حوارات

الشاعر/ أحمد الحريري/ طرابلس هي كل ذاكرتي ومنها أستمد القدرة على الرسم بالكلمات

الشاعر/ أحمد الحريري:

طرابلس هي كل ذاكرتي ومنها أستمد القدرة على الرسم بالكلمات

أعشق الكتابة بالعامية الحديثة / أعتقد أنني أقدم لغة جديدة

الأصالة.. هي القاعدة التي نقف فوقها

الخصوصية تكمن في اختيار اللون والأسلوب ورسم الشخصية المنفردة

حاوره: محمد القذافي مسعود

الشاعر: أحمد الحريري

من يذكر الشاعر “أحمد الحريري” يستدعي في ذاكرته سلسلة لا تنتهي من الأغاني الجميلة، التي تغني بها الليبيون وحفظوها ورددوها، حتى إنه من السهل معرفة أغنية “الحريري” من غيرها بمفضل ما تميزت بها من رقة الكلمة والحس الصادق.. لم يكتب الأغنية فقط، إنما كتب الشعر العامي، والشعبي، ولم يقدم تجربة مكروره إنما قدم الشكل الحديث في الشعر العامي.. وتطورت تجربة “الحريري” لكتابة المسمعيات حتى المسلسلات التلفزيونية، ولعل أشهرها مسلسل (السوس) الذي نال أكثر من جائزة.

الشاعر “أحمد الحريري” شاعر لا يمكننا إلا الوقوف أمام تجربته بكل الاحترام والتـقدير، ومحاولتـنا هذه هي محاولة التـقديم لهذا اللقاء. (موقع الطيوب)

– هل لازالت ذات الصعاب التي واجهتك في الماضي تواجهك اليوم؟

– لا شك أن الإنسان يتطور وعلى نحوٍ خاص، حين يكون مملوءاً بالطموح حتى حافته، وهذا ما حدث معي، فقد كانت الإذاعة حلماً من الأحلام التي شبت معي وكذلك صناعة الكلمة بكل اتجاهاتها، ولقد أخلصت لأدواتي، وصقلتني التجارب، وأفادني الكتاب جين جعلته أنيساً لي، بهذا تجاوزت صعاب الأمس، فلا صعاب اليوم والحمد لله.

هناك عثرات مادية وبعضها معنوية يمكن التغلب عليها بالصبر وسعة البال، ومعروف عني الأخيرة، لذلك أتمنى اليوم وبحرارة وانا باتجاه أبوب الشيخوخة، أتمنى وقار الشيب.

– طرابلس التي يعشقها الحريري، ما الذي بقي منها في الذاكرة؟

– طرابلس ذاكرة في حد ذاتها، فهي نقوش محفورة على آثارها برغم أنها خسرت مدينتها القديمة نوعاً.

وبالنسبة لي، فإن طرابلس هي كل ذاكرتي ومنها أستمد القدرة على الرسم بالكلمات، وقريباً يصدر لي ديوان شعري جديد في وزن (البورجيلة) الطرابلسي بعنوان (باب العز)، أتحدث من خلال قصائده عن مدينتي التي أعشق، أدابها، فنونها، صناعاتها التقليدية، صناعها، أي بقدر ما تحمل الذاكرة من تاريخها المجيد.

– توزع عطاؤك بين عدة أشكال فنية (الأغنية، المقالة، السيناريو) ألا ياتي على حساب القيمة الإبداعية؟

– في مجال الكلمة، تستوي الأشكال، كنقاش الذهب الذي يبدع النقش حتى على النحاس، ومن خلال تجربتي الطويلة لمست نجاحاتي بل حصدت جوائز ذات قيمة آخرها ذهبية الإبداع الدرامي من مهرجان القاهرة لللإذاعة والتلفزيون في بداية هذا القرن 2000.

وأعود فأقول أن الشعر بكل أنواعه، نقش، والكتابة الصحفية ما لم تكن نقشاً فلن يقرأها أحد، كذلك صناعة الدراما وكتابة المشهدية أو (السيناريو).

– في لقاء معك بصحيفة الشط (1999) قلت: (أعشق الكتابة بالعامية الحديثة) أين تكمن الحداثة في أعمالك؟

– قلت وأقول دائماً أنني (أعشق الكتابة بالعامية الحديثة) وأنا أعني العامية الحديثة المتشبعة باللغة العربية، وستكتشف ذلك حين تقرأ شيئاً من دواويني، وهي ثلاثة دواوين (لو تعرفي)، و(خمسينية صائد الرياح)، و(عزف منفرد في مقام العشق).

ومن ديوان (خمسينية صائد الرياح) أختار لك بعضاً من أسطر إحدى قائده وهي بعنوان (نقطة تلاشي):

          تركت الرصيف

          شالوا الشماسي م الرصيف

          ودعنا كل الأمسيات

          والأغنيات

          والأمنيات

          ودخلنا في حزن الخريف.

على هذا النحو.. أعتقد أنني أقدم لغة جديدة، وأسوق لك مثلاً آخر في مجال الشعر المغنى، وهي على سبيل المثال، أغنية:

          منديلها الوردي/ تذكارها عندي

          وين ننشده عليها          / يتنهد ف أيدي

– أي مراحل الأغنية الليبية كانت الأكثر جمالاً وازدهاراً؟

– ازدهرت الأغنية الليبية من حيث الكلمات بإبداعات جيلنا، ولي شرف المساهمة في طرابلس في بداية الستينيات، قبلي كان الأستاذ “علي السني” مبدعاً وكذلك “السيد محمود” وجاء بعدي العديد من فرسان الكلمة وفي مقدمتهم الأستاذ “مسعود القبلاوي”.

ومن جيلنا في بنغازي كان هناك عمالقة في كتابة الشعر الغنائي أمثال الأساتذة: عبدالسلام قادربوه، ومحمد مخلوف، وعبدالسلام زقلام، ثم عثمان الوزري، وفرج المذبل، ومسعود بشون، وعبدالعزيز التومي، وغيرهم.

وأستطيع القول أن مرحلة الستينات كانت منطلقاً لللإبداع والجمال والازدهار، ولا تسألني ماذا حدث بعد ذلك!!؟؟.

– ما رأيك بالرأي الذي ينادي بتغليب الحداثة على الأصالة؟

– الأصالة.. هي القاعدة التي نقف فوقها، وبقوة، وحتى عندما تطورت الأغنية الليبية وازدهرت من بداية الستينات، احتفظت بلحنها المميز وكلماتها المميزة ولم تفقد روح أصالتها، وعندما يستمع أشقاؤنا العرب اليوم لأغنية (عيوني سهاره) لـ”سلام قدري” وبصوت الشاب “الجيلاني” وعلى نحو فيه حداثة، فإنهم يستمعون لشيء جديد وبديع بالنسبة لهم.

والحداثة عندي لا تعني الخروج عن الأصالة، لأن الأصالة تعني، الروح، لذلك تميزت الأغنية الليبية حتى على مستوى الأقطار العربية، وحين تستمع لأغنية في قالب حديث، فغنك تدرك دون أي مساعدة أنها أغنية تونسية أو جزائرية او مصرية، أو شامية أو خليجية. وشخصياً انادي بالحداثة، شريطة الإبقاء على روح الأصالة.

– في مقال لك نشر بصحيفة الشط بعنوان (الصياد والفريسة)/1995 ، تحدثت فيه عن بداية تعلمك للصيد بكافة أنواعه وطرقه المختلفة، فهل يمكن أن تحدثني عن اقتناص اللحظة في الكتابة لديك؟

– البحر عالمي المفضل، لأنني أنتمي لأحد أسر فقراء صيادي الأسماك، فوالدي صياد سمك فقير، وكذلك جدي.

وبالنسبة لكلمة، فأنا لا أتعامل معهما كصياد، أنا فقط أضع الفكرة في رأسي، تحت المجهر مباشرة وأتركها تتزين على مهل، وحين تكون في كامل حلاوتها، تتجمع في عقلي أو جوهرتي بحيث يتم المخاض على نحو هادئ لا كر ولا فر.

بالإضافة إلى أنني أملك أدواتي التي كونتها من خلال تجربتي الطويلة، وهذا ما ساعدني على مواصلة العطاء الذي أراه متواضعاً، لكنه مرغوب من الناس الذين يغمرونني بالحب.

– هل كان القصد من وراء اختيار عوالم البحارة، هو فعلاً تحقيق الخصوصية؟

– أعتقد أن الخصوصية تكمن في اختيار اللون والأسلوب ورسم الشخصية المنفردة.. (كالنيهومية) مثلاً، فـ”صادق النيهوم” الكلمة، هو نفسه “صادق النيهوم” الإنسان، ولا يمنع أن يكون الإنسان متأثراً بعوالم ما، والنيهوم كان متأثراً ومأخوذاً بعوالم البحار لذاك نجحت روايته الشهيرة (من مكة إلى هنا). كما نجحت دراساته وكتاباته في شتى الاتجاهات وأهمها دراسته (الرمز في القرآن). وحدث هذا أيضاً مع المبدع الراحل “خليفة الفاخري” وأهمها كتابه (حين يهزك الشوق) فيما أذكر.

صحيح أن عوالم البحر أسرتني وهذا حدث على نحو وراثي، لكنني أيضاً أستوحيت من ذاكرة مدينتي الكثير مما لا علاقة له بالبحر وعوالمه.

– ما هي أهم الجوانب المضيئة في علاقتك بكل من: الكاتب والمفكر الراحل “صادق النيهوم”/ الفنان الراحل “خالد سعيد”/ الفنان “سلام قدري”/ الفنان “محمد رشيد”؟

– الأستاذ الراحل الدكتور “صادق النيهوم” كان صديقاً صدوقاً، وكان مرشداً لي في بداية كتاباتي الصحفية، أخذت من أسلوبه وكان سعيداً بي، وكان حين يأتي من بلاد الجليد الشمالية إلى طرابلس، كان أول شيء يفعله هو الاتصال بالمرحومة والدتي ليسألها عني، وكان رحمه الله حين تقول أنها لم ترني منذ شهر، كان يبحث عني، وكان يعيدني غليها بعد أن يعاتبني برقة ولطف، وكانت حين تراني مع “صادق”، تزعرد وترحب ترحيباً حاراً بالأستاذ وتمطره بالدعاء الصالح.

أما الفنان “خالد سعيد” فقد كان رفيق الطفولة، كما هو رفيق الشباب والرجولة، وكان ينقش الذهب وله صوت جميل، وأنا الذي وجهته وشجعته ليتقدم لركن الهواة، وفي ركن الهواة اكتشفه الفنان “كاظم نديم” وكنا معاً ضمن أفراد المجموعة الصوتية بفرقة الإذاعة بطرابلس.

والفنان “سلام قدري” رفيق رحلة الفن ولقد كتبت معظم أغانيه، وهو أيضاً من أقرب الأصدقاء إلى قلبي.

وبالنسبة للفنان “محمد رشيد” فقد كان زميلاً في المجموعة الصوتية وكان بيننا تعاوناً جميلاً، وصداقته متينة دائمة.

– في رأيك من المسؤول عن تراجع الأغنية؟، وماذا تفعل لو كان الأمر بيدك؟

– أرثي زمن العمالقة، زمن الإبداعي والصدق: عبدالوهاب، فريد، السنباطي، محمود الشريف، بليغ، الطويل، الرحبانية.

وأدين بشدة زمن الاستلاب هذا، زمن الدعارة الفنية، وكفى.

وأرى أن المستوى الأول والأخير والمستفيد الأوحد هو ذلك الإقطاعي الرأسمالي المعروف بالمتعهد وأسميه هنا (السمسار) فهو الذي يتحكم في أسواق الغناء ويشترط نوعيتها الرديئة، لمزيد من الكسب والنهب وإفساد الأذواق، بضرب أصالة الفن العربي، ولو كان الأمر بيدي لطلبت إصدار قانون عربي عام لمنع المرتزقة وبتر أيديهم بل رؤوسهم إذا تطلب الأمر.. ولا تعليق لي على بقية السؤال؟؟‍‍‍‍.

مقالات ذات علاقة

يونس الفنادي: الأدب الأردني يفيض بالجماليات والقيم الإنسانية

المشرف العام

مناجي بن حليم: مركز وهبي البوري استحقاق يمليه الوفاء لرجل العطاء

المشرف العام

قصيدة الومضة كأنها شهيق وزفير لمرة واحدة

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق