجانب فيمكنني أن أبرع في أيّ نوع آخر من الرسم ، و قال لي أنا و أختي التوأم “مريم” بأن المستوى الذي لم يصله خالكما ستصلانه و ستتجاوزانه ” لأن هذه الرسومات التي أراها الآن ، تحتاج إلى بعض الخبرة ، و قليل من التدريب ، ستصل لمستوى كبير جدا لم أصله أنا .
أَيْنَ وَصَلَتْ أُخْتُكِ التّوْأم فِي الرّسْم ؟
اعتبرت ” نحن الآن نُعتبر في نفس المرحلة تقريبا ، وأحب أن آخذ رأيها كفنانة في لوحاتي فأحيانا بعض الأخطاء لا ألاحظها أثناء الرسم ، ولكن بنظرة منها قد تنبهني إليها ، و كذلك هي تأخذ رأيي بلوحاتها و رسوماتها ” كلانا يكمل الآخر ” .
هَلْ تُتْقِنِينَ جَوَانِبُ أُخْرَى مِنَ الرّسْم إِضَافَةً إِلَى الرّسْمِ بِالرّصَاصِ والْبُورْترِيه؟
أعربت ” كانت الأستاذة آمنة الزعيتري دائما تشجعني ، لمحاولة تصميم الشعارات، و الأختام ، و كنت أرسم عدة محاولات و أعرضها على الأستاذ أحمد الكيلاني ، و كانت ردود فعله مشجعة ، فاستمررت في الرسم ، و انتقلت للرسم على جهاز اللوحي” التاب” ، إلى أن وصلت إلى مستوى جيد في التصميم ، و الآن بدأت أرسم ” رسم الديجتال ” وهو الرسم على الكمبيوتر أو التاب أو الجهاز اللوحي ” وهذا يختص في رسم قصص الأطفال ، ووجدت هذا النوع أسهل بكثير مقارنة بالأنواع الأخرى ، وهو لا يأخذ كثير الوقت.
مَا الطّمُوحُ الّذِي تَسْعَيْنَ لتَحْقِيقِه ؟
نبهت ” أطمح دائما أن يكون هناك مكان لتعليم الفنون ، هنا في سبها و الجنوب ، فمن الصعب أن أتوجه إلى طرابلس للدراسة في كلية الفنون ، فأتمنى أن يكون هناك معهد للفنون ، فهناك عديد المواهب الشابة التي تحتاج للصقل ، أو حتى منتدى ، أتمنى أن أفتتح مؤسسة لتعليم الفنون ، ولكن ليس باستطاعتهم الالتحاق بمعهد الفنون في العاصمة .
تَحَدّثّي لَنا عَنْ مَرْسَمَكِ الخَاصّ ؟
بينت ” هناك غرفة فارغة في المنزل ففكرت في أن أستغلها كمرسم ، فقمت بترتيبها و تجهيزها ، ووضعت فيها لوحاتي ، و علقت شهاداتي ، و هيأْت لها أجواء خاصة ليصبح عالمي الخاص .
لِكُلّ فَـنّانٍ طُقُوسُه الْخَاصّة ، فَمَا هِيَ طُقُوسُكِ الّتِي تَتَبعينَهَا أَثْنَاءَ الرّسْم ؟
قالت ” أحبّ جدا الاستماع إلى الموسيقا ، وتناول كوب من القهوة أثناء الرسم ، فهذه أهم الأشياء التي أستمتع بها أثناء الرسم .
هَلْ أثّرَتْ الْبِيئَةُ عَلَى لَوْحَاتِكِ ؟
أكدت ” نعم هناك أكثر من شخص علق على لوحاتي بأن فيها جانب مظلم و غامض وحزين ، و أحيانا هذا يدل على شخصية الفنان ، وهو يرسم الواقع الذي يعيشه .
رِسَالَةٌ تُوَجّهِينَهَا لِزُمَلَائِكِ الرّسّامِين.
استرسلت ” لا تنتظر الدعم من أيّ أحد ، عليك أن تبدأ بنفسك و تدعم نفسك بنفسك ، و توفر الأدوات اللازمة لك بالتوفير من مصروفك ، فلا يمكن أن تجلس و تنتظر الغير ، وتقول بأن فلانا تحصل على الدعم لِذا هو ناجح ، و أنا لم أتحصل على الدعم الكافي ، عليك إثبات نفسك لتصبح واثقا من إمكانياتك ، ومن ثم تأتي الاستعانة بالآخرين ، نعم من المهم أن تجد شخصا ذو خبرة يدعمك ويقف بجانبك ، ولكن هذا لن يحصل ما دمت لم تبدأ أنت بدعم نفسك وصقل موهبتك .
كَلِمَة خِتَام:
ختمت ” الرسم ليس له عمر معين ، كما ينظر له البعض ، فهؤلاء لا ينظرون إلى مجهودك و تعبك في الرسم بل فقط يحكمون عليك من عمرك ، فيمكن أن تكتسب خبرة لثلاثين سنة ، وتجد شخصا آخر خبرته عشرة أعوام فقط ولكن يتقن ما لا تتقنه ،وهو دقيق في رسمه و الدقة تعني الاحترافية و من الصعب أن يصله أي شخص ، فالعمر ليس مقياسا للموهبة .