(أهل السعد اتحطبلهم الريح) مثل شعبي
لو كنت مسرحيا موهوبا لتخيلت مسرحية ساخرة فكرتها مقتبسة عن موضوع في احدي الصحف، تدور أحداثها حول المواطن الأفريقي “اوباما” أتخيل انه قبل أن يسافر إلي أمريكا قرر أن يغير طريقه ويأتي إلي الشمال الأفريقي لعدة أسباب منها انه مسلم ويرغب الدراسة في بلد قريب، وانه صوفي من أتباع احدي الطرق التي مازلت منتشرة ولها مريدوها، لهذا التحق بأحدي الجامعات كغيره من الطلبة الأفارقة، ومع الوقت أخذ يحلم بالبقاء وبالعمل بعد إن يكمل دراسته، وشاء النصيب أن يتعرف علي طالبة من أسرة متوسطة الحال فأحبها السيد “اوباما”بصدق وهي أيضا هامت به عشقا وأحبته بجنون وقررا الزواج ولكن أسرتها رفضت الفكرة وبشدة لعدم التكافؤ فهو غريب واسود وهي بيضاء ومواطنة أصيلة عن عشرة جدود أو أكثر، كما قالوا لها، وقد نهرها أخوها المتشدد الذي كان يردد دائما بأننا لآدم وآدم من تراب ! وقال لها وهو يرغي ويزبد :
يا بنت ستين كلب.. ألم تجدي غيره في الجامعة؟ وأبناء عمك أكثر من الهم علي القلب فاختاري واحد منهم أستر!
أما والدها الأقل تشددا أراد أن يقنعها بحكمته المجربة المغلفة بثوب الوعظ قائلا:
يا ابنتي شوفي غيره! هذا زواج لن يكتب له النجاح لأنه بعد أن يتخرج قد يقرر الرجوع إلي بلاده، وإذا ما بقي هنا فسوف يكون عالة عليك وعلينا فالعمل غير متوفر لأبناء البلاد فما بالك بالغرباء، ثم ماذا سيعمل كنّاس بالكثير في حماية البيئة .. هذا إذا رضوا عنه.
ولكن البنت معاندة وخرجت علي نصائح أسرتها محتمية ببعض ثغرات القانون التي تعطيها حرية اختيار الزوج بإرادتها فذهبت به إلي المحكمة المختصة وأصرت أمام القاضي علي الزواج من السيد “اوباما”وهكذا كان ..
وتخرج السيد حسين من احدي المنارات الجامعية بتفوق وبدأ البحث عن عمل واستمر ذلك لأكثر من سنوات ورزق بولد اسماه المبروك تبركا به ، وتعقدت الأمور فمرتب زوجته المدرسة لم يعد يكفي وأخذت المصاعب تزداد والنفور منه كان واضحا علي كل معارف زوجته الذين تشفوا فيها، وفي لحظة يأس قرر أن يطلق زوجته ويترك لها ولده الوحيد المبروك ،وهو يردد في أغنية من التراث تقول” غريب في بلاد الناس قليل وين يزهي خاطري” وسافر كما كان قد خطط في بداية حياته إلي حلمه الكبير .
ودون عوائق تحقق المراد ووصل إلي هناك وبعد فترة تزوج فتاة حلوة ولم يجد صعوبة في الحصول علي العمل وفقا لمؤهلاته وخبرته ومجهوده وأنجب ابنه الثاني وأطلق عليه اسم باراك بمعني المبارك في لغته الأصلية، واختصار للسرد قد عرفتم وبروايات مختلفة ماذا حدث للسيد “اوباما” ولابنه باراك أو المبارك الذي صار بحكم القانون مواطنا وعاش كما يعيش أي مواطن يتمتع بكل الحقوق وعليه الواجبات، وواصل طريقه, الذي لم يخلوا من بعض الصعاب أيضا، وكان شعاره الذي تأثر به من مدرسته قول احد المزامير: ( واصل السعي.. تحقق ما تصبوا إليه.. فتنال المجد) وفعلا واصل سعيه حتى وصل إلي مجلس الشيوخ وأخذ يسير بخطوات راسخة نحو تحقيق الحلم حتى تقدم كمرشح لمنصب الرئاسة وصار أول اسمر لهكذا منصب في تاريخ البلاد وقد فاز وأصبح رئيس أكبر دولة في العالم تهزه كيفما تريد وتأمر بما تريد فلا احد يستطيع أن يقول ( الناقة) أو الفيل يا ملك الزمان !!
وسيكون من احد فصول المسرحية العودة للابن البارك كبعير أجرب، ومما زاد في هم المبروك، المرمي كحذاء قديم، انه تزوج من فتاة سمراء هي أيضا ذات عشرة جدود! عساه أن ينعم بشرف المواطنة ذلك الحلم الذي راود أباه ثم تخلي عنه، وداخ المبروك بين الإدارات للحصول علي الموافقة بتجديد بطاقة إقامته كلما انتهت مدتها، وتردد عشرات المرات في كل تجديد علي مكاتب الأمن ومكافحة الزندقة خصوصا وانه ورث عن والده الصوفية ولا يتكلم إلا بالأحاديث ويستشهد بالسّنة وأطلق لحيته رغم انه يقوم بتهذيبها الأمر الذي كان محل شبهة أينما حل، ولهذا فهو مازال يعامل علي انه غريب طيلة هذه السنين وأمه أصيلة ذات عشرة جدود والتي كانت تقول له مواسية ( البخت ما إيجي تسنيد يشقيك كان ما بيده قعد) وأيضا زوجته، وقد يتعرض للطرد والترحيل في أي لحظة عند بوادر أي خلاف مع دولته الأصل، ولم يتمكن من العمل في أي وظيفة باستثناء حماية البيئة ككنّاس لشوارع المدينة رغم مؤهله الذي يسمح له بالتدريس علي الأقل في احد المدارس النائية، ولقد تبهدل وحفيت قدماه وهو يتردد علي إدارات التعليم والصحة من اجل إعفاءه وأولاده من دفع الرسوم باعتباره أجنبي مقيم.
وستسدل الستارة في انتظار الفصل الأخير؟