توطئة..
علي عتبات ربوع الثقافة الساخنة و الزاخرة دوماً بالموروث و المأثور و الغائبة عن بريق الثلوج المطفأه يبرز الكاتب يوسف المحيمد.. الملتف طوالا كتاباته بعاصفه من اللوم و العتاب أثر جراءة أم حياء و تقاليد بلده.. فهو لمن لا يعرفه؛ قاص وروائي سعودي أدار دفة القصة القصيرة حتى جنحت عن شاطئها المعتاد وجرفته جراءة قلمه على أسوار جديدة ممتعة وهو يدير سفينة مجتمعه القصصية ويروي بها ما يرويه في حياته التي يقول عنها: إنها مجرد تركيب عملي حيث يتنفس ويأكل ويمارس الرياضة.
مبتدأ:
ظهيرة لا مشابه لها في عام 1989 ف، حين برز سطح شاطئ الوطن ليكمل بعد خمس سنوات رجفة أثوابهم البيض فتكاثف الفنقاء حول مقصد قصصه وراويها بين أثواب الموتى والأطباء بين ما تتوشح به قصصه من شفافية القلب الأبيض وما تضع وتحيك الأيام نسيجاً في الخفاء لتجعل من اللباس الأبيض رفيقاً في صحوته وأمنياته.
فلا بد أن أحدا حرك الكراسة هكذا تساءل عام 1996 ف، فالذي يحرك الأشياء لا يبقى معروفاً للكثيرين فربما الكراسة تحركت بنفسها بعد أن كانت من الجلوس وربما الأماسي حركتها ولابد من أحد قام في الخفاء بذلك.
فكل الأشياء تشهد بأن الأشياء قد حركتها.
رشقة
أما أن يسكت الموتى عن الحديث وأن تصاب القبور بالهدوء ففي روايته لغط الموتى التي أصدرها سنة 2002 ف.
حكايات وأحاديث.. للغط الإحياء قبل أن تتكلم القبور.
يثير زوبعة من المشكلات حتى نبذه الكثيرون داخل دول الخليج وجرح قلمه وكاد أن ينكسر في عاصفة الكلمات بعد أن برزت فخاخ الرائحة وظهرت على سطح المدينة.
لماذا الرائحة وفخاخها… تشتم وتحجب عن التناول ومن ثم تطبع المرة تلو الأخرى.
لذلك رشفنا في ربوع المحيميد و على عبير وأسطر فخاخ الرائحة لعلها تنعش أجسادنا وقلوبنا بشيء من هوس همهمت الكلمات.
فخاخ الرائحة رواية بها اثنتا عشرة قصة للكاتب يوسف المحيميد عام 2003 ف.
جاءت على شكل رشقات منفضلة في التذوق، مترابطة في مضمون الهموم والمعاناة
حيث تحدث الراوي (طراد ) عن حياته داخل سر الغناء الحزين وكيف أن حياته حين يبدأ اطراد حكايته مع المدينة التي كرهها حتى رحل عنها إلى حيث لا يعرف يقول :
ولن يفقد شيئاً ذا بال يتركه المدينة التي عاش فيها سنين… تعلم في ليلها الحروف وتهجّى الكلمات حرفاً حرفاً.
اللعنة على هذه المدينة التي أفقدتني كرامتي وشهادتي.
بصق كثيراً بوجه المدينة كمطر شتاء وأسقطته السحب عن وهن لتجرفه في مسارب شوارع تلك المدينة ويختفي.
رشقة أخرى
يسوق يوسف دفة روايته حول وداخل مدينته يرتطم بكرهه للأشياء التي تكون عليها البشر ويعتبرهم شوهوها فهل يعقل لمدينة تقوم أو تحيا دون بشر.
في وقفة ثقافية وتوثيق رسمي لذيذ حاول سرد أحداث مولود داخل صندوق موز جعل له اسماً افتراضياً لأسماء انتهت بها قوائم المواليد.
سوق الرواية لحياة طراد..
منذ الخطوة الأولي للكاتب يجر قلمه موجهاً النصال بصوب طراد، طراد متمرداً، نزقاً، كارهاً، محباً، و نذل، و ملحاحاً علي حياته و واقعه، يسوق الأحداث حثيثاً، نحو هاوية الحدث يكبله بالندم و التقصير.. ينهل من كلماتها و صباغها متنفس، ليصبح هو علي ماهو عليه، طراد الحقيقة المبهمة المنبوذه الملئ بالكوارث و الهموم و الأمال الضائعه وسط مدينة ادارت له ظهرها بمجرد أن صرخ صرخته الأولي فيها.
فالبرغم من وجود عطاء وإرادة و ساعات للحوار و الأمل الا ان الهموم المسبوغه بالعادات و التقاليد تضج بحنايا حياته تتقمصه ز تتضارب مع شخصه، وهذه ليست بوارد أن نناقشها فاللعادات و التقاليد مآخذ كثيرة و هفوات و إتقان ربما و لسنا أمام هذه التجاذبات بين رافض و مؤيد.
كذلك ثمة مايحير في سرد يوسف للأحداث فطراد يهيمن منذو الوهله الأولي علي دفت حياة الرواية و يرشقها ببؤسه و أستذكاره و يومياته المليء بالضعف و الحب و الموشح بالكراهية، وسوء العالم مما حوله، هناك نكوص و نسيج خفي مابينهما، بصمه خاصة للألم مابين الكاتب و الراوي مابين يوسف و طراد.
يختم يوسف رحلة سفره…ببطولة الذئب
فلا يزال اطراد يجلس في صالة السفر يحث ذاكرته على الوقوف في أزقة القاعات وفي قاعة السفر يأتي الطفل الذي وجد منذ عشرين عاماً ويخطف منه الملف ويقف طراد… ليخرج من قاعة المسافرين إلى مدينة التي باطنه يحبها وخارجه يتملص عنها.
انتهى هنا طراد وعاد للمدينة واستقى يوسف المحيمد من الأنفس زخات المفاجاءة عبر نضمه كلمات تتراقص بُعدها تصنف كعقد لؤلؤ براق داخل مجالس عقولنا.