كتاب: بين اللوحة والشاشة .. قراءة في علاقة السينما بالفن التشكيلي.
طيوب عربية

من اللوحة إلى الشاشة .. علاقة السينما بالفن التشكيلي

أحمد فضل شبلول

كتاب: بين اللوحة والشاشة .. قراءة في علاقة السينما بالفن التشكيلي.
كتاب: بين اللوحة والشاشة .. قراءة في علاقة السينما بالفن التشكيلي.

لم يقتصر الأمر على تقديم أفلام وثائقية أو تسجيلية عن الفنان التشكيلي وأعماله الفنية، ولكن قُدمت أفلام درامية عن الفنانين التشكيليين وأعمالهم الخاصة، ولكن لم تشهد السينما العربية هذا النوع من الدراما بعد، على عكس السينما الأجنبية التي قدمت عددا من الأفلام المهمة في هذا المجال، بل قدمت السينما أكثر من فيلم عن فنان واحد مثل الإسباني جويا الذي أُنتجت عنه خمسة أفلام، والإيطالي موديلياني الذي أنتجت عنه ثلاثة أفلام، والهولندي فان جوخ الذي أنتجت عنه ستة أفلام، وغيرهم.

وفي كتابه “بين اللوحة والشاشة .. قراءة في علاقة السينما بالفن التشكيلي” يدلنا الناقد السينمائي محمود قاسم على 14 فيلما من تلك الأفلام الأجنبية، وقد صدر الكتاب عن سلسلة “ذاكرة الفنون” التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب ويرأس تحريرها الناقد والفنان المبدع عزالدين نجيب الذي يؤكد في مقدمته “بين المتعة البصرية والثراء الإنساني” على المتعة المضاعفة التي يتكامل فيها الإحساس بروعة اللوحة والتمثال مع روعة العرض السينمائي. ولكنه يعلن حزنه بسبب غياب مثل هذا النوع من الأفلام عن السينما المصرية طوال تاريخها “على الرغم من أن تاريخ الحركة التشكيلية لدينا مليء بقصص إنسانية ودرامية لبعض أعلامنا من مختلف الأجيال”.

ويبدأ محمود قاسم فصول كتابه بفيلم عن الفنان الإسباني فرانشيسكو جويا للمخرج كوستر الذي أراد أن يروي قصة اللوحتين “المايا العارية” 1800 و”المايا بكسوتها” 1803، من خلال المرأة التي رسمها الفنان بالحجم الطبيعي مرتين، وعلى الرغم من أن التعري لم يكن حدثا صادما في الفن التشكيلي، فإن هذه اللوحة أحدثت صدى كبيرا، وقيل إنها أول تدنيس يصور امرأة عارية بالحجم الطبيعي في الفن الغربي.

يقول قاسم: الفيلم يروي جزءا من سيرة حياة الفنان وهو في قمة شبابه وتألقه إبان الزمن الأعظم للنزوات للمايا أو الماخا – حسب النطق الإسباني – وهي دوقة البا، والتي قيل إن جويا قد ارتبط بها عاطفيا، وتسمى أيضا بالسيدة مانويل دي جودي، وقد صارت هذه المرأة النموذج الذي يرسمه جويا لعدة سنوات. وفي الفيلم الذي تم إنتاجه بين الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا، نرى كي تعرّف جويا على دوقة البا وصارت عشيقته.

وقد كشف الفيلم عن المتاعب التي تعرض لها الفنان بعد أن رسم اللوحتين باعتبار أنه فضح امرأة من طبقة راقية، تعددت وجهات النظر في اسمها الحقيقي.

أما رودان وكامي كلوديل، فكانا عبارة عن رجل وامرأة في تمثال واحد، حيث نشأت كلوديل في أسرة من الأدباء والفنانين، وارتبطت حياتها بالفنان الفرنسي النحات السفير أوجست رودان، وفي عام 2013 تم إنتاج الفيلم الثاني من مسيرة حياتها بعنوان “كامي كلوديل 1915” وهي أخت الشاعر والكاتب المسرحي المعروف بول كلوديل، وقدر لها أن تعيش قصة حب بالغة الجنون مع رودان، وهي المرحلة أو القصة التي تدور أحداث الفيلمين حولها. كما كان هناك فيلم ثالث عن حياة كامي كلوديل حيث قام ثلاثة مخرجين إسبان في عام 2011 بعمل فيلم “كامي كلوديل” وبدا حدثا مدهشا تم استقباله بحفاوة شديدة.

أما الفنان الإيطالي موديلياني فقد أخرج عنه المخرج الفرنسي جاك بيكر عام 1957 فيلما وجسد شخصيته جيرار فيليب، بالإضافة إلى فيلمين آخرين هما: “مونبارناس 19″ و”موديلياني 2004” وهو عن الحياة التي عاشها الفنان وجسد الدور الممثل اندي جارسيا.

ويشير قاسم إلى أن شخصية موديلياني ظهرت بشكل هامشي في الفيلم الفرنسي “الوشم” عام 1968 من إخراج دنيس ودلاباتيلير، حيث رسم الفنان وشما على ظهر شخص يدعى لوجران، وبدا الوشم أقرب في ملامحه إلى وجه الكاتب والرسام الشهير جان كوكتو.

وعن لوحة بيكاسو الشهيرة “جرنيكا” أنتج فيلم تسجيلي فرنسي تمت فيه الاستعانة بقصيدة مليئة بالحيوية للشاعر بول إيلوار، من إخراج آلان رينيه وروبير هسن، ويعتبره نقاد الفن التشكيلي والسينما أحد أشهر نماذج الفيلم الفني على الإطلاق، حيث نجحت اللوحة – وأيضا الفيلم – في تثبيت لحظات الدمار والعنف والقسوة التي حدثت في قرية جرنيكا الإسبانية. ويلاحظ أن التجربة أثبتت تفوق اللوحة على الفيلم، والدليل أن المخرج نفسه أخرج فيلما روائيا فيما بعد هو “هيروشيما حبي” لكن جرنيكا كانت أكثر بقاء، رغم أن هيروشيما أكثر قسوة وبشاعة وآلاما وكارثية.

وعن الفنان سلفادور دالي تم إنتاج فيلم بين كل من بريطانيا وإسبانيا بعنوان “قليل الرماد” لبول موريسون الذي توقف عند مرحلة مبكرة جدا من حياة دالي في عام 1922 أي وهو في الثامنة عشرة من العمر.

أما حياة الفنان تولوز لوتريك القصيرة (37 عاما) فقد ألهمت الكاتب الفرنسي بيير لوميير بتأليف رواية سيرة ذاتية عن الرسام نشرها عام 1951 وأسرع المخرج الأميركي جون هيستون لتقديمها كفيلم في السنة التالية، وأصبح لوتريك معروفا بوجه الممثل جوزيه فيرير.

ويرى محمود قاسم أن العالم الخاص بالفنانين التشكيليين مليء بالغموض والسحر والإبداع، وأن وراء كل لوحة شاهدها الناس توجد قصة تصلح أن تكون فيلما، ويتوقف عند عالم الفنانة التشكيلية فريدا كالو الذي يكشف عن علاقة مثلية تربط بين الفنانة ونساء أخريات، إما كتصرف طبيعي ردا على خيانة الزواج، أو أنه ميل ذاتي للفنانة، وذلك من خلال فيلم تم إنتاجه عام 2002 أي بعد رحيلها بـ 58 عاما، وهو مستوحى من كتاب حول سيرة حياة الفنانة كتبه هايدن هيريرا عام 1984 وهو إنتاج أميركي، وقد اشترك في كتابة النص السينمائي (السيناريو) أربعة كتاب يقدمون سيرة عن حياة فريدا.

وعن الفنان تيرنر الذي عاش في بريطانيا بين عامي 1775 – 1851 وكان رساما ونحاتا أو حفارا واتسمت أعماله بالجرأة وكسر كل ما هو تقليدي؛ كان فيلم “السيد تيرنر” ويتضح أننا أمام رجل عاش مغمورا ومات وسط تجاهل شديد، رغم أن لوحاته الموجودة في المواقع الخاصة به تؤكد أنه كان فنانا بالغ المهارة في رسم البورتريه.

أما الفنان بول جوجان فتحت عنوان “عشرة أفلام لا تكفي” كتب محمود قاسم، حيث إن سيرته الذاتية تتسع للعشرات من الأفلام، وقدمت السينما حول حياته فيلمين بالغي الأهمية لم يكونا بالضبط حول سيرة حياة جوجان بقدر ما هما عن صداقات ربطت بين الفنان وآخرين من أعلام عصره.

ويشير قاسم إلى أن فيلم “شهوة الحياة” لم يحمل اسم أي من نجمي الفن التشكيلي، فان جوخ وبول جوجان، بقدر ما حمل اسما محايدا، والفيلم من بطولة كيرك دوجلاس وانطوني كوين اللذين حاولا أن ينقلا الحياة التي عاشها الفنانان في الحياة، رجل قوي البنيان والموهبة في مقابل صديق غير سليم الإدارك للنفس، لكن قوته في أنامله وهو يرسم، كما أن الدراما يمكنها أن تجد في هذا النوع من الحياة ما يجذب الناس.

غير أن هناك أفلاما أخرى عن فان جوخ (الرجل الذي قطع أذنه) وصلت إلى ستة أفلام بالغة الأهمية، منها الفيلم الذي أشرنا إليه “شهوة الحياة” مع جوجان، و”فانسان وثيو” 1990، و”فان جوخ” 1991، و”حياة وموت فانسان جوخ” 1974، غير أن أشهر هذه الأفلام هو “شهوة الحياة”، وهو عن رواية سيرة خاصة صاغها الكاتب الأميركي ارفنج ستون عام 1934. وقد تخصص هذا الكاتب في كتابة روايات حول السير الخاصة للفنانين التشكيليين، ومن بينها رواية “العذاب والمتعة” حول سيرة الفنان مايكل أنجلو، باعتبار أن هذا النوع من الروايات غير مألوف.

وقد نشر الروائي روايته عن مايكل انجلو عام 1962 وأثارت الكثير من النقاش وسرعان ما تحولت إلى فيلم سينمائي، كان محل جدل حتى الآن، فهو فيلم تاريخي في المقام الأول حول الظروف الاجتماعية والسياسية والدينية التي شهدتها بداية القرن السادس عشر بين البابا جوليوس الثاني والفنان مايكل أنجلو الذي رسم سقف كنيسة سيستين في ظروف مليئة بأجواء الجدل الساخن الأقرب إلى مرحلة فاصلة، ليس فقط في تاريخ علاقة الفنان بما يراه ويرسمه، بل إن البابا اعترض على الرسوم، ووقف ضدها واتهم الفنان بالخروج عن المألوف، وما تقوله العقيدة ليست من وجهة نظره، بل من منظور النص المقدس.

أيضا تحدث الكتاب عن أفلام عن الفنان الأمريكي جاكسون بولوك لما فيها من الإثارة والدهشة ما جعل المخرج هاريس يقبل على إخراج فيلم عن هذا الفنان.

كما تحدث الكتاب عن جوستاف كليمت الذي كانت سيرته ليست كما كانت في الواقع، بل هي من صنع كاتب الرواية البريطاني جيلبرت أدير، حيث تمتزج الأزمنة بالشخصيات بالمواقف، وتتداخل اللوحات التي رسمها كليمت بشخصيات تعرف عليها، منهم النساء والفنانون التشكيليون الذين عاشو معه.

ومما يزيد من قيمة هذا الكتاب وجود لوحات ملونة وصور تماثيل لبعض أعمال الفنانين الذين ورد ذكرهم بالكتاب.

_______________________-

نشر بموقع ميدل إيست أونلاين.

مقالات ذات علاقة

الحـــــــــــــلم لـــــــك..

حسين عبروس (الجزائر)

الأم في قصائد رفعة يونس 

زياد جيوسي (فلسطين)

جماهيريّةُ الشاعر تميم البرغوثي

فراس حج محمد (فلسطين)

اترك تعليق